سوف يلاحظ أي متابع للحياة العامة في البلد هذه الأيام، أنه لا يكاد يمر يوم، إلا وينطلق فيه صوت، ينادي بسحب الثقة من حكومة الدكتور كمال الجنزوري، وتشكيل حكومة ائتلافية تنهض بها القوي السياسية الاساسية في البرلمان.. والحقيقة، أنه لا أحد يعرف علي أي شيء بالضبط، تستند هذه الأصوات المنادية بحكومة جديدة، أو بحكومة ائتلافية إذا شئنا الدقة في التعبير عما يقال، إذ الثابت حتي الآن، أن الاعلان الدستوري الصادر في مارس الماضي، يعطي حق تشكيل الحكومة، طوال الفترة الانتقالية، للمجلس العسكري وحده، ولا يشير من قريب، ولا من بعيد، إلي حق حزب أغلبية، أو عدة أحزاب، في تشكيل حكومة جديدة، لا لشيء، إلا لأن قيام حكومة من هذا النوع، وعلي هذا الاساس، يتطلب في الأصل، أن يكون لدينا دستور ينص علي ذلك، ويمنح حق تشكيل الحكومة الجديدة، للحزب صاحب الاغلبية في البرلمان، بمفرده، أو مع غيره من الاحزاب صاحبة التمثيل الكبير في مجلس الشعب.. وبما أن الاعلان الدستوري، الذي هو دستورنا، ودستور المرحلة الانتقالية الممتدة حتي مجيء رئيس منتخب، لا يتكلم عن ذلك، بأي صورة، فالكلام عن سحب الثقة من حكومة الجنزوري، كلام لا يليق، ولا يجوز أن يتردد بهذه القوة، ولا علي هذه الصورة. وقد قيل وقت تكليف الدكتور الجنزوري بتشكيل حكومته، في أول ديسمبر الماضي، أنها قائمة إلي أن يتم انتخاب رئيس للبلاد، ثم أكد «العسكري» نفسه، مراراً، وفي أكثر من مناسبة، أنه متمسك ببقاء هذه الحكومة، طوال المرحلة الانتقالية، وأظن، أنه كمجلس عسكري حاكم، يجب أن يخرج علي الناس ببيان، يعيد تأكيد هذا المعني، من جديد, لسببين، أولهما أن يطَِّئن الناس إلي أن الحكومة قائمة، ومستقرة, وقادرة بالتالي, علي تصريف أعمالها، وليست علي كف عفريت، والسبب الثاني أن الحكومة نفسها في حاجة إلي أن تكون علي بينة بحدود الفترة الزمنية، التي سوف تبقي خلالها في مقاعد الحكم، حتي تستطيع من جانبها، إنجاز ما هو مطلوب منها، في حياة الناس. إن الاحتياطي من النقد الاجنبي يتراجع كل صباح, حتي وصل إلي 15 مليار دولار، بعد أن كان أكثر من ضعف هذا الرقم، قبل الثورة، ومخزون القمح لا يكاد يكفي الاستهلاك عدة أسابيع، ورصيد البنزين يكفي أسبوعاً، وأزمة البوتاجاز، لا تكاد تختفي حتي تظهر، والوضع الاقتصادي إجمالاً، مقلق، ومثير للإنزعاج، ولابد بالتالي، أن يلتقط رئيس الحكومة أنفاسه، لتكون عنده القدرة علي مواجهة أزمات بهذا الحجم، لا أن يستيقظ كل يوم، علي أصوات تطالبه بالرحيل، وتضغط في اتجاه سحب الثقة من حكومته. بيننا وبين انتخاب الرئيس الجديد ثلاثة أشهر لا أكثر، ولابد أن فترة زمنية كهذه، لا تحتمل تشكيل حكومة جديدة، سوف تتغير هي الاخري بالضرورة، عندما يتم انتخاب الرئيس.. فمتي نقدم المصلحة العامة للبلد، علي المصالح السياسية الضيقة، التي تقف وراء مثل تلك الاصوات?!.. ومتي ندرك أن الاصرار علي سحب الثقة من الحكومة، علي النحو الذي يجري عليه حالياً، يهدد الحد الأدني من الاستقرار الذي نعيشه، ويمكن أن يدخل بنا، في النهاية، دائرة من عدم الاستقرار، لا نحتملها، ولا نقوي علي مواجهتها. اتركوا الجنزوري يعمل حتي يأتي رئيس جديد للبلاد، ووقتها, سوف يكون لكل حادث حديث.. أما قبلها، فالكلام بغير ذلك، إضاعة للوقت، وتبديد للطاقة، فيما لا يجدي ولا يفيد!