لكلمة الركوع فى اللغة العربية معنى واحد، وواضح، ليس له ثان ، فهى ليست من الكلمات التى تحتمل معانى متعددة.. نقرأ فى المعجم الوسيط: رُكوع: مصدر ركَعَ ركَعَ إلى ركَعَ ل. الرُّكُوعُ في الصلاة: أن يحني المصلى ظهره بعد قومةِ القراءة، حتى تنال راحتاه ركبتيه ويطمئنَّ ظهره ويستوي. ونقرأ فى المعجم الغنى: رُكوعٌ: (ركع) . (مصدر رَكَعَ). «وَجَدْتُ الجَماعَةَ في رُكوعٍ وَخُشوعٍ»:وَجَدْتُهُمْ يُؤَدُّونَ صَلاتَهُمْ، اِنْحِناءُ الظَّهْرِ وَوَضْعُ اليَدَيْنِ على الرُّكْبَتَيْنِ. الخلاصة أن «ركوع» تعنى: ركع يركع ركوعاً، ولغة ركع أي انحنى، أيضاً ركع لله أي خضع له. واصطلاحاً هو بحسب المعنيين معاً فهو الانحناء في الصلاة بقصد الخضوع لله تعالى، فلا يكفي الخضوع بلا انحناء ولا الإنحناء دون الخضوع كالانحناء لتناول شيء ما!! إذن..فالحديث عن الركوع يعنى أن هناك سيداً وتحت قدميه «عبدٌ» يخضع له.. وهناك ربٌ ومن يصلى له..وهناك ضعيف يرتجى ويدعو إلهه كى يستجيب له.. هذا هو المعنى الوحيد للكلمة .. وهو التفسير الوحيد لما حدث فى مطار القاهرة منذ أيام ، عندما جاءت طائرة الأسياد، لتنقل الأرباب، إلى بيتهم الأبيض «المقدس» معززين مكرمين ، بأوامر غامضة صدرت ممن لا يملك سلطة إصدارها ، ووجدت هذه الأوامر الشخص المناسب الذى يستجيب لها، ويقول آمين ، سمعاً وطاعة ، لأولى الأمر وأولياء النعم، المماليك الذين يريدون لنا العودة لعهد السلطان، الذى كانت أيامه أفضل بكثير ، لأن أجدادنا كانوا يعرفون أن هناك نظاماً فاسداً يجلس على رأسه حاكم مستبد،يسمى السلطان، يولى من يدفع له أكثر، وكان الجميع يعملون فى إطار»توازنات» محسوبة تتناسب مع هذا الزمان ، وكان المماليك لهم سلطات ، والشعب له الحق فى العمل مقابل ضرائب ، وكان العسكر محترفين، ولاؤهم لمن يستخدمهم ويدفع لهم أكثر، ولم يكن أحد من أصحاب السلطان يدعى الوطنية ، ولم يكن منهم من يقول إنه يدفع وقته وجهده،ويعرض حياته للخطر لخدمة بلاد احتضنته..أما الآن يخرج من يقول لنا « مصر لن تركع» لأننا نؤدى دوراً وطنياً خالصاً من أجل أمة حرة أبية لها كرامة نموت من أجلها ، ثم بعد ساعات قليلة ، نجد الركوع يعقبه سجودٌ ويتخلله تقبيل الأيادى والأقدام ، لتسقط الأقنعة ، ويسقط من يدعون أنهم يلعبون السياسة على أصولها وهم فى الواقع مبتدئون!! -2- الأزمة ليست فى الركوع وحده ، ولكنها فى هذه العنجهية المفرطة التى ظهرت من صاحب القرار،عندما أعطى أوامره باقتحام مؤسسات مملوكة للأسياد.. ففى لحظة واحدة اخترق الجند ، لحظات الصمت التى تتخللها « تكتكات» أجهزة الكمبيوتر فى مكاتب المنظمات الأمريكية، وتم اعتقال موظفين أمريكيين يعملون فى مصر منذ سنوات طوال ، بدون تصريح ، تحت سمع وبصر رؤوس النظام السابق، ثم استمر عملهم لمدة عام تخت مظلة حكومات ، يقال عنها وزارات الثورة، وفى ساعات قليلة تشبه الحلم، وجدناهم خلف القضبان، وتصاعدت النبرات ،وقال الحاكم « لن نركع» وضغوط أمريكا لن تفلح مع هذا الحجم الهائل من الوطنية الذى استقر فى وجداننا!! وسقط بعض أنصار السلطة فى فخ .. فكانوا ملكيين أكثر من الملك ، وبدلاً من أن ينصحوا الحاكم بضبط النفس ، قالوا له «اذبح» فكان رده غريباً.. لقد ركع.. وسجد.. وطاف.. واستغفر .. وطلب الرضا بعد تقبيل الأيادى البيضاء والشقراء .. واعتذر بمساحة كلمات أكبر حجماً من المحيط الأطلنطى.. وقاموس تعبيرات أطول من نهر النيل!! لقد كسروا فينا العزة .. وتآمروا علينا من أجل إرضاء سيدتهم الأولى ولا نملك سوى الصبر على البلاء حتى يرد الله أمراً كان مفعولا... حسبنا الله ونعم الوكيل. -3- نريد أن نعرف إجابات واضحة لتساؤلات مشروعة... يجب أن نجد من يرد على الرأى العام بتحديد المسئول عن إصدار التعليمات الخاصة بإطلاق سراح الأمريكان.. المستشار عبد المعز إبراهيم هو واحد ممن تلقوا التعليمات فنقلها لمن هم أدنى منه فى السلم الوظيفى.. فمن هو الأعلى درجة من عبد المعز.. من الذى أمره بتكليف « القاضى» بإطلاق سراحهم وإدانة عبدالمعز سوف تشككنا فى نتائج الانتخابات البرلمانية التى أشرف عليها. ونريد أن نعرف لماذا التزم المجلس العسكرى الصمت عندما تم فضح عملية التهريب؟ فطبقاً لمعلوماتنا ، فإن هذا المجلس هو الذى يدير شئون البلاد بنفس طريقة مبارك ، ولن نصدق أنه لم يتدخل فى شئون القضاء، وأنه لم يكن يعلم بهبوط الطائرة قبل صدور الحكم بالإفراج المؤقت بساعة كاملة، ولن نصدق أنه نفض يده من الورطة؟ نريد أيضاً أن نعرف ماهى علاقة الإخوان بعملية «التهريب» التى وقعت تحت مظلة القضاء «المُسيس»؟ ولا تقولوا لنا أن المسئولين الأمريكيين الذين وجهوا الشكر للإخوان يريدون الوقيعة بيننا وبينهم لأن شهر العسل بين الطرفين أصبح معلناً والصحافة هناك غالباً لاتكذب ولا تحصل على تعليمات من سلطات أعلى، ولكنها تنقل وقائع ومعلومات لم يكذبها أحد سوى الإخوان.. ولذلك نريد معرفة علاقتهم بالأمر؟ صدقونى.. لقد فاض الكيل بالناس .. تحملوا كل من تلاعبوا بهم لمدة عام كامل .. والحساب سيكون عسيراً جداً!! - 4 - يبدو اننا موعودون بأزمات الطائرات مع الأمريكان.. فإذا كانت الطائرة الأمريكية، التى هبطت فى مطار القاهرة ، لنقل المتهمين فى قضية التمويل، قد فعلتها برضاء السلطات ، فإن «المخلوع» حسنى مبارك قد تعرض لموقف حرج عام 1985 عندما خطفت الولاياتالمتحدة الطائرة المصرية التي كانت تقل الفلسطينيين المتهمين فى قضية خطف السفينة الإيطالية أكيلي لاورو من جانب مسلحين ،إلي تونس لتسليمهم إلي منظمة التحرير الفلسطينية.. ساعتها قال مبارك كلمته الشهيرة: أنا « مجروح» من الصديق الأمريكى!! فكانت نكتة لأن السيادة المصرية انتهكت وكرامة الوطن ذُبحت.. وبعد 27 عاماً تتكرر المأساة، ولكننا لم نشعر بالجُرح هذه المرة، لأننا اختصرنا الطريق، وركعنا ، ركعة طويلة ، شعرنا بعدها بالألم، ليس من أجل الكرامة الوطنية، ولكن بسبب التهابات المفاصل!! مرة أخرى .. حسبنا الله ونعم الوكيل.