على مدار عام ويزيد ، لايهدأ الحال بمبنى ماسبيرو " مبنى إتحاد الإذاعة والتلفزيون " ، يتعاقب المسئولون على إعتلاء الكراسى ولاتتغير الأمور ، فالمظاهرات مستمرة والإحتجاجات تتطور شكلا ومضمونا . المطالب فى أساسها مالية بحته ، ومع ذلك لايتم معالجة الأمر بشكل جماعى ، فلا الوزير الحالى ( وهو الرابع منذ الثورة ) ولا السابقين قدموا رؤية شاملة وجامعة للأمور المالية للعاملين بالإتحاد ، وإنما الأمر يتم التعامل معه بنظام "القطعة " ، وتأتى الإستجابة دائما تحت الضغط . فكل يوم يتظاهر العاملون فى أحد القطاعات وتتطور الأمور إلى أحداث فى معظمها مؤسفة ، وتتم الإستجابة للمطالب التى رُفضت فى البداية ، وتهدأ الأمور ثم ما تلبث أن تثور من قطاع آخر ويمر نفس السيناريو ، المتغير الوحيد هو التغير النوعى فى الألفاظ المستخدمة والتجاوزات المرتكبة . لماذا لا تُطرح لائحة شاملة تتضمن كافة العاملين وكافة التخصصات لينتهى هذا الأمر ؟ العدالة مطلوبة ، ولكنها لاتعنى تساوي الجميع ، فالفئات المختلفة لايمكن أن تتساوى ولكن الفئات الواحدة لها أن تتساوى أو تتقارب ،ولكن هذا لايرضى البعض ، فكل فئة ترى أنها قادرة على توقيف العمل ومن ثم فلها أهميتها وتطلب المساواة مع فئات أخرى ، وهنا برزت ممارسات غير مقبولة على الإطلاق ، فتارة نسمع عن إغلاق الأبواب ومنع دخول المبنى أو الخروج منه ، وتارة يتم تعطيل المصاعد ، وتارة أخرى يتم إغلاق الجراج ، فكل فرد يتصرف فى مكان عمله على أنه صاحب إمتياز تشغيله دون النظر لمصلحة العمل ، تصرفات يحاسب عليها القانون فى الظروف العادية أما فى ظروف مصر الحالية فهذا للأسف هو السبيل لتحقيق مطالبك . الأمر الآخر الذى يدعو إلى الأسف هو أسلوب التعامل مع القيادات ، الذين هم فى معظمهم زملاء عمل للمتظاهرين ،أسلوب يفتقد إلى أدنى حدود اللياقة وهو ما يحتاج إلى وقفة جادة ، فالإحترام أساس التعامل الإدارى داخل أى مؤسسة ، فإن ضاع الإحترام إنهارت الإدارة وسقطت المؤسسة . الأزمة مزدوجة .. فهى أزمة إدارة فى المقام الأول ، فالوزير( على مدى مايزيد على ثلاثة أشهر ) لم يقدم رؤية شاملة وواضحة لإصلاح أحوال جميع العاملين ، ولم يقدم تقريرا للأوضاع المالية داخل مؤسسته ، وأظن أن الوحيد الذى تحدث بالأرقام عما هو موجود لديه من رصيد وما يحاول الحصول عليه كان " أسامه هيكل " ، أما من كان قبله ومن أتى بعده فلم نسمع منهم شيئا فى هذا الصدد ، أما الوجه الآخر للأزمة فهو الإنفلات الأخلاقى فى المطالبة بالحق والسلوك غير المسئول تجاه مكان العمل ، وإن كان هذا الأمر لاينفصل عما يحدث داخل بقية المجتمع الآن ، إلا ان أهل الإعلام الذين يصوغون عقول ووجدان الجمهور لابد لهم أن يرتقوا فى أسلوب مطالبتهم بحقوقهم . إن المسئولية تقع فى المقام الأول على عاتق وزير الإعلام ، فعليه أن يعلن عما هو متاح لديه وما يستطيع تدبيره من موارد ماليه والمدى الزمنى المطلوب لتدبير هذه الموارد ، يعلن عما تم إقراره من زيادات حتى الآن وماهو قادم ، يعلن عن القطاعات التى تمت الزيادة فيها ، والقطاعات الآتية فى الطريق ، بدلا من ترك الأمور لتكهنات وإشاعات تشعل الدنيا فى لحظات قليلة ، عليه الرد على المطالب فى حينها بدلا من التسويف ثم الإضطرار إلى الإستجابة بعد تصاعد الأمور وتزايد حدة التعامل والتجرؤ غير المقبول ، عليه أن يتصدى للمشاكل فى بدايتها بدلا من تصدير رؤساء القطاعات الذين لايملكون قرارات الزيادة ، ويتعرضون لمواقف مرفوضة إداريا وإنسانيا ، ثم يأتى فى نهاية المطاف ليقر تلك الزيادات . الكلام السابق لايعنى أن العاملين ملائكة ومعهم الحق دائما ، فمسئولية كبيرة تقع على عاتقهم ، فالكل يطالب بالزيادة فى نفس الوقت ولا أحد يسأل من أين ستأتى هذه الزيادات ، ولا أحد يسأل هل أدى ماعليه من عمل أم لا ، ولا أحد يسأل ماذا قدم لمؤسسته ، ومسئوليتهم الأخرى تقع فى تعطيلهم لأعمالهم ، وإعاقتهم لعمل غيرهم ، وكذلك العنف اللفظى والجسدى المستخدم منهم تجاه الآخرين ، البعض يكون معه الحق ، والآخر يكون بعيدا عن الحق ولكنه يرى أن هذا هو التوقيت المناسب لتحقيق مكاسب إضافية ، فالنظر دائما للحقوق دون النظر للمسئوليات . إن مايحدث داخل وزارة الإعلام لايختلف كثيرا عما يحدث داخل بقية الوزارات ، فالحكومة الحالية والسابقة قبلت الضغط ، وأصبحت لا تستجيب إلا مع الضغوط ولى الذراع ، وهذا معناه فقد الدولة لهيبتها ، وإن إستمر الأمر كذلك ، فالقادم أسوأ . فليخرج علينا وزير الإعلام بعد زيادة أغلب إن لم يكن جميع القطاعات ويعلن عما تم تحقيقه ، ويطالب بضرورة الهدوء والعودة للعمل ، خاصة ونحن على أبواب شهر رمضان الكريم ، وهو شهر له طبيعة خاصة على مستوى الإعلام ، وليدعُ الجميع إلى العمل على إضفاء طابع جديد للشاشة المصرية خلال هذا الشهر الكريم ، ومن ثم تحقيق عوائد مالية للخزينة الخاوية منذ فترة ، وليفكر الجميع فى عودة المنتج الإعلامى المصرى إلى الشاشات العربية . دعونا نجعلها هدنه ولو مؤقتة لصالح مصر ، فليهدأ الجميع بعد ما وصلوا إلى تحقيق أغلب مطالبهم ، وليفكر الجميع فى صالح هذه المؤسسة العريقة وصالح هذا البلد الطيب ، وليتولى كل فرد مسئوليته ، وليؤدِ الجميع ماعليه ، وليتنا نرى لدى وزير الإعلام خطة عمل لهذه الفترة تحقق التواجد المشرف والمربح للإذاعة والتلفزيون خلال هذا الشهر الكريم ، وليتنا نرى العزيمه من العاملين على إنجاز هذه المهمة الوطنية . وليقدم أهل الإعلام خلال هذه الفترة العصيبة من عمر الوطن القدوة لغيرهم من أهل القطاعات الأخرى .