التحرش بالنساء أزمة شديدة القسوة ، وظاهرة تتفاقم بشكل رهيب ، فى زمن لم تعد فيه كلمات الغزل والحب المنمق ، مفتاحا سحريا لغزو قلب المرأة ، فاستبدلت بكلمات عارية فجّة ، أما العيون فتتلصص جسدها بكل همجية ووحشية ، تخترق حصونها كأنها فريسة، أو صيد ثمين ، مما يصيبها باليأس ، فتجلدها أنّة تطحنها طحن الرحى ، وأشواك الأذى تنشر ألما وجرحا غائرا قد لايندمل أبدا ، يظل حبيسا فى أى لحظة يتفجر ، وكأن الرجل فى معركة مع المرأة ، معركة ليست ناجمة عن سلوك فردى، بل هى حالة مجتمعية تتولد من أخلاقيات المجتمع نفسه ، مجتمع يعانى تردى الوضع الإقتصادى ، مجتمع ينمو فيه الفقر والجهل بسرعة فائقة ، ونظرة على العشوائيات ، لندرك حجم الخطر أما المرأة التى تتعرض للتحرش اللفظى أو الجنسى ، فهى تشعر بالإحتقار والمهانة ، وفقدان الثقة بالنفس وبالغير ، فالعنف الذى يمارس ضد أنوثتها وإنسانيتها يصدم مشاعرها وينفرها من الرجل ، والبعض منهن ربما تعرضن لآفة الختان ، تلك الآفة البعيد عن الرحمة ، وليست من الدين سؤال ، لماذا ينظر للمرأة فى المجتمات الشرقية على أنها أداة ، خلقت من أجل امتاع الرجل وأصبحت تخشى الخروج بمفردها ، تخشى ارتياد الأسواق ، وإذا اضطرت ، فهى تسرع الخطى ،مهرولة ، متعثرة الخطوات ، يتملكها الخوف وكأن ذئبا سيخرج حالا من جحره ،ليطاردها ، وربما افترسها وغرس أنيابه ليمزقها ، أما المعاناة فى وسائل المواصلات فهى معاناة أزلية ، فالتحرش لايميز بين المحجبة والسافرة ، كلهن فى نظر الرجل سواء ، إنها أزمة أخلاق مرجعها انعدام الوازع الدينى ، هذا الكابوس الجاثم على صدر المرأة ، أضاع حقها فى الحرية ، وحقها فى فى العيش بكرامة وأمان ، الى جوار الرجل . أما لو اضطرتها الظروف للخروج ليلا لأمر طارئ ، فمن المؤكد أن الكارثة باتت وشيكة ، لأن سوء الظن غالبا مايكون سيد الموقف ،فالشك بأخلاقيات المرأة يجعل المتربصين بها ، لايخجلون من إصدارأحكامهم عليها بسوء السلوك ، فلن تنجو من براثنهم ليتلاشى مصباح الزيت ويحترق ، ولم يبق فى هذا الليل الكسير سوى بعض التساؤلات ، هل سيجدى الحديث عن أزمة التحرش ؟ هل من قانون رادع يحمى المرأة ؟ لماذا لايعد التحرش من الجرائم التى يعاقب عليها القانون لكل من تسول له نفسه بارتكابها ؟ لاننكر أن التحرش موجود بكل دول العالم ، لكنه فى مصر بات أمرا ينبئ بالخطر، ويحتاج الى وقفة أمام الظاهرة المخجلة ، ربما لم يدر بخلد أى مصرى أصيل فى بلد الحضارة والتاريخ والدين ، أن يشهد اليوم الذى نناقش فيه عبر وسائل الإعلام مشكلة التحرش الجنسى للمرأة، ونوجه للرجل النصح بوجوب احترام حق المرأة المشروع فى الإحترام والتقدير عقلا وجسدا فهى الأم والزوجة والأخت والإبنة ، قديما كان الرجل غيورا على جارته وإبنة حتته ، أين الشهامة والنخوة والمروءة ؟ متى يكف الرجل عن مطاردة المرأة أينما حلت ؟ متى ننشر الفكر الواعى وتتغير ثقافتنا ، لماذا نهدر الوقت والجهد فى التفكير فى الوسائل التى تمنع التحرش الجنسى، إنه لأمر مؤسف ومخجل ، يسئ لمصر خاصة بعد الثورة العظيمة ، التى قامت بها المرأة أيضا وقدمت الشهداء فهل نعود الى عصر الإماء ؟ سؤال نوجهه لأنفسنا فى اليوم العالمى للمرأة ؟ !