علي بعد أمتار قليلة من مسجد السيدة نفيسة رضي الله عنها في شارع الخليفة، كانت تعيش سيدة الغناء العامي ومطربة الخديوي إسماعيل في القرن التاسع عشر «ساكنة باشا» كما يلقبها الشعب- بعدما منحها الخديوي لقب «ساكنة بك». لم تكن «ساكنة» امرأة عادية بل تمتعت بخصائص لم تتمتع بها النساء في ذات العصر.. متعلمة.. لبقة الحديث.. عذبة اللسان.. سهلة المعشر.. أنيسة في المجالس.. ذكية وسريعة الخاطر، خفيضة الصوت في الكلام.. قويته في الغناء، متديّنة تحفظ القرآن وقارئة له بصوت عذب.. ولشيوع كل هذا عنها أصبحت ممن يدعي إلى القصور لإحياء المناسبات وأضحت تحيي الليالي في قصور الأمراء، كما غنت في فرح أبناء إبراهيم باشا، وذاع صيتها في عصر عباس الأول ثم سعيد باشا، حيث بزغ نجمها في سماء الغناء. ولدت المطربة الشهيرة «ساكنة» في الإسكندرية سنة 1801 ونزحت للقاهرة وهي صغيرة السن وتعتبر أقدم المغنيات في العصر الحديث بعد مجموعة مغنيات العصر المملوكي، ولمع اسمها في عهد عصر محمد علي، حيث كانت تغني وتحيي ليالي السمر في أكشاك الأزبكية التي كان يغلب على الأداء فيها فرق الشارع أو جوقات الجيش والبوليس وأحياناً مسرح خيال الظل وبعض الموسيقيين ممن يؤدون الغناء الشعبي. وفي قمة شهرتها جاءتها فتاة تدعى «ألمظ» ضمتها «ساكنة» وأشركتها في حفلاتها إلا أن نجم «ألمظ» تلألأ واستقلت عن «ساكنة» التي اعتزلت الغناء ويؤكد أحد سكان المنطقة ويدعى محمد الكهربائي 70 عاماً إن في آخر أيامها خصصت جزءاً من منزلها لتعليم القرآن وماتت دون أن تترك أبناء أو ثروة لأنها كانت تنفق أموالاً طائلة على نفسها وأقاربها وأصدقائها، مشيراً إلى أن منذ ولادته في هذا البيت كما هو لم تلمسه يد الآثار. بيت «ساكنة» باشا بشارع الخليفة بناه والي مصر محمد علي عام 1846 لابنه «إسماعيل» ثم أهداه «إسماعيل» ل«ساكنة» باشا تقديراً منه لموهبتها النادرة والمنزل مقام على مساحة 880 متراً ويطل بمشربياته المتهالكة ونوافذه العملاقة المائلة للسقوط على شارع الخليفة وبوابته الخشبية العتيقة المندثرة تحت الأرض أمامها الآن بائعة للخضار بكل سهولة تستطيع أن تدلف من الباب لعدم وجود حسيب أو رقيب، منزل «ساكنة» معمر بالكلاب الضالة والقطط ويستغل صحن المنزل أصحاب ورش التجارة في تخزين الأخشاب والألوميتال يتكون المنزل من طابقين الأرضي ينقسم إلى 3 أجنحة للحرملك ويحوي نحو 20 غرفة، بالإضافة إلى مبنى للخدم في مواجهة البوابة الخشبية، ويضم الدوري العلوي قاعات أرضها من الرخام وأسقفها منقوشة بماء الذهب كانت هذه القاعات مخصصة للبروفات ولاستقبال الخديوي «إسماعيل» في حفلات خاصة له حينما يريد الاستماع إلى «ساكنة»، وهناك حمام على الطراز العربي به فتحات في السقف مزينة بالزجاج المعشق ومصممة معمارياً لإدخال الضوء للحمام طوال ساعات النهار. أكد أهالي المنطقة أن المسئولين عن الآثار لم يأتوا لتفقد المنزل إلا مرة واحدة فقط من 6 شهور ثم اختفوا. تركت قصر ساكنة باشا ولسان حالي يقول: لو كانت «ساكنة» عايشة لقالت: إللي بعيد عن العين بعيد عن هيئة الآثار، الحكومة أهملتني والناس استغلوني.. من الآخر خدوني لحم ورموني عضم.