الموت للسياف قاطع رؤوس الضد، وصانع الألم والفجيعة. الويل لعبيد الظلمة، ومقبلي أحذية الملوك والسلاطين. والمجد لمناضلي الكلمة في كل مكان، والمستشهدين في سبيل الحقيقة. فرزات جربان، باسل السيد، ماري كولفين، جيل جاكيه ماتوا في سبيل الحقيقة. اقتنصتهم آلة الغدر الأسدي وهم يسعون لتوثيق الحقيقة في سوريا. كان جربان يعمل بائعا للزهور في مدينة القصير السورية قبل أن تندلع ثورة الحرية، عندها وجد نفسه يحمل كاميرته الحبيبة علي كتفه ليوثق مشاهد القمع والسحل التي ترتكبها السلطة الغاشمة ضد معارضيها. في نوفمبر الماضي اختفي الشاب الباحث عن الحقيقة بعد أن نجح في تصوير مشاهد فظيعة لنساء وأطفال قتلوا في سادية بعد قيامهم بالتظاهر ضد بشار الأسد. بعد أيام قليلة وجدت جثة المصور الشاب ممثلا بها واتضح اقتلاع عيونها من محجريهما. وذكر مراقبون أن المصور الشاب اعتقل بواسطة الشرطة السرية وتم تعذيبه حتي الموت ليكون عبرة لكل من يجرؤ أن يفتش عن الحقيقة. باسل السيد مصور آخر عمره 24 سنة يعمل في مدينة حمص، قتل برصاص حكومي عندما كان يصور مطاردات سلطوية للنشطاء. ويظهر الفيديو الأخير للمصور حصارا محكما لرجال الشرطة لمظاهرة تضم نساء وأطفالا ورصاصا لا عشوائيا يتصيدهم قبل أن تظلم الكاميرا بفعل رصاص غادر أودي بحياة شامل. جيل جاكيه صحفي فرنسي تسلل إلي سوريا لتغطية أحداث الثورة قبل أن يسقط صريعا في قصف مروع استهدف مركزا يضم عشرات الصحفيين العرب والأجانب. آخرون لا نعرفهم ، ولا يمثلون صحفا شهير سلخت إياديهم وقطعت ألسنتهم قبل أن يطلق عليهم رصاص الجبابرة. في سبيل الحقيقة يموت الأنقياء والأطهار، بينما يصفق المنبطحون كل يوم تزلفا لأصحاب السطوة والنفوذ. وفي الواقع لا تموت الكلمة الحرة ولا مطلقوها وإنما تموت الكلمات المدفوعة، والأخبار المصنوعة، ولا يبقي زبد أو خداع. انظروا إلي التاريخ وتذكروا كيف خلدت كتابات وأفكار سيد قطب وعلي شريعتي ومحمود طه ومحمد إقبال والمهدي بن بركة بعد ان دفعوا أرواحهم في سبيلها، وكيف تلاشي من ذاكرات الشعوب كليمات كل من طبل وصفق وغني للسلطة. يقول المبدع الراحل محمود درويش: «أحسب أن حدود الوجود هي الكلمات»، وأنا أصدقه. والله أعلم.