عندما تنتشي القوى الإسلامية بفوزها في الانتخابات النيابية، سواء في دول الثورات العربية أو في الكويت، تستعجل في تحليل النتائج وتعتبرها عودة إلى الإسلام، وكأن هذه الشعوب ارتدت وابتعدت عن الإسلام. وهذه النشوة التي يعتقدون أنها ستستمر إلى الأبد، تجعلهم يرون أن هذا التحول هو تحول جذري لا عودة عنه، وإن قصب السبق سيبقى بأيديهم إلى الأبد، وهذا الانتصار الجزئي يخلق عند القراءة الخاطئة والتحليل القاصر، انفعالات وأوهاما بأن دولة الخلافة الراشدة هي الخطوة الثانية الأقرب للتحقيق على أرض الواقع، والدولة الإسلامية التي لا يرون ملامحها بوضوح قادمة لا محالة. وهذا الوهم يقع فيه بعض اليساريين أيضاً، الذين يظنون أن تطبيق الاشتراكية بعلميتها قد اقترب، وهذا الوهم وهذا الانفعال غير المبنيين على معطيات علمية وواقعية عملية، يشجعان على اندفاعات مبنية على أوهام في التفسير. ففي تونس وحال فوز حزب النهضة الإسلامي بالانتخابات البرلمانية، أعلن أحد قادتهم بأن دولة الخلافة الراشدة السادسة ستتحقق، واتضح أنه من الصعب تطبيق هذا الحلم غير الواقعي، بل ذهب الغنوشي قائد الحزب إلى أبعد من ذلك، عندما وعد الأمريكان بعدم التعرض لاسرائيل، وصعوبة فرض التشريعات الإسلامية في الحياة السياسية المدنية. وفي مصر حيث نجاح الأخوان والسلف الأكثر انتشاء، دفعهم في البداية إلى فتاوى تتناقض مع منطق العصر ومع نظم المؤسسات المدنية ولوائحها، مثل آذان أحد النواب السلف تحت قبة البرلمان دون أن يستأذن من رئيس البرلمان، ولكنهم كانوا أكثر غزلاً لاسرائيل من الإسلاميين التوانسة، حينما طمأنوا الأمريكان بأنهم لن يلغوا اتفاقية السلام مع اسرائيل. وفي الكويت أيضاً يحدث نفس الوهم وعدم الواقعية في تقدير نتائج فوز الإسلاميين، لدرجة رغبتهم في تغيير المادة الثانية من الدستور، التي تنص على أن الإسلام مصدر من مصادر التشريع، إلى أن الإسلام مصدر التشريع، وهو حلم بعيد عن الواقع العملي وتطور الدولة، وتحويلها إلى مركز تجاري ومالي. إذ ان ذلك يعني ببساطة إلغاء البنوك وكثير من التعاملات التجارية، وهو يتناقض مع مصالح بعض أعضاء حدس والسلف من الرأسماليين، بل من مصلحتهم التكاتف مع بقية الرأسماليين في المجتمع، لتحقيق مصالح طبقتهم سواء كانوا اسلاميين أم غير اسلاميين، فالفرز الطبقي في المجتمعات الرأسمالية وإن كانت تابعة وريعية طفيلية، هو أقوى بكثير من الفرز العقائدي والطائفي والفئوي، فعلمياً هذه المجتمعات منقسمة إلى طبقات وليس إلى اسلاميين وغير اسلاميين، وهذا انعكس بوضوح في التصويت على قانون الخصخصة، كما أن الكويت بتشكيلتها الاجتماعية الاقتصادية ترتبط بشراكة طبقية مع الاحتكارات العالمية من موقع التبعية، ولا يمكن أن تنفصل عرى هذه الشراكة الطبقية. نقلا عن صحيفة الوطن الكويتية