فى ربوع القاهرة الكبرى وبين أحضانها الدافئة وأهلها الكرام يعيش الصوماليون فى أجواء أسرية وتكتلات تنعم بالخير والأمن والأمان بعدما أصابت بلدانهم أزمات متلاحقة. مصر أصبحت قبلة اللاجئين الأفارقة وبر الأمان لملايين الأسر التى فرت هاربة، إما من المجاعة أو الحروب والكوارث الطبيعية.. ولم يقف دور مصر بالنسبة لأشقائها عند هذا الحد، بل فتحت أبوابها لاستقبال طلاب العلم والباحثين عن العلاج والاستثمار وغيرهما. والجالية الصومالية فى مصر يحيا أبناؤها حياة كريمة فى جو أسرى قلما يجدونه فى بلدانهم، مؤكدين أن مصر بالنسبة لهم وطنهم الثانى وحصن الأمن والأمان لأسرهم. وطبقًا لبيانات مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة فى مصر، فإن عدد الصوماليين لا يتجاوز ال1000 صومالى، حيث التقت «الوفد» عددًا منهم وقضت معهم ساعات للتعرف على أحوالهم المعيشية فى مصر وعلى بعد أمتار من سلم «الأليزيه»، الذى يفصل بين حى المهندسين الراقى، ومنطقة أرض اللواء، يوجد مقهى خاص للصوماليين يتجمع عليه العشرات نهارًا وليلاً، وبجواره محل متخصص لأكلاتهم. حالة رعب تنتاب الصوماليين من التواصل مع الوسائل الإعلامية بكافة أنواعها، مؤكدين أنها تعد بمثابة مصدر خطر لهم ولاستقرارهم فى مصر، وأنهم لا يفضلون الظهور الإعلامى، حيث أساء البعض إليهم ووصفهم بأنهم هاربين من بلدانهم لتكوين جماعات إرهابية فى مصر. حاولنا التواصل مع أحد المسئولين داخل مقر السفارة الصومالية بالدقى دون جدوى. مصر بلد الأمن والأمان وجه أسمر لا تفارقه الابتسامة، ظل يتنقل طيلة ال6 أعوام فى مصر بين نشاط والآخر، فى الوقت ذاته يكمل دراسته التعليمية فى كلية التجارة بجامعة القاهرة، وقال محمد نور، صومالى الجنسية، 22 عامًا، جئت إلى مصر بحثًا عن الرزق، مشيرًا إلى أنه يبدأ يومه من الساعة الثامنة صباحًا، حيث يتوجه إلى الجامعة ويذهب بعدها للعمل فى محل خاص بالمأكولات الصومالية. يقضى الشاب 7 ساعات داخل المحل التجارى، وفى أوقات فراغه يستذكر دروسه، قائلاً: «الغربة صعبة وأكل العيش مر زى ما بيقولوا المصريين، فلازم أتعب علشان أعيش»، مؤكدًا أن المساعدات التى يحصلون عليها من دولتهم لا تكفى للمعيشة فى مصر. وأشار إلى أن قيمة هذه المساعدات التى يحصلون عليها تختلف من فرد لآخر، فقد تصل المساعدة إلى 7 آلاف جنيه، وهناك بعض الصوماليين لا تتجاوز مساعدتهم 2000 جنيه، مضيفًا: «المساعدات دى مع اللى بكسبه من شغلى بيعيشنى فى مصر عيشة كويسة». ويضيف أنه وجد فى مصر الوطن والحياة برغم ما تعانيه من ارتفاع ملحوظ فى الأسعار، موضحًا أنه خرج من بلاده هربًا من أزماتها المتلاحقة وفى مصر قرر استكمال دراسته الجامعية. واستكمل الشاب حديثه قائلاً: إن أجر العامل المصرى عادة ما يكون أعلى من الصومالى برغم أن الخبرة لدى الاثنين متساوية، موضحًا أن أصحاب الشركات والمحلات الاستعانة بالصوماليين فى العمل لإتقانهم وتفانيهم ونظرًا لقلة رواتبهم. واختتم قائلاً: «المحل ده مفيش غير الصوماليين اللى بيدخلوه، وحياتنا مع المصريين مختصرة جدًا لأننا بنخاف نتكلم فى أى أمور سياسية كوننا لاجئين ونبتعد عن المشاكل بقدر الإمكان». غلاء الأسعار ولا نار بلدنا خالد جمال، صومالى، 40 عامًا، نصف عمره فى مصر بين العمل كعامل فى مصانع الحديد، وك«مكوجى» فى محلات المصريين، أوضح أن الحياة فى مصر أفضل كثيرًا من الصومال، لكونها دولة مستقرة سياسيًا واقتصاديًا، مشيرًا إلى أن الصوماليين عادة ما يتجنبون الحديث مع المصريين، ولهذا لهم مقاه ومحلات خاصة بهم، ليصبحوا أشبه بدولة داخل دولة. «أسعار مصر المرتفعة ولا نار بلدنا».. كلمات استكمل بها «جمال» حديثه قائلاً إن مصر مهما عانت من ارتفاع الأسعار وأزمات فى نقص السلع بالأسواق، فضلاً عن ارتفاع أسعار إيجار الشقق، التى وصلت إلى 5 آلاف، إلا أن الحياة فيها أفضل بكثير من بلداننا. واختتم حديثه قائلاً إنه لا يريد العودة إلى الصومال مرة أخرى. باسل خالد، صاحب محل تجارى، قال إن أسعار الإيجارات ارتفعت لأضعاف منذ توغل الصوماليين فى مصر، واستغل الكثير من الملاك تواجدهم فى تحقيق أرباح مالية، فبعدما كانت الشقة العادية لا يتجاوز إيجارها عن ال700 جنيه باتت ب1500 وعلى حسب المساحة والمكان، فيما تصل قيمة الشقة المفروشة ل 4000 جنيه بعدما كانت لا تتخطى حاجز ال2000 جنيه. وأشار «خالد» إلى أنه كان يدفع إيجار المحل ألف جنيه، وبعد انتشار الصوماليين وكثر نشاطهم فى المناطق الشعبية وباتوا يشترون المحلات، ارتفع سعر إيجار المحل ل2500 جنيه، وتابع: «دلوقتى لما أدفع أنا 2500 جنيه بس إيجار، طيب هبيع بكام وهشترى طلبات المحل بكام، ولا هصرف على بيتى إزاى فى ظل ركود البيع والشراء». فى السياق ذاته، قال خالد ميرى، سمسار، إن من الصعب فى الفترة الحالية أن تتوافر شقق مفروشة بأسعار لا تقل عن 1500 جنيه فى منطقة شعبية، لتواجد صوماليين يدفعون أضعافاً للملاك نظير تواجدهم فى مصر، وهو ما صعب البحث للشباب البحث عن شقق لهم حال الجواز. «العقد الجديد هو السائد الآن لما يحققه من مكاسب مالية».. يشير السمسار إلى أن جميع الملاك الآن يلجأون لبيع الشقق بعقد إيجار جديد بحد أقصى للمدة سنة، حتى يستطيع رفع قيمة الإيجار مع كل عام، فيما يرفض الكثير منهم أيضًا بيع الشقق «تمليك» إلا فى حالة ترضيته بالمال الذى يريده. الحرب الأهلية الصومالية هى حرب أهلية لا تزال قائمة الآن فى الصومال، يرجع تفاصيلها حينما انبثق النزاع من المقاومة ضد نظام الرئيس سياد برى خلال الثمانينات، وبين عامى 1988 - 1990 بدأ الجيش الصومالى بإشراك مختلف المجموعات المتمردة المسلحة، بما فى ذلك الجبهة الديمقراطية الصومالية للإنقاذ فى شمال شرق البلاد، والحركة الوطنية الصومالية فى شمال غرب البلاد، والمؤتمر الصومالى الموحد فى الجنوب، وتمكنت جماعات المعارضة العشائرية المسلحة فى نهاية المطاف من الإطاحة بحكومة برى فى عام 1991. وبين عامى 1990-1992 انهار القانون العرفى مؤقتًا بسبب القتال، وهذا ما أدى وصول المراقبين العسكريين للأمم المتحدة إلى الصومال فى يوليو عام 1992، وتبعتهم قوات حفظ السلام، واستمر القتال بين الفصائل فى الجنوب، وبانعدام وجود حكومة مركزية، أصبحت الصومال «دولة فاشلة». فى عام 2000، تم تأسيس الحكومة الوطنية الانتقالية، ثم تأسست الحكومة الاتحادية الانتقالية فى عام 2004، وتصاعد الصراع مجددًا فى عام 2005، إلا أن كثافة القتال كانت أقل بكثير وكثافة مما كان عليه فى أوائل التسعينات فى عام 2006، واستولت القوات الإثيوبية على معظم الجنوب من اتحاد المحاكم الإسلامية الذى تشكل حديثًا، وانقسم اتحاد المحاكم إلى عدد من الجماعات المتطرفة، وبالأخص حركة الشباب، التى ظلت منذ ذلك الحين تحارب الحكومة الصومالية وقوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقى المكلفة بالسيطرة على البلاد. تصدرت الصومال مؤشر الدول الهشة السنوى ل6 سنوات بين عامى 2008 و2013. تاريخًا من الأزمات المتلاحقة انعكست على حياة الصوماليين ليفرون من بلدانهم إلى الدول المختلفة حول العالم، ليكونوا لهم موطنًا جديدًا داخل هذه البلاد.