فقدنا صوت الحكمة. انتقال بابا العرب إلي الأمجاد السماوية خلال تلك الفترة الدقيقة من عمر الوطن خسارة كبيرة لمصر وشعبها مسلميه ومسيحييه.. التاريخ سيذكر للبابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية مواقفه الوطنية والقومية كأحد حراس الوحدة الوطنية ورمز من الرموز الدينية في مصر والعالم وأنه صوت الحكمة والتواضع والاعتدال وأحد دعاة المحبة والسلام قدم البابا شنودة مفهوما جديدا للبابوية كرجل مصري مثقف وراهب ومفكر وشاعر وصحفي كان يكره التعصب ويقول إذا كان التمسك بالدين فضيلة إلا أن التعصب رذيلة ومعالجة التعصب لا تكون بالتعصب والا كان معناه معالجة الخطأ بالخطأ، فالنار لا تطفئها النار وإنما يطفئها الماء. كان رحمه الله يسعي إلي المحبة ويؤكد أن الحب الحقيقي ينتصر علي كل شيء والشك لا تزيله المحبة فقط وإنما يزيله العمل والتروي. نشر البابا شنودة المصرية في جميع أنحاء العالم عن طريق تعيين قساوسة مصريين في العديد من الكنائس التي أقامها في الشرق والغرب ودعا إلي السلام وحب الوطن والحفاظ علي سمعته وتاريخه ومحبة مواطنيه بعضهم البعض وأعلي مصلحة الوطن وأفني حياته في خدمة مصر وهو حالياً في السماء يصلي من أجل مصر لترسو السفينة إلي شط الأمان بخير رجالها سلاما وأمانا واطمئنانا. رحل أسد الكنيسة المصرية تاركاً وراءه 4 عقود من العطاء وأصبح جزءا من المنظومة المصرية بانكساراتها وانتصاراتها وصعودها وهبوطها.. ترك لنا ذكراه تتحدث عن مواقفه الوطنية ودعمه لحوار الاديان وبث روح التسامح وأصبح رمزاً للمحبة والسلام.. أحب مصر ودعا لوحدة نسيجها فأحبه المصريون. رفض البابا شنودة المشاركة في مؤتمر الاقليات عام 94 وقال الاقباط ليسوا أقلية في مصر، في كل فتنة يكون البابا أول من يطفئ الحريق ويرفع صوت العقل وهو القائل: لو أن أمريكا هي التي ستحمي الأقباط في مصر فليمت الأقباط وتحيا مصر. ولن ينسي التاريخ مواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية بتحريمه زيارة المسيحيين كنيسة القيامة بفلسطين إلا بعد تحرير القدس وقيام المسلمين بزيارة المسجد الأقصي. راهب الوطن في قلوب المصريين الذين توافدوا بالآلاف علي الكاتدرائية لإلقاء النظرة الأخيرة علي جثمانه فوق الكرسي البابوي، وهو في قلوب الآلاف الذين وصلوا من خارج مصر لاداء واجب العزاء، وسوف تتقدم العمائم الصفوف لتقديم واجب العزاء في شخصية فريدة خسرته الأرض وربحته السماء. نرجو أن يتجاوز الأخوة المسيحيون هذه المحنة ويعوضهم بمن يصلح ويرفع شأن الوطن، ونثق في أن قيادات الكنيسة ستعلو فوق المصالح الشخصية وستعلي مصلحة مصر وتتحلي بخلق البابا والسير علي نهجه والالتزام بالضوابط الكنسية لاختيار خليفته بالتأكيد مصر تحتاج إلي بابا شنودة آخر.