رئيس الجبهة الوطنية: الفرص متساوية في الترشح لانتخابات النواب.. والشفافية تحكم الاختيار    قرار جديد من محافظ الوادي الجديد بشأن سن القبول بالمدرسة الرسمية الدولية    "عين شمس" ضمن أفضل 700 جامعة عالميا وفق تصنيف شنغهاي 2025    ارتفاع سعر الذهب اليوم في مصر بمنتصف تعاملات الاثنين    الإحصاء: 6 حالات حصلت على أحكام إشهار إفلاس خلال 2024    القومي للاتصالات يفتح باب التقديم في برنامج "سفراء الذكاء الاصطناعي"    «الإحصاء»: 6 حالات إشهار الإفلاس خلال عام 2024 مقابل حالة واحدة 2023    مياه المنوفية تجري استطلاع رأي للعملاء عن خدمات مياه الشرب والصرف    وزير الخارجية: معبر رفح لم يغلق منذ بداية الحرب على غزة    القوات الإسرائيلية تعتقل 33 عاملاً فلسطينيا جنوب القدس    سموتريتش يتضامن مع عضو بالكنيست بعد منعه من دخول أستراليا    "أمام بيراميدز أكيد".. شوبير يزف بشرى سارة لجماهير الأهلي حول إمام عاشور    "حسيت إن أنا بحلم".. إعلامي يكشف رواية محمد هاني بالنص وما فعله الحكم    الجهاز الفني للزمالك يستقر على مهاجم الفريق في لقاء مودرن سبورت    بعثة يد الزمالك تطير إلى رومانيا لخوض معسكر الإعداد للموسم الجديد    انتهاء امتحان اللغة الأجنبية الأولى لطلاب الدور الثاني بالثانوية العامة    ضبط 18 ألف كتاب داخل مكتبة بدون ترخيص بالقاهرة    "كان بيطفي النار".. إصابة شاب في حريق شقة سكنية بسوهاج (صور)    زيارة خاصة للإعلامي محمود سعد في ماسبيرو    "صيف بلدنا" ببورسعيد يواصل لياليه باستعراضات متنوعة لفرقة المنيا للفنون الشعبية|صور    مي كساب تحتفل بمرور 10 سنوات على زواجها من أوكا.. ماذا قالت؟    الشيخ خالد الجندي: مخالفة قواعد المرور معصية شرعًا و"العمامة" شرف الأمة    "ماتقلقش من البديل".. حملة لرفع وعي المرضى تجاه الأدوية في بورسعيد - صور    مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا.. تفاصيل مقترح برلماني    مدير عام الطب العلاجي بأسيوط يتابع اعمال مستشفي قيد التشغيل لعلاج الأورام بديروط    في يومها الثالث.. انتظام امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة بالغربية    غرق شاب بأحد شواطئ مدينة القصير جنوب البحر الأحمر    بالفيديو.. الغرف التجارية: متابعة دائمة من الأجهزة الرقابية لتطبيق التخفيضات خلال الأوكازيون    "ذا ناشيونال": مصر وقطر يعدان مسودة اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة    اليوم.. الأهلي يتسلم الدفعة الأولى من قيمة صفقة وسام أبو علي    الجمعة.. ويجز يحيي حفلًا بمهرجان العلمين    حظك اليوم.. تعرف على توقعات الأبراج اليوم الاثنين    إيرادات أفلام موسم الصيف.. "درويش" يتصدر شباك التذاكر و"روكي الغلابة" يواصل المنافسة    أيمن الرمادي ينتقد دونجا ويطالب بإبعاده عن التشكيل الأساسي للزمالك    المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: دخول 266 شاحنة مساعدات منذ الجمعة والاحتلال سهل سرقة معظمها    الديهي يكشف تفاصيل اختراقه ل"جروب الإخوان السري" فيديو    المصرف المتحد يعلن تعيين طارق فايد رئيسا تنفيذيا خلفا لأشرف القاضي    نشأت الديهي يكشف مخططات «إخوان الخارج» لاستهداف مصر    وزيرة التضامن الاجتماعي: دعم مصر لقطاع غزة لم يكن وليد أحداث السابع من أكتوبر    «التعليم» ترسل خطابًا بشأن مناظرة السن في المرحلة الابتدائية لقبول تحويل الطلاب من الأزهر    وفاة شاب صدمته سيارة مسرعة بطريق القاهرة – الفيوم    "الأغذية العالمى": نصف مليون فلسطينى فى غزة على شفا المجاعة    أسعار اللحوم اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025 في أسواق الأقصر    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    حلوى باردة ومغذية فى الصيف، طريقة عمل الأرز باللبن    دار الإفتاء توضح حكم شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    جدول مواعيد قطارات «الإسكندرية - القاهرة» اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    إسرائيل تقر خطة احتلال مدينة غزة وتعرضها على وزير الدفاع غدا    محافظة بورسعيد.. مواقيت الصلوات الخمس اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    التعليم تحسم الجدل : الالتحاق بالبكالوريا اختياريا ولا يجوز التحويل منها أو إليها    وفاة عميد كلية اللغة العربية الأسبق ب أزهر الشرقية    دعه ينفذ دعه يمر فالمنصب لحظة سوف تمر    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    رضا عبد العال: خوان ألفينا "هينَسي" الزملكاوية زيزو    ماكرون: لا أستبعد أن تعترف أوكرانيا بفقدان أراضيها ضمن معاهدة سلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأزهر والمؤسسات الدينية والثورة السورية
نشر في الوفد يوم 17 - 02 - 2012

ظهر شيخ الأزهر للمرة الخامسة خلال الشهور الأخيرة، في بيان قوي لنصرة الشعب السوري، ودعوة العرب وأحرار العالم
للتدخل من أجل إنهاء أعمال القتل والإبادة. وقد تميز البيان الأخير بلهجة جادة وملتاعة في الوقت نفسه. إذ إنه أعلن عن يأسه من النظام السوري وأعوانه، وطالب العرب وأحرار العالم بالتدخل بشتى السبل لإيقاف أعمال العنف والقتل وسفك الدم التي يقوم بها النظام. ثم توجه إلى جيش النظام وقواته الأمنية، داعيا إياهم إلى التوقف عن قتل مواطنيهم، إذ المفروض أن هذه الأسلاك كلها إنما أنشئت لحماية الأوطان وحياة الناس وحرماتهم، فإذا بها تتحول إلى عدو لهم بالذات من طريق القتل بدون رادع من دين أو ضمير. وأضاف الإمام الأكبر في بيانه أن هؤلاء لا يستطيعون الاعتذار بأنهم مأمورون، لأن الناس يحاسبون على الأعمال التي ارتكبوها بأنفسهم، إضافة لمحاسبة الذين أمروهم.
وكرر الشيخ أحمد الطيب، أنه لا يتوجه إلى السلطات التي أصرت طوال عام على قتل شعبها لأنه لا أمل فيها من أي نوع، ولا يملك رجالاتها من الإحساسات الدينية أو الإنسانية ما يمكن من خلالها استصراخهم للكف عن ارتكاباتهم. بل إنه يتوجه إلى الشعب السوري ويطلب منه باسم الدين والأخلاق والعروبة وإنسانية الإنسان أن يصبر ويصابر، وألا يتخلى تحت وطأة الإبادة عن مطالبه في الحرية والكرامة والسلمية ومكافحة الظلم والظلام.
وهو في الحقيقة لا يخشى من انكسار الناس مهما بلغ القمع، وإنما تنصب مطالبته الناس بالصبر والمثابرة على ألا يلجأوا للسلاح، بل أن يتابعوا المسار السلمي الذي بدأوه وانتهجته الثورات العربية. لكنه يتابع مقررا أن حق الدفاع عن النفس محفوظ في الدين وفي الشرائع الإنسانية، ذلك أن من قُتل دون حقه فهو شهيد. والحق هنا هو حق الحرية والكرامة. فالحرية نزوع إنساني عظيم، وهي التي تميز الإنسان عن الكائنات الأخرى. أما الكرامة فإنها تنصب لدى المسلمين، بحسب خطبة الوداع للنبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أمور: حرمة الدم، وحرمة الشرف والصون من الإهانة والانتهاك، وحرمة المال والملك. وهكذا فإن هذه الحرمات الثلاث التي انتهكت في سوريا من جانب النظام، تبيح بل توجب الخروج عليه لرفع الظلم. والأولى والأسلم في الدنيا والآخرة أن يكون هذا الخروج سلميا تخفيفا للأعباء، ومنعا لحدوث الفتن، إنما من ناحية أخرى، إذا أصر النظام الظالم المستبد على الاستمرار في حجبه للحرية والكرامة عن المواطنين وبالعنف والإرهاب والمغالبة بالسلاح؛ فإن من حق الناس أن يدافعوا عن أنفسهم لعلو شأن الأهداف التي يتقصدونها ويناضلون من أجلها. وقد مضى الإمام الطيب في هذا السياق إلى آفاق عاطفية وإنسانية وتاريخية عندما استشهد في بيانه ببيت الشاعر المصري الكبير أحمد شوقي:
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرّجة يدق
والبيت من قصيدة شهيرة أنشدها شوقي تحية للثورة السورية على المستعمرين الفرنسيين عام 1925!
إن بيان شيخ الأزهر عن الثورة السورية، ووثيقته التي أصدرها قبل عدة أشهر عن حركات التغيير العربية ومشروعيتها، يشكلان جديدا لعدة جهات:
- الجهة الأولى أنهما يعدان مراجعة نقدية لفقه الثورة في موروث وتقاليد أهل السنة والجماعة.
- والجهة الثانية أنهما يثيران تساؤلات فيما يتعلق بالمؤسسة الدينية السنية ومواقفها من حركات التغيير والثورات.
- والجهة الثالثة أنهما يثيران أسئلة بشأن دور أو أدوار المؤسسات الدينية في زمن التغيير العربي الجديد.
أما فيما يتصل بالمسألة الأولى، أي التغيير في فقه الثورة؛ فإن المعروف أن فقهاء أهل السنة بعد القرن الثالث الهجري - التاسع الميلادي، توصلوا إلى «تحريم الخروج على السلطان» بالسيف إلا بشروط صعبة جدا، وذلك لخشية أو خشيتين: سفك الدم أو التسبب به، والفتنة والانشقاق في صفوف الجمهور أو بين أنصار السلطة وخصومها. وقد ذهب شيخ الأزهر، والشيخ يوسف القرضاوي (ووافقهما علماء آخرون فيما بعد) إلى أن التحريم - إن كان - إنما يتناول الخروج بالسيف ابتداء، وهذا الأمر لم يحصل مع حركات التغيير العربية. فقد كانت جميعا حركات سلمية وبقيت كذلك في الأكثر. إنما لا يجوز اللجوء إلى «سد الذرائع»، بما يعني عدم الخروج على الظلم خشية أن يؤدي ذلك إلى عنف وسفك دم.
وهنا يصبح الافتراق بين الفقه التقليدي، والفقه الجديد، واضحا؛ إذ ما الذي يبرر الخروج أو الاحتجاج الجماعي من جانب الناس؟ العلماء القدامى بعد القرن الثالث يقولون بالصبر ما أمكن على الظلم. أما الطيب والقرضاوي ومؤيدوهما، فيرون أن الظلم الذي يتناول المحرمات الثلاث: الدم والكرامة والمال، دون أن تكون هناك سبل قانونية أو مشروعة للتلافي والإنكار والقصاص؛ يجيز الخروج أو التظاهر سلما بل وبعد المطالبة بالإصلاح دون جدوى، تجوز المطالبة بتغيير النظام.
وهناك بعد هذا اختلاف طفيف – لكنه دال - بين الشيخين الكبيرين، فالشيخ القرضاوي مضى للمطالبة بإسقاط نظام القذافي ولو بقوة السلاح وكذا نظام الأسد، بينما لا يزال الشيخ الطيب يصر على سلمية التغيير ما أمكن، وإن اعترف للمحتجين بحق الدفاع عن النفس إن تعرضوا للعنف الشديد.
إن هذا التغيير في الفتوى - وإن يكن في بداياته - هو أمر شديد الأهمية، ليس لأنه يبيح العمل من أجل التغيير (السياسي)، وإن أدى بالتبع إلى عنف من السلطة أو من معارضيها؛ بل لأنه يغير في سلم القيم باعتبار «الحرية» أصلا تنبني عليه سائر الاعتبارات الأخرى. والطريف أن هذا الاعتبار لحظه الإصلاحيون من الفقهاء منذ القرن التاسع عشر، لكن الإسلاميين الحزبيين ما وضعوه في اعتبارهم بوصفه من الأولويات، في الخمسين سنة الأخيرة، لسببين: الخوف من التغريب باعتبار أن الحريات والتنوير وما شابه هي مصطلحات ومنتجات غربية، والسبب الثاني أن من اللوازم السياسية لمبدأ الحرية: المواطنة، وصناديق الاقتراع، وهذان الأمران يمكن أن يؤديا إلى تصادم بين الجمهور وأحكام الشريعة!
إنما على أي حال؛ فإن المسألة الثانية التي ينبغي التطرق إليها هنا، تتعلق بالمؤسسة الدينية السنية ومواقفها في زمن الثورات. فقد أظهر كبار رجالات المؤسسة - باستثناء الشيخ الطيب - تخاذلا شديدا، ما تجلى في الصمت المطبق وحسب؛ بل تمثل أيضا في التأييد الفاقع للنظام إما بشكل مبهم مثل القول بالاستقرار والإصلاح السلمي، ورفض المؤامرات على الوطن ووحدة الشعب، أو بالقول علنا وبصراحة إنهم مع النظام القائم، مثلما فعل مفتي سوريا الشهير (بمعنى الذي صار شهرة) أحمد حسون، وكبير علماء سوريا سابقا الشيخ محمد سعيد البوطي، والذي لا يزال يعتقد أنه إذا ذهب نظام الأسد ذهب الإسلام وسوريا معا! وهذا الموقف (صمتا أو إفصاحا) ظهر في تونس وليبيا واليمن، وظهر في سوريا على الخصوص. بيد أن وضع المؤسسة ليس أحسن حالا في أكثر الدول العربية والإسلامية.
وقد ظهر في زمن الثورات أيضا أن المؤسسات الدينية المسيحية هي أيضا ليست على ما يرام. فبحجة أنهم أقليات ويخشون من المستقبل وقفوا بوضوح ضد التغيير، وتحدثوا عن تطرف إسلامي يريد الاستيلاء على السلطة، وحرمان المسيحيين من حقوقهم، وإرغامهم على الهجرة!
وهناك أمر دال آخر يتعلق بسوريا على الخصوص. فالملاحظ أن المؤسسة الدينية الشيعية، التي تقودها إيران إلى حد بعيد، وقفت مع المعارضة البحرينية، وضد المعارضة السورية، لأن النظام السوري - كما قالوا - هو نظام ممانعة وإنما يراد إسقاطه بمؤامرة من الولايات المتحدة وأصدقاء إسرائيل! وهذا الكلام ظل مؤثرا لأكثر من ستة أشهر في أوساط الإسلاميين السنة أيضا، وبخاصة «الإخوان المسلمون» والحركات المشابهة (باستثناء الإسلاميين السوريين بالطبع!)، لأنه كما هو معروف، فقد كان هؤلاء جميعا في المعارضة وبينهم وبين إيران وسوريا علاقات حسنة؛ وفي حالة حماس والجهاد الإسلامي، ما هو أكثر من العلاقات الحسنة!
التحول حاصل، وإنما تجب المتابعة في مجال النهوض بالفكر الإسلامي، وفي مجال إعادة بناء المؤسسات الدينية. وقد صار شيخ الأزهر رائدا في المجالين.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.