تمر اليوم الذكرى الثالثة والتسعين على مشاركة المرأة المصرية في ثورة 1919 مشاركة واسعة النطاق ، حيث انطلقت مظاهرة نسائية كبيرة تتوسطها السيدة صفية زغلول "أم المصريين" للإعراب عن تأييد المرأة للثورة واحتجاجها على نفي زعماء الأمة ، وتنكيل قوات الاحتلال الإنجليزى للمظاهرات السلمية التي اندلعت . وقد تم تخصيص يوم 16 مارس من كل عام ليكون مناسبة قومية يفخر بها كل مصري ومصرية ، حيث مثلت المظاهرات الشعبية التي قادتها رائدات الحركة النسائية أثناء ثورة 19 نقطة الانطلاق الحقيقية السياسيةالحديثة للمرأة والتي بلغت مداها عام 1923 ، فيما شكلت هدى شعراوي الاتحاد النسائي المصري الذي تضمن برنامجه مطالب قومية مثل استقلال مصر، وإلغاء الامتيازات الاجنبية إلى جانب مطالب تخص المرأة وتدعو الى تكافؤ الفرص التعليمية بين الجنسين وتطالب بحق المرأة في الانتخاب . وتواصل المرأة نضالها عبر مراحل متعاقبة ربطت خلالها بين كفاحها من أجل قضايا الوطن وحقوقها في المساواة والمشاركة العامة حتى توج هذا النضال بصدور دستور 1956 لينص صراحة على حق المرأة في التمتع بحقوقها السياسية كاملة فيما يتعلق بالانتخاب والترشح وإبداء الرأي في الاستفتاءات العامة. وخاضت المرأة أول انتخابات برلمانية في عام 1957 " عقب ثورة يوليو "واستمر المد الصعودي لحركة المشاركة السياسية للمرأة عبر المراحل المختلفة لتطور المجتمع رغم بعض الإخفاقات هنا وهناك . وتهل اليوم الذكرى الثانية ليوم المرأة المصرية بعد ثورة 25 يناير التي شاركت فيها المرأة مشاركة إيجابية إلا أنها خرجت منها صفر اليدين . ومثل ذلك واقعا غير منصف وغير مقبول يتعين السعي الجاد للتعامل معه باعتباره قضية قومية لا تخص المرأة فحسب وإنما تخص المجتمع برمته في مرحلة تستدعي ضرورات حشد وتوظيف طاقات وقدرات أبناء الوطن "رجاله ونسائه " لبناء عملية التنمية والانطلاق نحو آفاق مستقبلية جديدة . وتقتضي ضرورات هذه المرحلة ترسيخ مفهوم المواطنة الكاملة وممارساتها بما يشتمل عليه هذا المفهوم من إقرار مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص بين الجميع دون تمييز وبما يرتبط به من توسيع نطاق المشاركة أمام الجميع في تحمل مسئوليات العمل الوطني على كافة مستوياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وفي توفر الأطر الاجتماعية والثقافية والأليات السياسية الداعمة بدور المرأة في الواقع العملى. لقد شهدت مسيرة المرأة سجلا حافلا والتزاما مشرفا وآداء متميزا في معايشة هموم الوطن والدفاع عن مصالحه وأهم قضاياه . وتتطلع المرأة المصرية وهى تحتفل بعيدهااليوم إلى أن يشهد المستقبل القريب مزيدا من الانتصار لآمالها وطموحاتها في أن تكون شريكا حقيقيا في المستقبل الواعد لمصر. وتؤكد المرأة المصرية أن احتفالها اليوم بيومها هو مناسبة لوقفة ضرورية لتقييم المسار ولرسم آفاق الحركة المستقبلية بما يلبي طموحاتها وتطلعاتها المشروعة وبما يستجيب في نفس الوقت لما تفرضه قضايا العمل الوطني في الداخل ومستجدات العالم الجديد في الخارج من تحديات كبرى تستوجب بناء تحالف وطني تشارك فيه المرأة بكامل قدراتها لبناء مشروع النهضة المصرية المنشود. وتضع المرأة المصرية في يوم عيدها المجتمع بأكمله أمام مسئولية كبرى حتى لا يقف المناخ السياسي والاجتماعي والثقافي حائلا دون تحقيق آمالها وتطلعاتهاالمشروعة على أرض الواقع واستثمار ما حققته المرأة في مسيرة التنمية بكافة محاورها من تعليم وعمل ومشاركة سياسية ومجتمعية لصالح التنمية والدفع للمجتمع قدما. وقد أثبتت معظم مؤشرات التنمية ارتباطا ايجابيا واضحا بين ارتفاع مستوى معيشة المرأة وانتاجيتها وقدرتها التنافسية والنهوض بأوضاعها ،ونهضة المجتمع برمته ، حيث تجاوزت المرأة مرحلة السعي لتأكيد مكانتها في مجتمعها. ومن ثم يجب على الجميع الحفاظ على مكتسباتها وكفالة جميع حقوقها إذا حرصوا على أن تكون المرأة مكونا أساسيا في جميع الخطط القومية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لذا عملت مصر على تعزيز حقوق المرأة منذ عدة عقود إلا أنها تشهد حاليا مرحلة انتقالية قلقة حول المستقبل في ظل تصاعد أعمال العنف السياسي . وفي الوقت الذي تنشغل فيه القوى السياسية بترتيب أوضاعها والبحث حول المستقبل في ظل تركة ثقيلة من الخلافات السياسية حول المستقبل، وجدت بعض الأصوات هذا الوضع مناسبا وطريقا للانقضاض على مكتسبات المرأة في محاولة للقضاء على تاريخ طويل من نضالها الوطني وتعتبر المرأة المصرية هذا إجهاضا لما شهدته مصر من جهود هائلة في بداية القرن الماضي لسن قوانين الأسرة كجزءا من استكمال بناء الدولة الحديثة ورسم معالم إعادة الإنتاج والإصلاح الاجتماعي الذي بدأه العديد من المفكرين أمثال رفاعة الطهطاوي والشيخ محمد عبده وقاسم أمين. وتنتظر المرأة المصرية وهى تحتفل بيوم عيدها في هذه المرحلة الحاسمة من العمل الوطني ومن الدستور الجديد ما ينتظره الوطن من تواصل لمسيرة التنمية والتحديث بخطوات أبعد للأمام.