لجان مجلس الشعب نايمة فى العسل، مع أنه يطلق عليها المطبخ البرلمانى الذى يجهز الوجبات التى يناقشها المجلس تحت القبة، تعاملت ال«19» لجنة بطريقة اطبخى يا جارية كلف يا سيدى، وتنتظر التكليف من الدكتور سعد الكتاتنى رئيس المجلس، حتى ترتدى مريلة المطبخ لإعداد الوجبات المطلوبة.. صحيح أن اللجان تناقش الموضوعات بعد إحالتها إليها من رئيس المجلس لكن هناك نص لائحى أعتقد أن الدكتور الكتاتنى نبه إليه اللجان، فى بداية دور الانعقاد يعطى للجان البرلمانية حق تقصى آثار تطبيق القوانين العامة التى تمس مصالح الجماهير الأساسية المتعلقة بنطاق اختصاصها، وتبحث مدى اتفاق القرارات المنفذة لهذه القوانين مع الأهداف التى صدرت من أجلها. لو أخذت اللجان البرلمانية هذا الموضوع بجدية لاستطاعت من خلال مناقشاتها وتقاريرها فضح نظام مبارك الذى أصدر العديد من القوانين لخدمة فئة رجال الأعمال المقربين من النظام على حساب اقتصاد الدولة. للأسف استمر صدور هذه القوانين التى تخدم «الصفوة» بعد قيام ثورة 25يناير، ولم تتحرك اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب لتقصى آثار الحجر الذى ألقاه ممتاز السعيد وزير المالية فى بحر الاقتصاد المصرى عندما طرح رغبة أصدقائه من نزلاء طرة والهاربين فى التنازل عن جزء من الأموال التى نهبوها مقابل التصالح فى القضايا المطلوبين فيها، ولو تحركت اللجنة الاقتصادية لتقصى آثار اقتراح نزلاء طرة على الاقتصاد المصرى، لتأكدت أن الحكومة تحاول إحياء مرسوم بقانون أصدره المجلس العسكرى برقم «4» لسنة 2012 لتعديل قانون ضمانات وحوافز الاستثمار الصادر بالقانون «8» لسنة 1997 وتم نشره فى الجريدة الرسمية فى العدد «52» مكررة «5» بتاريخ «3 يناير» الماضى، وهو من القوانين التى فرضها المجلس العسكرى بإرادته المنفردة قبل انعقاد البرلمان بأيام لتفادى الاعتراض عليها كما حدث فى قوانين الانتخابات الرئاسية وانتخاب شيخ الأزهر وتنمية سيناء، تتيح المادة السابعة من قانون حوافز الاستثمار المعدل بقرار العسكرى التصالح مع المستثمر فى جرائم اختلاس المال العام فى أى حالة تكون عليها الدعوى الجنائية قبل صدور الحكم البات فيها، ويترتب على التصالح انقضاء الدعوى الجنائية ضد المستثمر ولا يمتد الانقضاء لباقى المتهمين معه فى ذات الواقعة ولا يستفيدون منه!! كما تتيح المادة «66» لرئيس مجلس الوزراء إصدار قرار بتشكيل لجنة لتسوية المنازعات التى تنشأ عن العقود المبرمة بين المستثمرين وفى حالة وصول اللجنة مع الأطراف الى تسوية ودية نهائية تكون تلك التسوية واجبة النفاذ وملزمة بعد اعتمادها من مجلس الوزراء. سمعت أن بعض النواب تقدموا باقتراحات لإلغاء المرسوم بقانون الذى أصدره المجلس العسكرى حول التصالح، ليمارس البرلمان حقه المشروع فى مراجعة كل الممارسات الاقتصادية السابقة التى تمت فى عهد مبارك وإعادة التوزيع العادل للثروة وحماية حقوق الأجيال القادمة. لكن واضح أن برلمان الثورة لم يتخلص من الثلاجة التى كان يستخدمها برلمان الحزب الوطنى المنحل فى حفظ مشروعات القوانين والملفات المهمة وسار برلمان الثورة على نهج المنحل فى اخفاء هذه المشروعات حتى لا تفوح رائحتها ليريح دماغه من صداعها ويتعود المجتمع على النسيان. القراءة المتأنية للمادتين السابعة والسادسة والستين اللتين عدلهما العسكرى بقانون منفرداً قبل أيام من بدء جلسات البرلمان تجعل من لصوص طرة ملوكاً متوجين واعترافاً صريحاً بالفساد المنهجى والمنظم الذى سهله نظام مبارك لبعض رجاله للاستيلاء على ثروات المجتمع وتفكيك بنيته الاقتصادية بعد استيلاء هذه العصابة على مساحات شاسعة من الأراضى ونزح ثروات المجتمع وتدمير مقومات الصناعة المصرية ووصل الحد الى صياغة تشريعات تسهل لهم إتمام ممارساتهم. إن تطبيق هذا القانون الذى صدر فى غيبة البرلمان بطريقة ملتوية يفتح الباب للتصالح على الفساد الاقتصادى الذى قام به رجال مبارك، ويؤكد استمرار تدليل فئات من المجتمع على حساب الصالح العام والتلاعب بالتشريعات تحت زعم حماية الاستثمار وهو فى حقيقة الأمر يتعلق بحماية الفساد والسعى لإغلاق هذه الملفات بدلاً من مراجعتها وتطبيق أحكام القضاء. إذا قامت اللجان البرلمانية بواجبها فى سد الثغرات التى تسمح للحيتان بالاستيلاء على ثروات المجتمع وإذا نفذ البرلمان اقتراحاتها ننفض عن أنفسنا تهمة أننا أمة إذا سرق فيها الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد.