ما لم تحترق مصر مرة أخرى يوم 25 يناير لا قدر الله يأمل المفسدون فى الأرض وكما أحرقت القاهرة منذ ستين عاماً ولا يعلم أحد إلى اليوم لماذا ومن فعلها وكان يومها الملك دعا ضباط الجيش إلى مأدبة غداء فى قصر عابدين احتفالاً بميلاد ولى العهد ثم نزل الجيش فى نهاية اليوم بعد احتراق القاهرة وسلب ونهب المحلات التى احترقت، وسيطر على الموقف بسرعة وقبض على اللصوص والبلطجية وهناك من اتهم الضباط الأحرار بالحريق ولكنهم كانوا كلهم يومها متواجدين مع الملك فى قصر عابدين، وهناك من اتهم الإخوان ومصر الفتاة والشيوعيين ولكن يومها أدرك الملك أن عهده قد انتهى ولزم الرحيل وحتى بعد انقلاب يوليو 52 وكان متواجداً فى قصر التين بالإسكندرية وأبلغة الحرس الملكى بولاء ثكنات مصطفى باشا له واستعدادها للزحف إلى القاهرة وسحق المتمردين من الجيش ولكن الملك رفض وقال: لن أسمح بانقسام جيش اجدادى الذى بناه إبراهيم باشا، إذا قامت الجمهورية الخامسة وتولى الإسلاميون الحكم بعد عملهم تحت الأرض ثمانين عاماً أوجه لهم آراء تعبر عن المصريين البسطاء الذين ظلوا مهمشين طوال ستين عاماً، وكان دورهم ينحصر فى هتاف بالروح والدم نفديك يا.. وهناك عشرة ملايين مصرى يعملون بقوت يوماً بيوم وليس لهم مورد رزق آخر ولا تأمينات ولا معاشات واذا مرض أحدهم لا تجد أسرته قوت يومها، وهناك ملايين آخرون تعمل فى تجارة بسيطة مع ثلاثة أو أربعة عمال كأعمال السباكة والنجارة والكهرباء والبقالة البسيطة والحدادة والنقاشة وغيرها من المهن الحرفية البسيطة وهم أيضاً يعيشون على هوامش الحياة وهناك فى الريف الفلاحون البسطاء الذين يعملون بالأجرة اليومية هم وأولادهم وهؤلاء لا يعملون وأولادهم ولا يجدون لهم العلاج ولا الحياة الكريمة ومعظمهم ينزحون إلى القاهرة أو الاسكندرية للبحث عن عمل يقتاتون منه وغالباً لا يجدون وهناك من يحلمون بالهجرة غير المشروعة أو الانتحار فى البحر للذهاب إلى إيطاليا أو اليونان ونصفهم يغرق فى البحر، والذى نجا ووصل إلى هذه الدول يتم ترحيلهم من هناك أو يظل مختبأ هناك من السلطات وايضا لا يعمل وهم بالآلاف هناك ويا للسخرية لأن نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كانت الهجرة عكسية من إيطاليا واليونان الى الاسكندرية بالآلاف منهم. وهناك الآلاف وعشرات الآلاف من الشباب الذين حصلوا على شهادات جامعية ولم يجدوا عملاً فى بلادهم ونزحوا إلى بلاد مثل النمسا ورأيتهم هناك عبر سنوات يحتكرون مهنة بيع الصحف فى الشوارع والميادين ويعيشون أدنى مستوى معيشة لكى يدخروا مالاً يرسلونه إلى ذويهم فى مصر الذين هم فى حال أسوأ من المعيشة والحياة، وهناك من نزحوا غرباً إلى ليبيا بالملايين لكى يعملوا أية أعمال بلا مستقبل فى الأفق سوى العمل اليوم بيومه وهناك من نزحوا شرقاً إلى دول الخليج والقصة متكررة وملخص القول: إننا أصبحنا دولة طاردة لأبنائها وشبابها لأن حكامهم باعوا لهم الهواء بالشعارات الرنانة واستنفدوا مقدرات مصر للنزوات الشخصية والبحث عن الزعامة الملهمة والدخول فى معارك لا طائل من ورائها للفرد المصرى البسيط الذى رموه فى أتون الحرب الخاسرة والتى أتت على ثروات مصر التى لو صرفت على شعبها لتغير حاله حقيقة، عام 1951 نشر أحمد حسين، زعيم حزب مصر الفتاة، صورة لطفل مهلهل الثياب ويتسول وكتب تحتها هؤلاء هم رعاياك يا مولاى، أطفال الشوارع كانوا وقتها بالآلاف ولم يتغير شىء وأصبح أطفال الشوارع الآن بالملايين وهم نتاج العشوائيات التى يعيش فيها ملايين المصريين تحت مستوى الفقر، شعبنا البسيط دفع ثمن تصديقه لكل الزعامات التى تولت قيادة البلد منذ يوليو 52 حتى يناير 2011 وانساق وراء شعارات زائفة أفقدته ثروات بلاده جرته من حرب إلى حرب وكلها خاسرة لأنها لم تعمل لصالح الفرد البسيط وقيل له لا صوت يعلو فوق صوت المعركة حتى تحول الشعب الذى أثرى أشقاءه العرب بالعلم والطب والمعمار وكان يرسل كساء الكعبة المشرفة ويدفع رواتب العاملين المصريين بالدول العربية إلى شعب يبحث عن لقمة عيشه وسط دول تلفظه وتطرده والشعوب الأفريقية التى دفع من قوته ليحررها من الاستعمار واستضاف زعاماتها فى القاهرة حتى تحررت والآن تغلق شريان الحياة لمصر متمثلاً فى نيلها العظيم. شعب مصر اختار أغلبية الإسلاميين ليقودوا المسيرة القادمة فى أحلك ظروف يعيشها الوطن، وأشفق على الإسلاميين الذين تحولوا من المعارضة إلى الحكم وينتظر الشعب المصرى منهم معجزات وما أصعب كرسى السلطان لأن عصر المعجزات ولى وانتهى والفارق ضخم بين صهوة جواد المعارضة والنقد المستمر وبين كرسى الحكم وتلاشى الوعود البراقة وتبدأ المؤشرات الشعبية فى الهبوط ويبدأ التذمر الشعبى والسؤال أين تحقيق المطالب ورفع مستوى المعيشة وزيادة الدخول وإيجاد المسكن وتحسين التعليم وخلق الوظائف وفرص العلاج الحقيقى لذلك حذار من أفعال زعامات دول العالم الثالث عند الإخفاق فى مطالب الشعب يبدأ البحث عن المجد الخارجى بالشعارات البراقة عن القومية العربية والوحدة تارة والشعارات الدينية تارة أخرى بعودة الخلافة وتطبيق شرع الله وتبدأ الحلقة المفرغة من جديد ويبقى الشعب حائراً بين تبدد أحلامه ثم من الحيرة إلى الغضب، ما توعدون به شعبكم البسيط يجب أن يكون فى نطاق ما يمكن تنفيذه على أرض الواقع وما يحتاج إلى زمن أطول يجب مشاركة الشعب فى الحقيقة حتى يبدأ هو الآخر فى تحمل مسئولية المشاركة فى حل المصاعب ويتخلى عن سلبية النقد بدون عمل وتعب والجلوس تحت الشجرة ويسأل من يأتى لى بحبيبى!! أمامكم مسئولية استقرار البلاد وعودة أمنها المشروع والحزم مع من تسول له نفسه فى هز استقرار أقدم دولة فى التاريخ ومن يشعل نيران الفتنة، ولا أحد فوق القانون ومصر فى النهاية تتحدث عن نفسها ولا أحد يتحدث عنها أو نيابة عنها. د. حسن شوكت التونى