جاءت الأحداث السريعة والمتلاحقة كاشفة وناجزة لنوايا كل القوى السياسية التى تاجرت بالثورة، وصعدت على أكتافها، وتحاول الآن فرض سياستها وأهدافها على مصر وشعبها من خلال احتكار الجمعية التأسيسية للدستور فى سابقة خطيرة تهدد مستقبل الأمة المصرية. الآن وبعد أن اتضحت الصورة وتكشفت النوايا عاد السؤال من جديد.. إلى أين تتجه مصر، وهل يستسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتهديدات التيار الإسلامي؟!.. الواضح أن شهر العسل بين الإخوان والمجلس العسكرى الذى بدأ بالاستفتاء على الإعلان الدستورى فى مارس من العام الماضي، قد انتهى.. والواضح أيضا أن التصعيد الإخوانى مستمر بعد أن بدأ بمحاولة إسقاط حكومة الجنزورى فى رسالة مؤداها السيطرة والهيمنة وليس بهدف التغيير وخدمة الشعب لأن الجميع يعلم أن الوقت المتبقى للحكومة المؤقتة شهرين، وهذا الوقت غير كاف لتشكيل حكومة جديدة أو إضافة أى جديد فى هذه الفترة القصيرة جداً.. نفس الأمر حدث عندما رفض الإخوان القرض الذى نطالب مصر صندوق النقد الدولى وقيمته 2/3 مليار دولار، وكلنا يعلم حاجة مصر الماسة لهذا القرض، واستمراراً لعمليات التصعيد رفض الإخوان إعلان تأييدهم للسيد منصور حسن بعد إعلان ترشحه بشكل يشير إلى أنه المرشح التوافقى، وهو الأمر الذى دفع السيد منصور حسن للانسحاب.. وأخيرا وليس آخراً قاد الإخوان التيار الاسلامى للاستحواذ على أكثر من 75٪ من الجمعية التأسيسية على نقض كل التعهدات السابقة التى قطعوها على أنفسهم بأن يتم اختيار الجمعية التأسيسية بتوافق كل القوى والتيارات والعرقيات بعيدا عن مسألة الأغلبية فى البرلمان. أما أخطر ما فى عمليات التصعيد فكان فى بيان الإخوان الأخير الذى حمل فى طياته لغة التهديد والتحذير والحديث باسم الثورة المصرية وإعادة استدعائها، وهو أمر أثار حفيظة عموم الشعب المصرى الذى كان مشاركا ومشاهدا على كل أحداث الثورة التى خطط لها وفجرها وقادها الشباب المصرى بعيدا عن كل الأحزاب والتيارات المصرية واستمرت من ظهر الثلاثاء 25 يناير 2011 وحتى صلاة الجمعة 28 يناير 2011 شبابية خالصة باستثناء بعض الرموز الليبرالية إلى أن انهار جهاز الشرطة - عصا النظام - ولم يعد فى مقدوره الصمود أمام طاقات وإصرار الشباب.. هنا تم التحول الدراماتيكى عندما ظهر الإخوان المسلمون فى الثورة.. بينما استمر التيار السلفى على عهده واعتقاده بعدم جواز الخروج على الحاكم كما حدث فى نفس اليوم - الجمعة - الهجوم على السجون وفتحها وتدمير البنية الأساسية لجهاز الشرطة من أقسام وسيارات والاستيلاء على الأسلحة، وكلها تمت فى توقيت واحد وشارك فيها عدد يتجاوز الألف من عناصر حماس المدربة على هذه الأعمال. كل هذه الأحداث التى تموج بها مصر الآن جعلت المجلس الأعلى للقوات المسلحة يصدر بيانا مقتضباً استشعرنا فيه أن البلد فى أزمة حقيقية تذكرنا بأحداث 1954، خاصة أن الدستور الذى يصنعه الإخوان سوف يكون فاقدا الشرعية والدستورية، وهو أمر يهدد أيضا انتخابات رئاسة الجمهورية وكلها أحداث مرتبطة بالأغلبية التى حصل عليها التيار الاسلامى داخل البرلمان ويتخذها ذريعة لمحاولة السيطرة على كل مؤسسات الدولة فى خطوة متسرعة وخطيرة بعد أن خانهم ذكاؤهم فى أول تجربة عملية، مما أفقدهم تعاطف غالبية المصريين التى جمعوها فى سنوات طويلة، وأهدروها فى شهور قليلة.