كعادة الأطفال، لا تصبر على البقاء فى المنزل، فهى تأخذ من والدها خمسة جنيهات تتوجه بها إلى دكان القرية لشراء الحلوى، ووالدها «مختار» يطير فرحاً بأن ابنته «آية» أصبحت فى السادسة من عمرها، فهى تستطيع الذهاب بمفردها إلى ذلك الدكان القريب من منزلهم وتحيطه منازل أقاربهم من كل مكان، ولا تستغرق عملية الشراء سوى دقائق معدودة، مما يجعله يشعر بالأمن والأمان. ولكن فى ذلك اليوم كتبت الأقدار شيئاً آخر غير متوقع، شيئاً جديداً على القرية والقرى المجاورة، شيئاً يسمعون عنه فى التليفزيون أو يقرأونه فى الصحف، فيستعيذون بالله من الشيطان الرجيم ويلعنون تلك المناطق التى تفتقر الأمن والأمان، ويسجدون لله شكراً أنهم يقيمون فى قرية جزيرة أولاد حمزة التابعة لمركز العسيرات بسوهاج. فقد خرجت الطفلة عصراً تحمل الجنيهات فى يديها الصغيرتين لشراء ما تشتهى، ولكنها لم تعد بعد نصف الساعة، مما جعل أمها تتوجس خيفة على فلذة كبدها، بينما زوجها يطمئنها بأن «الدار أمان»، وأن الطفلة ربما تكون قد ذهبت إلى منزل أحد أقاربها المجاور لمنزلهم، ولكن الشمس بدأت فى الأفول مما جعل الوالد يخرج مسرعاً ليبحث عن طفلته فى كل حدب وصوب، ولكنه لم يجدها، فتوجه ببلاغ إلى اللواء عمر عبدالعال مدير أمن سوهاج الذى أمر بتشكيل فريق بحث بإشراف اللواء خالد الشاذلى مدير المباحث ورئاسة العميدين منتصر عبدالنعيم مدير فرع الأمن العام ومحمود حسن رئيس مباحث سوهاج. مرت أيام معدودات ولم تعد «آية»، ولن تعود إلا جثة هامدة، نعم لقد عادت جثة هامدة أمام منزلها، بها آثار دماء فى الرأس والوجه، لقد نزل الخبر على أهالى القرية كالصاعقة، وحملوها إلى المستشفى المركزى وقرر مفتش الصحة بأنه لا يستطيع الجزم بسبب الوفاة، مما جعل النيابة العامة تأمر بانتداب الطبيب الشرعى لتشريح الجثة ومعرفة سبب الوفاة، وكلفت المباحث بالتحرى عن الواقعة وتولت التحقيق بإشراف المستشار أحمد عبدالباقى المحامى العام لنيابات جنوبسوهاج. بدأ فريق البحث بقيادة المقدم حسن الشاذلى رئيس مباحث العسيرات فى الاستماع إلى أقوال أسرتها والجيران وسائقى التوك توك، ثم توجه رجال المباحث للمنطقة، لعلهم يجدون خيطاً يستطيعون به فك غموض تلك الجريمة البشعة، ولفت نظرهم أن شابا فى العقد الثالث من العمر يتابع خطواتهم أينما ذهبوا، واصطحبوا عدداً من الشباب المعروف عنهم ميولهم الإجرامى بالقرية، ومن بينهم ذلك الشاب الذى يعمل سائق توك توك، 28 سنة، ويعانى من مرض نفسى، وعندما سألوه عن توقعاته لما حدث للطفلة القتيلة، أخبرهم بأن سائقاً من زملائه المقبوض عليهم وراء الجريمة وأنه شاهده بنفسه، ولكن ضباط المباحث عرفوا من تحرياتهم بأنه على خلاف مع زميله، فاصطحبوه بعدما أوهموه بأن زميله هو من فعل ذلك، ولكن عليه أن يتوجه معهم إلى مسرح الجريمة ليثبت لهم ذلك حتى يقوموا بحبس ذلك السائق. أكد أن الطفلة بعد عودتها من الدكان وجدها زميله وطلب منها ركوب التوك توك، ثم توجه بها إلى الزراعات المجاورة وحاول اغتصابها لكنها صرخت فقام بضربها على رأسها ضربات متتالية وتركها فى الزراعات، ثم قام بنزع قرطها الذهبى ودفنه فى الزراعات وتركها، وأنه شاهد ذلك بنفسه لأنه كان يتابعه ويراه رأى العين، وبعد أيام من انتهاء البحث حملها ذلك الزميل المجرم وألقاها أمام المنزل. سأله الرائد هيثم الحجيرى معاون أول مباحث العسيرات، عن القرط الذهبى الذى أخفاه زميله المجرم فاصطحبهم إلى مكان معين فى الزراعات، وأخرجه لهم، وهنا قام ضابط المباحث بوضع «الكلابش» فى يديه، إنهار السائق.. قائلاً: كيف عرفت سيدى أننى أنا المجرم، وكان رد ضابط الشرطة أن تلك التفاصيل التى ترويها وبتلك الدقة لا يمكن أن يصفها سوى الفاعل وليس من شاهد الواقعة من خلال مراقبة.. وكان السؤال: طالما لم تكن أنت لماذا لا تنقذ الضحية من بين يدى هذا الذئب؟ وهنا روى تفاصيل جريمته النكراء وهو يهذى: لم أقصد قتلها أو حتى الاعتداء عليها.. فهى فى عمر ابنتى، لو تزوجت لكنت أنجبت طفلة فى مثل سنها، ولكنى لم أشعر بنفسى فى كل الخطوات أخذتها إلى المكان المهجور وهى صدقتنى لأنها تعرفنى جيداً، ولم يدر بعقلها الصغير أننى سأفعل معها هذه الفعلة الدنيئة.. لن أنسى نظراتها والرعب الذى انتابها عندما حاولت نزع ملابسها عنها محاولاً الاعتداء عليها: ماذا تفعل يا عمي؟ ده غلط.. ده حرام.. ماما وبابا قالوا كده، إزاى انت بتعمل معايا كده؟!.. ولكن الشيطان بداخلى لم يتراجع ولم يسمع صرخاتها ولم أسمع سوى صوت ونداء الشيطان يدفعنى كى أغتصبها وأقتلها، وأكملت جريمتى، همسات الشيطان ملأت أذنى.. صرخت وملأنى الرعب من أن يسمعها أحد ويكشف أمرى.. قتلتها دون أن أدرى.. ماتت بين يدى.. حاولت إيقاظها ولكنها ماتت. «آية» ماتت.. طفلتى ماتت.. واستمر فى هذيانه وأمرت النيابة بعرضه على مفتش الصحة لتحديد مدى إصابته بمرض نفسى مع حبسه ووضعه تحت حراسة مشددة.. وعلى الجانب الآخر ما زالت أم آية تلطم خديها وتشق ملابسها وتنادى «آية» فهى وحيدتها التى خرجت دون عودة.