لم أكن أعوّل كثيراً على حوار المنطق وخطاب النصيحة، مع تلك الحفنة من الشباب أو الثوار أو المتظاهرين أو البلطجية سمهم كما ترى ممن اعتادوا أو تناوبوا محاولات الهجوم على مقر وزارة الداخلية أو مجلس الوزراء أو مجلس الشعب أو ما شابهها من المنشآت العامة والحيوية الأخرى فى القاهرة وغيرها من محافظات الجمهورية، وذلك لأن تلك الفئة القليلة فى تعدادها، المتباينة فى أعمارها وبحسب ما أظهرته التغطية الإعلامية لحوادث العنف التى ارتكبتها والتحقيقات التى جرت بشأنها لم تكن تعتنق فكراً سياسياً واضحاً ولا تحمل مطالب موضوعية محددة ولا تطرح تبريراً أو دافعاً مقنعاً لما أقدمت عليه من أعمال عنف واعتداء، وبالتالى فإن المتابع لتلك المشاهد المتعاقبة، والباحث فى ظروفها وملابساتها، يستطيع أن يدرك أن تلك الفئة لا تملك من أمر نفسها شيئاً، وأن تواجدها هنا أو هناك، وتوجيه حركتها فى هذا الاتجاه أو ذاك، مرده إلى قوى سياسية لا تتواجد بذاتها فى ساحة الحدث، ولكنها تستطيع بما تملك من وسائل التأثير المختلفة، أن توجه تلك الفئة حسبما تراه محققاً لأهدافها. من هنا يسوغ الاعتقاد، بأن كثيراً من القوى السياسية سواء داخلية أو خارجية قد اتخذت من الشارع المصرى، مسرحاً لصراعاتها المذهبية، ووسيلة من وسائل الضغط لتحقيق أهدافها، وهذا أمر فى غاية الخطورة ليس على أمن الوطن فحسب، ولكن على مستقبله السياسى كله، وهو الأمر الذى يوجب على جموع شعبنا الانتباه إليه وعدم الانزلاق إلى براثنه. وعلى السياق نفسه، نستطيع أن نلحظ كثيراً، من الشعارات الإنشائية التى تتنوع وترفع بين الحين والآخر، باعتبارها مطالب ثورية، وهى لا تفضى بلفظها إلى شىء، ولكن قصد بها تحقيق مآرب أخرى فى إطار حلقة الصراع والتنافس بين القوى السياسية المختلفة. ومن هذه الشعارات ما يتم تداوله منذ فترة تحت مسمى «إعادة هيكلة الشرطة»، وهو عنوان أراه فخيماً لمضمون فارغ، ذلك أن إعادة الهيكلة بحسب المعنى اللفظى، إنما تعنى إعادة النظر فى الهيكل التنظيمى لوزارة الداخلية وتبعية الإدارات والقطاعات بعضها لبعض وتعديل الدرجات القيادية وإضافة أو سلب بعض الاختصاصات من إدارة لأخرى. وهذه كلها أمور لا أعتقد أن أصحاب الشعار يقصدونها، فهى أمور تقوم بها وزارة الداخلية من تلقاء نفسها بحسب ظروف العمل ومقتضياته، وبالتالى فإن ما أخشاه أن يكون هدف الشعار، هو سعى جماعة الإخوان المسلمين.. بعد وصولها للسلطة لعدة أهداف من أهمها: 1 التنكيل بضباط بعينهم وإقصائهم، انتقاماً منهم لدورهم الأمنى السابق فى التصدى لنشاط الجماعة والقبض على كثير من رموزها وكوادرها. 2 اختراق جهاز الأمن قصراً بكوادر إخوانية للسيطرة عليه، وهو الأمر الذى ظل مستعصياً على الجماعة طوال عقود سابقة، بالرغم من نجاحها فى اختراق كل مؤسسات ونقابات الدولة تقريباً، ومما طرح لذلك، فكرة تدريب عدة آلاف من خريجى كلية الحقوق لمدة وجيزة، ثم ضمهم كضابط بهيئة الشرطة، وهو ما يتيح لكوادر الإخوان الشبابية الانخراط فى جهاز الأمن. 3 فرض وزير للداخلية من غير أبنائها، بمواصفات خاصة تضمن ولاءه للجماعة أولاً، وتؤهله لمسئوليات وتحديات العمل الأمنى القادمة فى إطار قبول شعبى، وهنا يثأر أن المرشح لذلك، أحد السادة المستشارين البارزين إعلامياً، والذى كان له تواجد ظاهر ودور غامض فى الأحداث منذ بدايتها فى يناير سنة 2011. إن المرحلة الفارقة التى تمر بها مصرنا الآن، تحتم علينا جميعاً، مزيداً من الإخلاص والتفانى وإنكار الذات، إعلاء لمصلحة الوطن العليا، وبعيداً عن أى انتماءات حزبية أو مذهبية، حفظ الله أمتنا وهدانا سواء السبيل. -------- بقلم - لواء بالمعاش/أحمد عبدالفتاح هميمى