نعم هو سيف بتار.. على رقاب المصريين الأحرار! لا جَرمَ تفله أمريكا علي كل طالب معونة.. أو حتى من يرغب في أيقونة! كان شكسبير يقول: «أخذت مني نقودى.. لم تأخذ منى شيئاً.. أخذت كرامتى.. أخذت كل شيء» انحرفت أمريكا عن مقولة شكسبير أو «آبدته» «والآبدة هي الكلمة التي تذهب في أسماع الزمن مذهب الخلود»، وارتأت أمريكا بل انتهجت نهجاً اعتمل في قلبها، وأصبح من علامات فكرها يتحصل في أن من يأخذ منها دولاراً فلا محيص له ولا معدى له، بعد أن أصبحت هي تابعاً أن يكون هو - كذلك - متبوعاً لها، يترسم خطاها، ويسير علي هداها، بل ولا مانع لديها أن تمتطى صهوة ظهره تسوقه أنى تريد وكما عن لها أن تستفيد، وإلا فهو بعد أن تحصل منها على «ذهب المعز» فإن «سيف المعز» يظل مسلطاً على عنقه. صحيح أن الشعب الأمريكى شعب طيب ودود متدين.. وصحيح أن أمريكا أسدت للحضارة الغربية مبدأ الفصل بين الكنيسة والدولة منذ زمان بعيد يوم أن أقرت اللائحة التنفيذية لولاية فيرجينيا عام 1777 والتي أبت أن تحدد فيها ديناً رسمياً للولايات المتحدةالأمريكية، مما دفع الرئيس الأمريكي «توماس جيفرسون» أن يقول: «إن التعديل الدستورى الأول لبلاده عام 1801 قد نجح في أن يفصم العرى بين الدين والدولة وبحائط صلد صلب ولم يحل هذا من أن تستخدم الولاياتالمتحدةالأمريكية بعض الرموز الدينية ومنها ما طبع علي عملتها (الله نثق)، وأسفل علمها «بأمر الله». واستمر الزمن في دورته وبعد أن كانت الدولة العثمانية ملء السمع والبصر أمست رجل «أوروبا المريض» كما وصفها المؤرخون، وبمقتضى معاهدة 1853 فقد أصبح لها حق رعاية سلطانها من المسيحيين الأرثوذكس، ثم جاء الاتفاق الودى الثلاثى بين بريطانيا وفرنسا والنمسا من جهة، ومن جهة أخرى بين الدولة العثمانية علي ما سمى بالخط «الهمايوني» الذي أعطى الدول المتعاهدة حق رعاية المسيحيين في الدولة العثمانية؟ وبعد أن تفككت أوصال الاتحاد السوفيتى - وقد كان يقاسم أمريكا قيادة الأنظمة العالمية - أضحت أمريكا هي بؤرة العالم والقطب الأوحد فيه، دون منازع أو شريك، ومثل كل حضارة من حضارات العالم القديم التي سادت ثم بادت استبد الغرور بأمريكا ومشت علي درب نظام دول الاستعمار القديم واعتنقت مبدأ «من ليس معنا فهو علينا» وأمعنت نظرها وأنعمت فكرها في كيفية الهيمنة علي دول العالم برمتها، فاستنت قانون (يزمون هليمز) الذي أطبقت يدها من خلالها علي كوبا مشددة الحصار عليها وأنزلت من رحمها قانون «داماتو» الذي فرض عقوبات علي كل من (إيران، وليبيا) لخروجهما عن الخط الأمريكي ثم أنزلت جنينها الثالث: (ثالثة الأثافى) متمثلاً في قانون الحماية الدينية تحت مسمي «الاضطهاد الديني» والذي أشرف عليه عضو الكونجرس الأمريكي (ليبرمان) وكونت من ثناياه لجنة خاصة، نسميها نحن (لجنة الأشقياء) كما وصف الزعيم «سعد زغلول» لجنة ملنر، أصبحت مهمتها بلغة النيابة العامة موالاة البحث والتحرى لمعرفة الفاعل: أي فاعل؟!.. هو ذلك الذي يخرج من نطاقها من الدول، بما أسمته ب «الحرية الدينية» وعلي تلك اللجنة المذكورة أن تبحث وتنقب عن ذلك الفاعل (المجهول)؟.. و(المعلوم) سلفاً لدي أمريكا! والذي يضبط منها متلبساً مرتكباً جريمة الاضطهاد الديني حتي ولو كانت هذه الجريمة لا تقوم علي أساس أو أدلة أو مضامين أو براهين، وحتي لو كان ذلك هو التدخل بعينه في الشأن الداخلي لأية أمة من الأمم ومن بينها - بداهة - مصر - والتي أسمت أمريكا المسيحيين فيها (بالأقلية المغلوبة علي أمرها) مما دعا قائد الوطنية المسيحية في مصر «البابا شنودة الثالث» - شفاه الله وعافاه - إلي أن يجأر بملء فمه: «لا يجب أبداً أن يطلق علينا أقلية لأننا جزء من النسيج الوطنى المصرى». وقد تناست أمريكا الوضع القائم علي أرضها والذي جسم التفرقة العنصرية الصارخة بين أبناء الوطن الواحد ببناء كنيستين علي أرضها إحداهما سوداء، والأخرى بيضاء!، ناهيك عن التفرقة العنصرية التي عاشت على أديمها، وسودت تاريخها، عقوداً طويلة ضربت في الزمان والمكان، وراح بسبب مناهضته لها - مع الألوف من الزنوج - الدكتور «مارتن لوثر كينج» بعد أن أودى بحياته رصاص البيض، وذلك فضلاً عما ارتكبته من مجازر في حق الهنود الحمر، وقد كان ذلك محل - مقال لنا - في هذه الصفحة الغراء، وقد كان منهم، بما لم نذكره في مقالنا هذا، قادة الهنود الحمر العظام، «السحابة الحمراء» و«يوتابكا» و«كوانا باركر» والزعيم «جرينوبو» والذي قبض الجيش الأمريكي عليه دون جريرة ارتكبها سوي الدفاع عن أرض أجداده الأوائل وسيق مكبلاً بالسلاسل حتي مات مصاباً بالسل في محبسه، ثم جاءت معركة «نهر البرعوم» لتكون النهاية القاسمة للهنود الحمر أصحاب امريكا الأصليين.. ولم تقم قائمة لهم بعدها. وما برحت أمريكا تلعب بالدولار، وبالمعونة الامريكية تشمخ بها وتتعالى على حريات الشعوب، مع أن هذه المعونة لا تغني ولا تسمن من جوع فقد أفادت دراسة قام بها مكتب «الإنفاق الحكومي» التابع للكونجرس الامريكي بأن المساعدة الامريكية لمصر تساعد تماما في تثبيت الاهداف الاستراتيجية للولايات المتحدةالامريكية في المنطقة العربية. وقد أزمعت أمريكا ان تشد مصر الى بحر الظلمات وتنجرف بها إلى الهاوية.. وإلا فما معنى لهذا المشروع الجهنمي الذي تفتق عنه ذهن ثلاثمائة من زبانيتها أو بالاحرى شياطينها، والذي دعوا فيه لاصلاح حال التعليم في مصر، وذلك بالغاء الحروف العربية وتطبيق الاتجاهات اللاتينية Hisponization وما يستتبع ذلك - بداهة - بالغاء المناهج القومية القائمة بما فيها المبادئ الدينية المستقرة في وجدان المصريين.. هل هي المعونة الامريكية التي دفعتهم الى هذا.. أم ماذا؟! يقول السيد المسيح عليه السلام - لليهود - «أنا هو الخير الذي نزل من السماء» (يو 6 : 41)، وتقول أمريكا: «إنما أنا الدولار الذي ينزل عليكم كما ينزل الغيث من السماء»، «ولا يتناطح في ذلك عنزان»! كما عبر «جارسيا ماركيز» الفائز بجائزة نوبل للأدب، فقد أصبح الدولار الأمريكي مثل الدينار البرمكى، ودينار الإمبراطور فوكاس، وكذلك دينار هرقل؟! يجب أن يدخل التاريخ! ولسان حال أمريكا يقول في هذا الصدد: «ويُظلم وجه الأرض في أعين الورى: بلا «شمس» دينار و«لا بدر» درهم؟!.. فأمريكا عندما يخرج منها الدولار تعتنق قول الشاعر (ابن النضر): «لا يألف الدرهم الصيَّاح صُرَّتنا.. لكن يفر منها وهو منطلق».. هذه هي الإدارة الأمريكية التي قر قرارها علي أن تهيمن علي شعوب العالم «بدولاراتها».. هذه الإدارة التي يجب أن تعى تماماً أن المعونة الأمريكية إما أنها شراكة بين مصر وبين دولتهم.. شراكة علي قدم المساواة، وإلا - فمن الحتمى - مع تاريخ مصر وثورتها أن تُلقى هذه المعونة علي قارعة الطريق.. وإلى مداه. لا تدفعونا - يا من تديرون - دفة الحكم في بلادكم أن نقول لكم كما قال لكم أيضاً micheal Rowbotham في كتابه (Goodbye America!).. وداعاً أمريكا. ----------- بقلم المستشار: محمد مرشدى بركات المستشار رئيس محكمة استئناف القاهرة العالى الأسبق