يدور في مصر حالياً نقاش حاد حول الهيئة التأسيسية لإعداد الدستور ومن يشارك فيها، سواء من البرلمانيين أو الشخصيات العامة وفقهاء القانون، وممثلي النقابات والرياضيين والفنانين، وغير ذلك من مكونات المجتمع المتنوعة سياسياً واجتماعياً وأيدولوجياً، والتي تتباين في وجهات نظرها، إلا أنها وللأسف تتوحد في تجاهلها لتمثيل المصريين في الخارج في هذه الهيئة، رغم أن عددهم كما تدل الإحصائيات يتراوح بين ثمانية إلى عشرة ملايين مصري مغترب (يحوّلون ما لا يقل عن عشرة مليارات دولار سنوياً لبلدهم الأم)، أي ما يمثل حوالي ربع القوة التصويتية للمجمع الانتخابي المصري، وأذكّر هنا أنهم الحاضر الدائم استدعاؤه عند مناقشة مشاكل مصر الأمنية والاقتصادية والاستثمارية، كذلك عندما يراد طرح القروض وسداد الديون وإصدار الصكوك والتخلص من المعونة الأمريكية، وغير ذلك كثير، في حين يتم تجاهلهم تماماً عندما يدور الحديث عن المؤسسات والهيئات والترشيحات والانتخابات والدستور والعدالة، وغير ذلك كثير، ولقد انعكس ذلك جلياً في مجريات انتخابات مجلس الشعب والشورى الأخيرة، والتي ظهر فيها تدنّي نِسَب من صوّتوا في الخارج، والتي لم تتعدّى 3 – 4% من عددهم الإجمالي، بسبب مقاطعة الكثيرين منهم لهذه الانتخابات، احتجاجاً على عدم التشاور معهم مسبقاً، وقد كنت واحداً من المقاطعين، وأعلنت ذلك في وقته في برنامج (صوت مصر)، والذي تم عرضه على الفضائية المصرية أثناء هذه الانتخابات، وكان معي الدكتور/ عبد الله الأشعل، المرشح المحتمل للرئاسة، إذ أن طموحاتنا كانت تهدف إلى أن تكون هذه الانتخابات فرصة لانتخاب ممثلين لنا، من مصريي الخارج، يعرفون مشاكلنا جيداً، ويدافعون عن مصالحنا، وليس مجرد أن يكون التصويت شكلياً، نعطي أصواتنا فيه لممثلين من الداخل، وهذه قضية نتمنى أن يتم النظر فيها وحلها مستقبلاً، فلا نقبل أن نكون أنصاف أو أشباه مواطنين، ولنا فيما حدث بتونس الثورة أسوة، حيث خصصت حوالي 17 مقعداً من هيئتها التأسيسية المؤقتة لإعداد الدستور. إنني كواحد من المغتربين أطالب بأن يكون تمثيل هذه الجموع الموجودة في الخارج بعدد لا يقل عن عشرة أعضاء من مجموع أعداد الممثلين لطوائف المجتمع في الهيئة التأسيسية للدستور، أي حوالي 10% منهم، مع رجاء عدم التعلل بالآليات والوسائل والصعوبات، أو حتى بالجنسية الثنائية التي يحملها بعض المصريين في الخارج، والتي قد يعتبرها البعض مانعاً دستورياً من المشاركة في هذه الهيئة، رغم أنهم قد سُمح لهم بالتصويت في انتخابات مجلسي الشعب والشورى، وفيهم الكفاءات والقدرات المشرفة مثل أحمد زويل وفاروق الباز وجموع من المتخصصين والمتميزين . ولقد تتبعتُ التصريحات المشجعة لأعضاء وفد مجلس الشعب في زيارتهم الأخيرة للكويت برئاسة الدكتور/ سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب، وما أدلى به الدكتور/ عصام العريان رئيس لجنة الشؤون الخارجية، والدكتور/ محمد السعيد إدريس رئيس لجنة الشؤون العربية بمجلس الشعب، عن مشاركة المصريين في الخارج في الهيئة التأسيسية لإعداد الدستور، رغم أن هذه التصريحات لم تتطرق إلى التفصيلات الخاصة بالعدد، وكيفية الاختيار، والوسائل والآليات، والتي يمكن حلها بسهولة إذا ماتقررت المشاركة من حيث المبدأ في الهيئة . ومن وجهة نظري فقد يكون اختيار الممثلين وفقاً للتقسيم الجغرافي على حسب المكان ، كأن يتم اختيار عدد من مغتربي الأمريكتين، بما فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا وأمريكا اللاتينية، وكذلك عدد من مغتربي دول الاتحاد الأوروبي، وعدد من دول مجلس التعاون الخليجي، وهي المناطق ذات الكثافة العالية للمصريين في الخارج، على أن يكون التوزيع حسب الكثافة العددية، بأن يخصص ممثل لكل عدد منهم، يتم تحديده في ضوء ما يتقرر من ناحية المبدأ عن عدد الممثلين لهم في الهيئة التأسيسية، ويمكن رغم كل التحفظات أن يتم تمثيل المصريين في الخارج برؤساء الجاليات المنتخبين انتخاباً ديموقراطياً بعد الثورة، دون تدخل من البعثات الدبلوماسية في الخارج، كذلك يمكن استحداث موقع على الإنترنت لطرح أسماء المرشحين وسيرتهم الذاتية وإجراء الانتخابات إلكترونياً، وأشير هنا إلى ما يتوفر من كفاءات متميزة للمصريين في الخارج، فمنهم العلماء والخبراء والمستشارون القانونيون والقضاة والمهندسون، والأساتذة الجامعيون، والمحاسبون، وغير ذلك كثير. وإنني أرجو ممن يقرأ هذا البلاغ، سواء من المصريين في الخارج أو الداخل أن يدلي باقتراحاته البناءة التي تتعلق بالأعداد والوسائل والآليات، وما يراه مفيداً في هذا الموضوع، على وجه السرعة، قبل أن يُقفل باب تقديم الاقتراحات الخاصة بالهيئة التأسيسية للدستور. وأتمنى أن يتم عرض هذا المقترح على لجنة استقبال المقترحات للبت فيه، حتى يطمئن المصريون في الخارج إلى أنهم شركاء في الوطن، يعيشون آلامه وآماله، وأن مصر الثورة في قلوبهم، علماً بأنهم مستعدون للتضحية بكل ما يملكون من غال ورخيص في سبيل رفعة هذا الوطن، وعلو شأنه . ----------- الدكتور/ زكريا مطر مغترب ثورجي