مطالبة المصريين بالخارج بحقهم الدستوري في مباشرة الحقوق السياسية والسماح لهم بالتصويت في الانتخابات من دول مهجرهم ليست أمرا مستحدثا بعد ثورة يناير.. لكنه بدأ منذ سنوات وزاد في العقد الأخير واشتد في السنوات الست الماضية، وما بين التهميش والتسويف والرفض كان يقابل المطلب من جانب النظام السابق الذي كان يري في هذا الأمر «محاذير أمنية»، وهو المصطلح الرسمي الذي كان يتم استخدامه من جانب الأجهزة الأمنية في اجتماعاتهم المشتركة مع ممثلي وزارة الخارجية عند بحث الأمر، مما دعا أحدهم ذات يوم لأن يبلغ سفيرا بأن الدبلوماسيين لا يستطيعون السيطرة علي الصناديق، وهي إشارة واضحة لا تحتاج تفسيرا حول الفلسفة التي كان يتم التعامل بها مع عملية الانتخابات وأن مسألة المحاذير الأمنية ليست سوي خوف من الاختيار الديمقراطي. بعد الثورة تفاءلت الجاليات المصرية أنهم في الطريق لممارسة حقهم ،خاصة بعدما أعلن الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء أنه يتم البحث عن آلية لتفعيل المطلب المتعلق بمشاركة المصريين بالخارج في الانتخابات التي تجري في مصر أو الاستفتاءات،وعلي الفور قامت الجاليات المصرية خاصة في الولاياتالمتحدةوكندا وأستراليا بترتيب أوراقهم وبعضهم بادر بعرض مشروعات عملية لإنجاز عملية التصويت في الخارج.. هذا الاحتدام في رغبة المشاركة عكسته احتفاليات التصويت الرمزي التي جرت في بعض سفارات مصر بالخارج علي الاستفتاء الخاص بالتعديلات الدستورية. لكن الوضع أو الرؤية داخل وزارة الخارجية وفقا للمعلومات المتوافرة ل «روزاليوسف» لم تتبلور بالشكل الكافي بعد في هذا الأمر، وقد يكون ذلك مرجعه إلي أن الحكومة لم تحسم الملف بشكل واضح المعالم حتي الآن، ففي الرابع عشر من الشهر الماضي أصدر مكتب وزير الخارجية الدكتور نبيل العربي برقية رمزية تم توجيهها إلي جميع البعثات الدبلوماسية لمصر في الخارج، وعلمت «روزاليوسف» أن نصها علي النحو التالي: «نتشرف بالإفادة بأن السيد الوزير وجه بقيام السفارات المصرية بالخارج بموافاة قطاع الهيئات والمنظمات الدولية والقطاع القنصلي بالنظام المتبع في دولة الاعتماد اتصالا بمسألة تصويت المغتربين في الخارج في الاستحقاقات الانتخابية والاستفتاءات، بالإضافة إلي ما يتوافر لدي السفارة من معلومات وبيانات تفصيلية في هذا الصدد تعين الحكومة المصرية علي دراسة البدائل المتاحة لتمكين المصريين بالخارج من ممارسة هذا الحق بموجب التعديلات الجاري إدخالها علي قانون مباشرة الحقوق السياسية». نص البرقية يوضح أنه تم إسناد الأمر مؤسسيا داخل الخارجية إلي كل من قطاع الهيئات والمنظمات الدولية الذي يتضمن بداخله إدارة حقوق الإنسان التي ستباشر هذا الملف داخل القطاع، بالإضافة إلي القطاع القنصلي، وإذا حاولنا استكشاف خريطة الجاليات المصرية بالخارج، فإن أول ما نصطدم به هو عدم وجود إحصاء دقيق يوضح العدد الحقيقي للمصريين بالخارج، ويتم الاعتماد علي الأرقام التقديرية وهي الأخري تتضارب حتي في الأوراق الرسمية وتقارير المسئولين عن متابعة الملف، إلا أن الرقم الغالب في معظم التقديرات هو ستة ملايين ونصف المليون مصري بالخارج متفرقون حول العالم، وخريطة توزيعهم علي النحو التالي: ثلاثة ملايين ونصف المليون في منطقة الخليج العربي، والغالبية العظمي منهم يتواجدون في المملكة العربية السعودية بعدد تقديري ما بين 2,1 مليون إلي 5,1 مليون، بالإضافة إلي مليون مصري لم يغادروا ليبيا، في حين يتراوح عدد المصريين في كل من دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا وأستراليا وكندا ما بين مليونين إلي مليونين ونصف المليون، ويتركز التواجد المصري داخل أوروبا في كل من إنجلترا وإيطاليا وفرنسا، بينما يتواجد حوالي أربعمائة ألف مصري في الولاياتالمتحدة وحوالي ربع مليون مصري في كندا. هذه الجاليات رغم اختلاف نمطها ومستواها العلمي والاجتماعي وتباين نظرتهم واهتماماتهم السياسية ورؤيتهم لشكل الدولة إلا أن الجالية المصرية العالمية في مجملها حديثة الهجرة. -- ومع التفاعلات السياسية في مصر ظهرت علي الساحة مفاهيم وإن بنيت علي تحليل مجتمعي إلا أنها تنم عن مخاوف تتعارض مع المنطق الديمقراطي وهي المؤثرات التي يمكن أن تتحكم في اتجاه أصوات المصريين في الخارج بسبب أيديولوجية الدولة التي تستضيفهم والتي في الغالب يكونون قد اندمجوا فيها، هذا المنطق في حقيقة الأمر لا يختلف عن كلمة «المحاذير الأمنية» التي كان يستخدمها النظام السابق.. وهو المنطق الذي رفضه السفير محمد منيسي مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون القنصلية في رده علي استفسارات «روزاليوسف»، وقال: هذا الوضع يجب ألا يستمر في مصر بعد الثورة، النظام السابق كان يتحجج بمحاذير أمنية مشبوهة وتتمثل في عدم قدرتهم علي ضبط صناديق الاقتراع في الخارج مثلما كانوا يفعلون في الصناديق علي أرض مصر، كما أن الخوف من عدم وجود طريقة سهلة ومبسطة لإتمام الانتخابات خارج مصر بما قد يستدعي تأخر إعلان النتائج يمكن التغلب عليه من خلال الاستفادة بتجارب العديد من الدول سبقتنا في هذا الأمر، ومن بينها الهند والجزائر والسودان، وهناك طريقتان للتصويت، إما عن طريق الصناديق أو عبر التصويت الإلكتروني، وعملية التصويت الإلكتروني نجحت في دول شاسعة الأطراف وعدد سكانها نحو المليار وهي الهند التي تمتلك الآن شركات متخصصة في هذا المجال يمكن الاستعانة بها، وإتمام العملية قد يكون بإحدي هذه الطرق أو بالمزج بينهما. في حين أكد الدكتور نبيل عبدالملك رئيس المنظمة الكندية - المصرية لحقوق الإنسان أن المصريين بالخارج طالبوا بتفعيل حقهم الدستوري بالتصويت في الانتخابات والمشاركة في إدارة شئون وطنهم لأنهم مصريون ولايزالون يحتفظون بالجنسية المصرية، والكل يريد أن يساعد بلده، وأضاف في حديثه ل «روزاليوسف»: كنا قد وصلنا لمرحلة من فقدان الأمل بعد محاولات متعددة علي مدار الأعوام الماضية وكان فيها وعود زائفة من قبل النظام السابق بأن هذا الحق سيباشره المصريون بالخارج، فقمنا بالتنسيق مع المنظمات الحقوقية وائتلافات المصريين الأمريكان، وبالفعل قمنا بعمل توكيلات قانونية لاتخاذ الإجراءات القضائية ضد وزارة الداخلية، لكن الآن الوضع اختلف والثورة فتحت الطريق من أجل المشاركة والتغيير وإعادة بناء مستقبل الوطن، وعن التصور الخاص بانحياز المنظمات المصرية في المهجر، وخاصة المنظمات القبطية تجاه أحد المرشحين ووقوفهم ضد التيارات الأخري أو المختلفة معهم أيديولوجيا، قال: غالبية المصريين في المهجر مع الدولة المدنية ومن خلال تفاعلي مع المنظمات الحقوقية أستطيع أن أقول إن هذه الرغبة متواجدة أيضا لدي المصريين في الدول العربية، وأكد أنه ليست هناك عداوة بين منظمات المهجر وبين الإخوان المسلمين كفصيل سياسي، وأضاف: استمعنا إلي الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح وأحسب أنه رجل أمين ورجل متعقل ولديه دراية بأن الخط الديمقراطي المدني هو منقذ مصر، وتصوري أن هذا هو تصور غالبية المصريين، وشدد أنه في حالة تعنت الحكومة المصرية في إعطاء المصريين بالخارج هذا الحق فلن يكون أمامنا سوي اللجوء إلي القضاء المصري للحصول علي حقوقنا. -- أما الدكتور أشرف الأنصاري،ممثل تجمع المصريين الأمريكان، فكشف عن مشروع متكامل ينتظر موافقة الحكومة، وأوضح أنه بالفعل تم تأسيس شركة مشهرة قانونا بالولاياتالمتحدة تحت اسم «egy.nile»، تتولي عملية التصويت الإلكتروني بطريقة مبسطة وتضمن شفافية التصويت، مشيرا إلي أن الغرض من تأسيس الشركة هو وجود كيان يمكن الرجوع عليه قانونيا في حالة حدوث أخطاء أو اتهام بالتزوير رافضا أي إشراف من جانب السفارة المصرية علي عملية التصويت، مؤكدا أن هذا المشروع تتكفل الجالية بكافة نفقاته ولن تتحمل الحكومة أي أعباء مالية تجاهه. -- من جانبه أكد الدكتور هشام البحطيطي رئيس النادي المصري في دبي عن وجود حالة استياء داخل الجالية المصرية بسبب الحديث عن احتمالية شراء أصواتهم وهو أمر مرفوض ولا نقبله، وأضاف في اتصال هاتفي مع روزاليوسف: المصريون في الخارج وليس في الإمارات فقط يشعرون بالتهميش. ونفي بشكل قاطع ما تناولته بعض الصفحات علي موقع الفيس بوك التي حملت تهديدا من جانب المصريين في الخليج بوقف تحويلاتهم المالية في حالة عدم حصولهم علي حقهم الدستوري المتمثل بالتصويت علي الانتخابات، وقال: هذا أمر مستحيل وغير وارد بالنسبة لنا، مشيرا إلي أن الجالية تنتظر زيارة الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء لمناقشته في هذا الأمر.