سيطرت حالة من الصدمة الشديدة وعدم التصديق على الأوساط القبطية خاصة على المصريين عامة منذ مساء أمس عقب تلقى خبر وفاة قداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الذى ظل بطريركا للكنيسة طيلة أربعين عاما ونصف العام . وبالرغم من مرضه الشديد والذى اعتاد الجميع على سماع أخبار سفره فى رحلات علاجية متكررة إلى الولاياتالمتحدة إلا أن الجميع كان معجبا بصلابته الداخلية وقدرته الفائقة على تحدى المرض وإطلاق القفشات والنكات بالرغم من شديد معاناته . وكانت هناك قناعة راسخة لدى العديد من الأوساط خاصة شديدى التدين ان معجزة فى طريقها للحدوث معه تخلصه من كل الأمة ولم يتصور البعض ان هذه اللحظة قريبة وأنه سيفارق الكنيسة القبطية التى ارتبط اسمه باسمها طيلة اربعة عقود. وولدت أجيال عديدة فى عهده ولم تعرف غيره بطريركا وهؤلاء يمثلون اكثر من نصف عدد الاقباط ممن لم يتجاوزا سن الاربعين كما أن أكثر من 90 فى المائة من المجمع المقدس من تلاميذه وهو الذى اختارهم للاسقفية وقام بترسيمهم بعد الطفرة التى أحدثها فى النشاط الرهبانى طوال مدة خدمته. وقليلون هم من مكثوا هذه الفترة الطويلة على كرسى القديس مار مرقس. ويقول تاريخ الكنيسة القبطية إن من بين 117 بطريركا تولوا هذه الخدمة منذ دخول المسيحية الى مصر قبل ألفى عام على يد القديس مار مرقس هناك سبعة بطاركة فقط قضوا اكثر 40 عاما فى البابوية منهم البابا شنودة الثالث. ويأتى البابا كيرلس الخامس كاطول مدة خدمة بطريركا للكنيسة حيث استمر بطريركا 52 عاما وذلك فى القرن السابع عشر الميلادى . وتميز عهد البابا شنودة بملامح أساسية ومميزة كانت نتاج التطور الذى شهده العالم فى القرنين العشرين والحادى والعشرين واول هذه الملامح انطلاق الكنيسة فى المهجر بعد تزايد الهجرة فى العقود الأخيرة. وقبل عام 1971 الذى تولى فيه البابا شنودة المسئولية لم يكن للكنيسة القبطية الأم فى مصر إلا كنائس محدودة فى امريكا واستراليا لا تتجاوز ثلاث كنائس وخلال الاربعين عاما الماضية وصل عدد الكنائس القبطية فى امريكا واستراليا وكندا الى مئات الكنائس ووصلت الكنيسة القبطية الى افريقيا وامريكا اللاتينية وآسيا . كما شهد عهد البابا شنودة استفادة واسعة من ثورة الاتصالات والتوظيف الجيد للتكنولوجيا فى الخدمة الدينية والتواصل مع الخارج والداخل حيث تم اطلاق ثلاث فضائيات متخصصة فى الشأن القبطى ومعبرة عن الكنيسة وتقدم الخدمة الدينية والصلوات والاحوال الشخصية. كما تم اطلاق عشرات المواقع الالكترونية وألقيت المحاضرات عبر الاقمار الصناعية .وبعد هدوء الاحزان سيتطلع الاقباط الى ربان جديد للكنيسة القبطية يستوعب المتغيرات التى حدثت فى مصر والمنطقة خاصة ثورة 25 يناير ليجىء التغيير فى الكنيسة مع التغيير فى مصر عامة مما يؤكد ان الكنيسة جزء لا يتجزأ من مصر الحبيبة . ولاشك ان اختيار بطريرك جديد هو عبء جسيم على المجمع المقدس فى الترشيحات واجراء الانتخابات اما الاختيار النهائى فوفقا للتقليد الكنسى يتم باختيار الهى عن طريق القرعة بين اصحاب المراكز الثلاثة الاولى تصويتيا. والبطريرك الجديد سيواجه تحديات كبيرة اولها انه جاء بعد بطريرك كبير فى تاريخ الكنيسة احدث طفرات فى العمل الدينى وصاحب تاريخ طويل ومكانة دولية رفيعة ومن الصعب ان يتقبل الاقباط شخصا جديدا فى المنصب الذى ارتبط بالبابا شنودة طيلة اربعة عقود. والتحدى الآخر هو التغيرات التى حدثت فى مصر طيلة العام الماضى بعد ثورة 25 يناير وخروج الاقباط الى التظاهر والانخراط فى الائتلافات الشبابية وتطلع الاقباط الى ادارة جديدة تواكب هذه المتغيرات وتلبى طموح وتطلعات الشباب وتكون اكثر التحاما بالجماهير وبمشكلاتهم . وهناك العديد من الملفات الساخنة فى انتظار البطريرك الجديد اولها علاقة الكنيسة بالدولة وهل ستستمر الكنيسة فى لعب دور سياسى حتى ان كان غير مباشر ام لا ؟ وثانيها علاقة الكنيسة القبطية بقضايا المنطقة وخاصة القضية الفلسطينية وهل يستمر البابا الجديد على نهج البابا شنودة فى رفض زيارة القدس الا بعد تحريرها من الاحتلال الاسرائيلى ؟ وثالثها قضايا الاحوال الشخصية المعلقة والتى سببت صداع دائم للكنيسة بسبب تضييق حالات منح تصريح الزواج الثانى هل سيقدم البطريرك الجديد رؤية جديدة للنصوص الدينية ويقدم مرونة اكثر فى اصدار تلك التصاريح ليحل معها مشكلات الاف الحالات المعلقة ام يستمر على النهج السابق؟ اما ملف الوحدة الوطنية فلا خوف عليه لان وشائجه قوية منذ 14 قرنا ولكن الخلاف على اسلوب معالجة الاحداث الطائفية هل سيتم بالتجاهل التام كما حدث فى بعض الاحداث ام تشجيع الحل القانونى او العرفى . ويأمل الاقباط والمصريون عامة خيرا فى كثيرا من الوجوه والخبرات الطيبة التى احاطت بالبابا شنودة من تلاميذه وفى مقدمتهم الانبا موسى والانبا يؤانس والانبا بطرس .