تحقيق - أمانى زايد / إشراف: نادية صبحي تحديد مواعيد ثابتة لإغلاق المحلات قضية أثارت حالة من الجدل بعد إعلان الحكومة مؤخراً عن مشروع قانون المحال التجارية بتحديد مواعيد ثابتة لإغلاق المحلات, والذى أعاد الى الأذهان المحاولات السابقة والتى باءت جميعها بالفشل, لتطبيق هذا النظام, هذا القانون الذى يرى البعض أنه موفر للكهرباء, وإعادة الهدوء والانضباط إلى الشوارع, يراه آخرون جاء فى توقيت غير ملائم بالمرة, فالأسواق تعانى من موجات غلاء وركود, والمواطن اكتوى بنار الأسعار, وكأن المسئولين يعيشون فى وادٍ منعزل, فهل سينتصر التجار هذه المرة.. أم ستتمكن الحكومة من إجبارهم على تنفيذ القانون؟ مشروع قانون المحال العامة المقدم من الحكومة، يهدف لإعادة الانضباط فى الشارع المصرى, والقضاء على الزحام المرورى, هذا المشروع الذى تمت إحالته للجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب من شأنه تحديد قواعد وشروط وإجراءات تراخيص المحال، ووفقاً لمشروع الحكومة، يكون تحديد مواعيد فتح وغلق المحال العامة بقرار من وزير التنمية المحلية، حيث تنص المادة (21) من مشروع القانون المقدم من الحكومة على أنه: «للوزير المختص بعد موافقة وزير الداخلية وأخذ رأي المحافظ المختص أو رئيس الجهاز المختص بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وتحديد مواعيد فتح وغلق المحال العامة من النوع الأول والذى يتمثل فى المطاعم والكافيتريات والكافيهات والمقاهى والمنافذ وما يماثلها من المحال المعدة لبيع أو تقديم المأكولات أو المشروبات غير الكحولية ولا تعتبر منشأة سياحية, فى حين أن الفنادق والبنسيونات والأماكن المفروشة وما يماثلها من المحال المعدة لإقامة الجمهور لم يتحدد مواعيد لغلقها. هذا القرار ليس بجديد, فقد سبق أن حاولت حكومة هشام قنديل رئيس الوزراء السابق فى عام 2012 الماضى بمحاولات لغلق المحلات الساعة العاشرة مساء, بسبب عدم توافر الوقود والانقطاع المستمر للكهرباء وقتها, وأعلنت الحكومة أن إغلاق المحلات سيساهم فى توفير الكهرباء, كما سبقتها محاولة أخرى عام 2010 الماضى من قبل وزير التجارة الصناعة الذى اقترح وقتها تشكيل لجنة لتحديد مواعيد عمل وغلق المحلات التجارية بالمحافظات فى جميع أنحاء الجمهورية بما يتناسب مع ظروف كل محافظة وموقعها الجغرافى, بحيث يتم الإغلاق فى التاسعة مساء شتاء, وفى العاشرة مساء صيفاً, إلا أن تلك المحاولات لم يكتب لها النجاح فلم تكن سوى مجرد قرارات عشوائية وغير مدروسة. هذا ويعد تحديد مواعيد لإغلاق المحلات معمولاً به فى العديد من الدول، وتعد ألمانيا من أوائل الدول المتقدمة التى قامت بتحديد مواعيد ثابتة لإغلاق المحال التجارية من أجل ترشيد استهلاك الكهرباء، حيث حددت الساعة العاشرة مساء لإغلاق المحلات، كما يتم استثناء بعض المحال التجارية من الإغلاق، نفس النهج سارت عليه كندا والولايات المتحدة، بينما عجزت دول كثيرة من بينها مصر عن تطبيقه. مواطنون: المحلات «ونس».. وإغلاقها مبكراً يشجع على الجريمة تنوعت آراء التجار والمواطنين ما بين مؤيد ومعارض بشأن إغلاق تحديد مواعيد لإغلاق المحلات ليلاً, فالبعض يرى أنها محاولة لإعادة الهدوء للشوارع والميادين, رأى آخرون أنها ستكون سبب خراب بيوتهم, لما سيلحق بهم من خسائر. عاطف مصطفى يقول: نأمل أن يعود الانضباط إلى شوارع القاهرة فلابد من إغلاق المحلات, خاصة المقاهى ليلا والتى أصبحت تمثل حالة من الفوضى والإزعاج المتواصل طوال اليوم, ولا تغلق إلا بعد منتصف الليل, فيتجمع عليها البلطجية والمجرمين. أما بدر السيد، صاحب محل أدوات منزلية، فيرى أن الأسواق تعانى من حالة ركود شديدة ولا تنتعش حركة البيع والشراء إلا خلال فترات الليل, فطوال النهار يكون أغلب الناس فى أعمالهم, وحتى ربات البيوت ينشغلن بالأعمال المنزلية, ولا يقومن بالتسوق إلا ليلاً, هذا فضلاً عن عدم التزام أصحاب المحلات بالمواعيد التى ستحدد للإغلاق, لأن الأمر سيزيد من عناء أصحاب المحلات. ويشاركه الرأى الحاج خالد، صاحب محل بقالة, فيقول: لا شك أن هذا الأمر سيؤدى لإحداث حالة من الفوضى والارتباك فى الأسواق خاصة لدى تجار المواد الغذائية, لأن أغلب البضائع نقوم باستلامها ليلاً بعد مجيء السيارات المحملة بالبضائع, وهذا الأمر سيجعل أغلب تجار الجملة يعيدون فتح المحلات من جديد, وإعادة العمال من منازلهم لاستلام البضائع , وبالتالى سيطالبون بمزيد من الأجر نظير عملهم ساعات إضافية. هناء ربيع، ربة منزل، فترى أن هناك بعض المحلات التى يجب استثناؤها من قرار الإغلاق مثل الصيدليات, وتقول: هناك أمر خطير لم تضعه الحكومة فى الحسبان عندما وضعت مشروع القانون, وهو أن إغلاق المحلات ليلاً سيساعد على انتشار البلطجية والمجرمين فى الشوارع، حيث ستكون الفرصة مهيأة لهم ليفعلوا ما يشاءون بعد أن يعود الهدوء للشوارع التى ستصبح مظلمة, وهنا سيخشى الكثير من الأسر الخروج من المنزل بعد مواعيد غلق المحلات، خاصة السيدات, مؤكدة أن إبقاء المحلات مفتوحة تجعل المواطن يسير مع أبنائه بسلام وأمان ليلاً, لأنها تكون بمثابة ونيس لنا، فإضاءة المحلات تجعلنا نشعر بأن هناك من يحمينا, والدليل على ذلك, هو تزايد عمليات السرقة والسطو يومياً من قبل البلطجية فى أغلب الشوارع المظلمة من حولنا. «خربانة.. خربانة» بتلك الكلمات بدأ أحمد جمال صاحب محل ملابس حديثه قائلاً: بعد موجات الغلاء المتتالية التى شهدتها الأسواق فى الأشهر الماضية, جعلت حركة البيع والشراء تكاد تكون منعدمة تماماً, فالأسرة لم تعد تهتم إلا بشراء الطعام لأبنائها, ولم يعد هناك رواج بأسواق الملابس, وهذا الأمر لن يكون فى صالح أصحاب المحلات, لأننا مطالبون بدفع ضرائب وأجور للعمالة التى لدينا, وهذا سيجعلنا نستغنى عن نصف العمالة, ويزيد من أعداد العاطلين. ويطالب أحمد الحكومة بضرورة التأنى, ودراسة الأمر جيداً قبل البدء فى اتخاذ أى قرارات مؤثرة, ستكون عواقبها سيئة على البسطاء الذين اكتووا بنار الغلاء. الخبراء من جهتهم أكدوا أن هذا القرار سبق واقترحته الحكومة عدة مرات فى السنوات السابقة ولم تتمكن من تنفيذه، فمن جانبه رحب النائب حمادة غلاب عضو لجنة الطاقة بمجلس النواب بتحديد مواعيد ثابتة لغلق المحلات، مؤكداً أن أغلب الدول المتقدمة حددت مواعيد لغلق المحلات. ويتساءل لماذا لا نسير على نفس النهج, فهذا الأمر من شأنه أن يعود علينا بالنفع ولا مانع من تطبيقه, لأنه سيعيد الانضباط للأسواق, ويساعد على ترشيد الكهرباء, وعلى الرغم من أننا أصبح لدينا فاقد فى الكهرباء ولم نعد نعانى من أزمات انقطاع الكهرباء , إلا أنه لا مانع من تصدير الكهرباء للخارج, ويرى أن هذا القرار يجب أن يستثنى منه المطاعم والكافتيريات، خاصة أن لدينا مغتربين وتلك المحلات لا يمكن الاستغناء عنها. من ناحية أخرى يرى الدكتور رشاد عبده. رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية, أن الحكومة ما بين الحين والآخر يراودها التفكير فى إغلاق المحلات فى مواعيد مبكرة بحجة توفير الكهرباء, لكن الوضع هذه المرة يعد مختلفاً, فالمواطن اكتوى بنار الغلاء, والأسواق تعانى من حالة ركود شديدة والموظفون أصبحوا مطحونين وليس لديهم وقت خلال فترات النهار للتسوق, لأنهم سيكونون مشغولين فى أعمالهم, وهذا الأمر سيفتح باب التزويغ من العمل لشراء الاحتياجات قبل مواعيد غلق المحلات, كما أن هناك بعض الناس ينتهون من عملهم فى وقت متأخر, فكيف يتسنى لهم شراء متطلباتهم, ويؤكد أن حالة الركود التى تعانى منها الأسواق تتعارض مع تنفيذ هذا القرار, فالحكومة حتى الآن لا تعرف كيف تدير الأمور بطريقة جيدة, وهذا بسبب عدم وجود كفاءات لدينا لإدارة الأمور, فلابد من اتباع السياسات الواضحة أولاً قبل اتخاذ أية قرارات, فمع الأسف ما زلنا نعالج مشاكلنا بالإجراءات وليس بالسياسات, ويتوقع الدكتور رشاد أن تفشل الحكومة هذه المرة أيضاً فى تحديد مواعيد ثابتة لإغلاق المحلات. رئيس شعبة المواد الغذائية باتحاد الغرف: مصر غير أوروبا وسنواجه مشكلة ارتفاع تكاليف النقل والتفريغ أحمد يحيى، رئيس شعبة المواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية, أكد أن هذا الأمر ليس بجديد فقد كانت هناك محاولات لتحديد مواعيد لغلق المحلات فى السنوات السابقة بهدف إعادة الانضباط للأسواق ولم يكتب لها النجاح. ويقول: ليس هناك مانع من إغلاق المحلات فى مواعيد ثابتة, فهذا سيؤدى للقضاء على الزحام المرورى والفوضى فى الشوارع, لكن المشكلة تكمن فى نقل البضائع وتفريغها, فعلى الرغم من أن هذا الأمر تم تطبيقه فى العديد من البلدان الأوروبية, إلا أن مصر لها طبيعة مختلفة لأننا سنواجه صعوبة فى التطبيق، فالمواد الغذائية تعد من الاحتياجات الأساسية للمواطن, وستكون هناك صعوبة فى إعادة فتح المحلات ليلاً لاستلام البضائع, خاصة أن سيارات النقل لا يسمح لها بالسير إلا بعد الساعة 12 ليلاً حتى الساعة 6 صباحاً, ويمنع سيرها فى الشوارع خلال فترات النهار, وهنا ستكون الأزمة حيث ستفتح المحلات ليلاً لاستلام البضائع, مما يزيد من الأعباء على أصحاب المحلات الذين سيضطرون لتحمل أعباء وتكاليف جديدة وساعات عمل إضافية للعمالة التى ستتولى استلام البضائع بعد ساعات العمل, وبلا شك سيؤدى هذا إلى إضافة تلك التكلفة على المستهلك, مما يؤدى لارتفاع أسعار السلع فى الأسواق. ويستكمل قائلاً: لسنا ضد أى قرار من شأنه تنظيم الأوضاع وإعادة الانضباط للشوارع والأسواق, لكن لابد من تطبيقه أولاً فى مناطق معينة كالمناطق الراقية على سبيل المثال كتجربة، وإذا نجحت يتم تعميمها على باقى المناطق.