كتب حجاج سلامة: قالت دراسة مصرية حديثة، إن فنون العمارة، التى بُنِىَ من خلالها معبد أبوسمبل، وُضِعَتٌ بحسب رؤية هندسية تحمل دلالات دينية عميقة، ورمزية قومية، تؤرخ لبطولات الملك رمسيس الثانى، ومنجزاته فى شتى مناحى الحياة. وأوضحت الدراسة، التى أعدها الدكتور أحمد عوض، الباحث المصرى المتخصص فى دراسة هندسة المعابد المصرية القديمة، ورصد ما بها من ظواهر فلكية، ان الفن المصرى القديم، هو فن رمزى إلا فى النزر اليسير، فما من شىء إلا وله معنى، حيث إن الفن فى مصر القديمة، مثله مثل الكتابة الهيروغليفية، يجب أن يُقرأ على أنه يحوى رسالة ذات مضمون واضح يخدم المعبودات أو الملك. وأوضح الدكتور أحمد عوض، فى دراسته، أنه بالنظرة الأولى لعمارة معبد أبوسمبل، نجد أنه عبارة عن بانوراما عسكرية، للمعارك التى خاضها الملك رمسيس الثانى، بجانب تكريسها للمعبودين الأساسيين فى مصر القديمة، وهما «آمون» معبود طيبة والإله «رع» معبود هليوبوليس، وبذلك فإن آلية المعبد تخلد ذكرى انتصار الملك «رعمسيس الثانى» على أعدائه وهو ما يُقر بدوره أوجه النظام «ماعت» على الأرض ويدرأ مفاسد الفوضى «إسفت»، وذلك طبقًا للمفهوم الإمبراطورى السائد إبان الدولة الحديثة، فى مصر الفرعونية، والذى رسخته فتوحات الأسرة الثامنة عشرة، على يد الملك تحتمس الثالث، وأن عمارة المعبد استحدثت تشكيلات جديدة لتُعبر عن هذا المضمون، حيث تم تشكيل الواجهة الرئيسية للمعبد، من خلال تنصيب أربعة تماثيل ملكية، بدلًا من برجى الصرح، السائدين فى واجهات معابد الدولة الحديثة، إذ جاءت تلك التماثيل– بحسب الدراسة- فى صورة الملك رمسيس الثانى، وهو جالس على العرش بالتاج المزدوج للقطرين كتجسيد للمسئولية الملكية، التى وضعتها المعبودات، على كاهل الملك، فالملك المتوج على عرشه وجب عليه توحيد أواصل مُلٌكِهٌ، كناية عن توحيد قطرى مصر القديمة– شمالها وجنوبها- ومنها يُجسد شخصه كركيزة رئيسية لاستقرار الكون وتوطين النظام «ماعت»– أى الحق- على الأرض طبقًا للمفاهيم الدينية فى مصر القديمة، وعليها تمثل التماثيل الملكية الأربعة على واجهة المعبد أعمدة الكون الأربعة، التى ترتكز عليها السماء، ويستقر بها العالم المرئى، والنظام الكونى بصفة عامة، ومن ثم فقد جاء ذلك المعنى متوافقًا مع انتصارات الملك، وتثبيته لأواصل عرشه على أرجاء الإمبراطورية المصرية آنذاك، وهذا المعنى يتأكد أيضًا من خلال نقش قواعد تلك التماثيل الملكية بعلامة «السماتاوي» – أى رمز توحيد القطرين- واستبدال صورة معبودات الشمال والجنوب بها، بصور الأسرى الآسيويين والنوبيين، حيث يعبر الأسير الآسيوى، عن القطر الشمالى للإمبراطوية المصرية القديمة، بدلًا من مصر السفلى، ويعبر الأسير النوبى عن القطر الجنوبى للإمبراطورية المصرية القديمة بديلًا عن مصر العليا، وبذلك يتم تمجيد الملك بصفته الكونية، من خلال تصوير الملك بنفسه، وهو يتعبد إلى اسم ميلاده المصور فوق المدخل الرئيسى للمعبد، بطريقة الكتابة المعماة، حيث يظهر تمثال المعبود «رع» فى كوة أعلى ذلك المدخل الرئيسى، وعلى جانبيه نقش للمعبودة «ماعت» وعلامة «وسر»، لتعبر تلك العلامات الثلاثة بدورها عن اسم ميلاد الملك وهو « وسر ماعت رع « ويعنى « قوية عدالة رع «، وهو ما جاء متوافقًا مع صفة الملك كوريث للمعبود «رع « ومقرر عدالته «ماعت» على الأرض، كما جاءت تماثيل الأسرة الملكية إضافة إلى ذلك المعنى السابق، تأكيدًا على شرعية حكم الملك بصفته الوسيلة الرئيسية لتحقيق إنتقال النسب الإلهى من زوجته إلى بناته ووريثه الشرعي، وأخيرًا جاءت تماثيل القردة البابون، أعلى واجهة المعبد بعدد 22 قردًا لتعبر زمنيًا عن العام 22 من حكم الملك الذى يعد أول عام يتوحد فيه شطرا الإمبراطورية الشمالى والجنوبى، بعد انتهاء حالة الصراع بين مصر القديمة ومملكة «خيتا» الآسيوية فى العام 21 من حكم رمسيس الثانى. وأشار «عوض» فى دراسته، إلى أن الملك رمسيس الثانى، قد احتفل رسميًا بافتتاح معبده بأبوسمبل، فى العام الرابع والعشرين من حكمه، أى بعد إتمامه السٍلٌمٌ مع مملكة «خيتا» واستقرار ملكه على عرش مصر القديمة. وقد جاءت عمارة البهو الرئيسى للمعبد على نحو صحيفة انتصارات الملك باعتبارها حدثًا مستمرًا خالدًا، ويتم ذلك بتسجيل التتابع الزمنى لتلك الانتصارات، بداية من يسار المدخل على الجدار الجنوبى للبهو الرئيسى بتصوير انتصار الملك فى معاركه الأولى على النوبيين والآسيويين، ثم يتبع ذلك تصوير انتصار الملك فى معركة «قادش» على الجدار الشمالى للبهو الرئيسى، على يمين المدخل الرئيسى للمعبد، وهى المعركة التى انتصر فيها الملك رمسيس الثانى، على مملكة «خيتا» الآسيوية وأعقبها إقرار السلام بينهما، وعلى ذلك جاء تشكيل أعمدة البهو الرئيسى على هيئة أربعة تماثيل للملك متوجة بالتاج الأبيض للصفة اليسرى- الصفة الجنوبية- وأربعة تماثيل مقابلة لها متوجة بالتاج المزدوج للصفة اليمنى- الصفة الشمالية- وذلك تأكيدًا للتتابع الزمنى السابق ذكره، حيث تعبر أعمدة تماثيل الملك بالتاج الأبيض، عن بداية محاولات الملك لتوحيد شطرى الإمبراطورية الشمالى والجنوبي، أما أعمدة تماثيل الملك بالتاج المزدوج، فتعبرعن توحيد الملك شطرى الإمبراطورية المصرية وهنا تجدر الإشارة إلى أن التعبير بتلك الطريقة السابقة قد جاء من مرجعية تاريخية وهى واقعة قيام الملك «مينا» حاكم الجنوب ذى التاج الأبيض بتوحيد قطرى مصر القديم، وأخيرًا يُجسد سقف البهو الرئيسى قبة السماء وذلك من خلال نقشه بصور معبودة السماء « نخبت»، والتى تكفل بدورها الحماية الإلهية للملك، وهو ما جاء متوافقًا مع عدد التماثيل الملكية لكل صفة باعتبارها تجسيدًا لأعمدة الكون الأربعة التى تحمل صفحة السماء. وبحسب الدراسة، فقد شيد البهو الداخلى للمعبد، كفراغ لاهوتى بالعالم الآخر السفلى، والذى يتم تدوين صور الامتنان والتعبد للمعبود «آمون» والمعبود «رع» على جدرانه الداخلية، ومنها يتحقق خلود تلك الصور وما تمثله من تعبد وصلاة، وهنا يظهر أن الجدران الجنوبية للبهو الداخلى قد اتخذت لنفسها مناظر المعبود «آمون» فى دلالة طبوغرافية، بصفته معبود مدينة «طيبة»، أما الجدران الشمالية للبهو الداخلى، فقد أخذت لنفسها مناظر المعبود «رع» فى دلالة طبوغرافية بصفته معبود مدينة هليوبوليس، وأن طيبة قد تمت تسميتها باسم هو «إيونو» أو هليوبوليس الجنوبية، وذلك فى محاولة للربط الطبوغرافى والسياسى أيضًا بين المعبودين «آمون» و«رع»، كما شيّد قدس الأقداس بمعبد ابوسمبل، كفراغ لاهوتى بالعالم الآخر السفلى، منوط بتحقيق انضمام الملك رمسيس الثانى، إلى الرابوع الإلهى المقدس، حيث شاع فى فترة حكم الملك رمسيس الثانى، اعتبار كل من المعبود «رع» و«آمون» و«بتاح» و«ست» وحدة إلهية واحدة، فيما يسمى بالرابوع، وقد جاء الملك هنا بديلًا عن المعبود «ست» الذى كان موكلة إليه مهمة طعن الثعبان «أبوفيس» ممثل الفوضى، وألد أعداء المعبود «رع» فى العالم الآخر، وهو ما تم إقراره بتدشين تماثيل المعبودات الثلاثة «رع» و«بتاح» و«آمون» برفقة تمثال الملك داخل قدس الأقداس، وعلى ذلك انعكست القدرة الهائلة للمعبود «ست» على شخص الملك وحققت هزيمة أعدائه، وقد انعكس ذلك المعنى، على تمثال الملك من خلال تتويجه بتاج الحرب «خبرش» للدلالة على صفة الملك كبديل للمعبود «ست»، وتأكيدًا لمفهوم انتصار الملك على أعدائه سواء على المستوى البشرى فى صورة أعدائه الآسيويين والنوبيين واللليبيين، أو المستوى الكونى فى صورة الثعبان «أبوفيس»، ومن ثم إقراره للنظام «ماعت» ودرؤه للفوضى «إسفت».