أثار قرار رفع حظر سفر 7 أمريكيين متهمين فى قضية التمويل الأجنبى لمصر، جدلاً واسعًا فى الأوساط المصرية، فكان بمثابة لطمة قوية على وجه المدافعين عن السيادة المصرية والذين يرفعون شعار "نجوع وتحيا مصر". ولكن سرعان ما تبدل هذا الشعار إلى "نأكل وتُذل مصر" التي تشهد خلال الأيام الأخيرة تبدلا ملحوظا في سياستها الخارجية، بما يشبه هطول أمطار المساعدات الأمريكية والعربية حليفة الغرب كالسعودية وقطر. وتقدر حجم المساعدات التي حصلت السلطات المصرية على وعود بشأنها مقابل الإفراج عن الأمريكيين ب 50 مليار دولار، فضلا عن تعاون ملحوظ تكشف عنه تصريحات العديد من الدول المتحولة. وتقدم السعودية لمصر من إجمالي المساعدات ما يقدر ب 3,5 مليار دولار، و4 مليارات من قطر، و3 مليارات من الإمارات العربية، إضافة إلى 1,3 مليار دولار مساعدات عسكرية أمريكية، فضلا عن وعود بتسريع منح مصر قروض ميسرة من صندوق النقد الدولى بنحو 3,4 مليار دولار ومليار من البنك الدولى ونصف مليار من بنك التنمية الإفريقي، بالإضافة إلى بحث منح أكثر من 20 مليار دولار من الدول الثمانى الكبري والتى وعدت بها في قمة دوفيل الفرنسية ضمن مساعدات تقدمها لدول الربيع العربي. كما وعدت واشنطن الجانب المصري بتوسيع دائرة اتفاقية الكويز "المصرية الأمريكية الإسرائيلية" للمصانع المصرية لزيادة الصادرات المصرية للسوق الأمريكية. واليوم فقط وبعد أن تلقت السعودية الضوء الأخطر لهطول تمويلاتها على مصر بمجرد هدوء رأس حليفتها الولاياتالمتحدةالأمريكية، وقعت القاهرة اليوم الخميس مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة التابعة للبنك الإسلامى للتنمية على الاتفاق الإطارى الخاص بتقديم المؤسسة تمويلا قدره مليار و200 مليون دولار مقسمة على ثلاث سنوات بواقع 400 مليون دولار سنويا لصالح هيئتى البترول والسلع التموينية، لتمويل شراء واستيراد منتجات بترولية وأقماح من الخارج. ويعد الاتفاق أولى قطرات الغيث السعودي المقدر ب 3,750 مليار دولار التي وعدت بها مصر منذ اندلاع ثورتها، ولكنها توقفت فجأة ثم بدأت مؤخرا في الظهور دون دواعٍ تذكر سوى الموافقة الأمريكية. وحضر الاتفاقية كل من الدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء، حيث وقعها عن الجانب المصرى فايزة أبوالنجا وزيرة التخطيط والتعاون الدولى، وعن المؤسسة الدكتور وليد الوهيب الرئيس التنفيذى للمؤسسة. وعلى الجانب الأمريكي، أعلنت سفيرة الولاياتالمتحدةبالقاهرة آن باترسون اليوم الخميس توفير 5,3 مليار جنيه لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بمصر، تستفيد منها 56% من النساء، كما تقرر أمريكا تزويد مصر بطائرات إف 16 بلوك 52 أحدث طائرة في فئة الطائرات الاعتراضية في العالم بعد أن رفضت تزويد مصر بها رغم الإلحاح عليها من 2008. أما الاتحاد الأوروبي وبالرغم من أزمة اليورو المتصاعدة لم يستطع أن يتجاهل الرضا الأمريكي عن السلطة المصرية، ليعلن هو الآخر عن حزمة مساعدات اقتصادية لمصر تقدر ب 6 مليارات دولار، فضلا عن عرضه الاتحاد الأوروبي تمويل الانتخبات الرئاسية. أما أسبانيا وبعد العديد من المراوغات تقرر مؤخرا تسليم حسين سالم لمصر رغم اعتراضها ورفضها في السابق. على جانب آخر، "اختفى" عدد كبير من الإعلاميين المهاجمين للمجلس العسكرى، أمثال إبراهيم عيسى وغيره ممن تلقوا ضوءا أخضر للاختباء الآن. المثير للجدل أنه وبالرغم من المواءمات المصرية التي أقرها المجلس العسكري الحاكم لحل أزمة التمويل الأجنبي في مصر، والتي اتهمها الكثيرون بالخروج على الشرعية، تأتي صحيفة أمريكية أمس لتتبنى الهجوم الشعبي المصري على ملف التمويل الأجنبي وما يسفر عنه من تدخلات سياسية غير مقبولة، وتعلن أحقية مصر في طرد تلك المنظمات من أراضيها مهما كان الثمن ومهما كانت الامتيازات المطروحة لبقائها تخرب في الداخل المصري. وتحت عنوان: "لماذا لا تثق فينا مصر؟" للكاتب "ستانلى ميسلر"، نشرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية مقالا تؤكد فيه أن المنظمات والجمعيات الأهلية الممولة من أمريكا والعاملة فى مجال دعم الديمقراطية لديها تاريخ طويل من المشاكل. وأضاف الكاتب أنه بالرغم من التحفظات الأمريكية والغضب مما حدث للأمريكيين العاملين فى هذه المنظمات فى مصر، والأزمة التى انتهت تقريبا بوصول الأمريكيين السبعة الممنوعين من السفر، لاتهامهم فيما أطلق عليه قضية التمويل الأجنبى، إلى الأراضى الأمريكية، إلا أن الحقيقة أن مصر لديها الحق فى شكوكها تجاه هذه المنظمات. وأكدت الصحيفة أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سى آى إيه". أسست فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى مؤسسات زائفة هدفها نقل الأموال من الوكالة لمجموعات خاصة تناهض الشيوعية في الشرق وخاصة الاتحاد السوفيتي ولكنها سرعان ما وسعت دائرة نشاطها لتتوغل في العديد من دول العالم، وتختلق المشكلات، ومن بين هذه المؤسسات منظمة "إيه إف إل- سى آى أو" و"ناشيونال ستيودانت اسان" ومجلة "انكوننتر" فى لندن ومجلة "ترانزيشن" فى أفريقيا. واكدت الصحيفة أن الأمر يتطلب إعادة تقييم شامل لعمل هذه المنظمات، واصفة واشنطن بالغرور الأمريكى الذي يدعو العالم لمحاكاة نموذجه المتفوق، وهو ما يسمح لها بالتدخل في شئون الدول وفقا لمنطقها الفكري، رغم أنف الدول التي لا ترغب في وجودها كما هو الحال فى مصر.