ليس هناك وصف يمكن إطلاقه على أحداث بورسعيد أدق من أنها كانت بالفعل مجزرة بشعة تمت بدماء باردة.. قُتل فيها ما يزيد على 70 شابًا من خيرة الأبناء.. استشهدوا وهم يحلمون بوطن أكثر رحابة تعلو فيه العدالة والحرية والكرامة.. بعد أن تحملوا مشقة السفر ليشاركوا بالحضور مباراة رياضية يشجعون فيها ناديهم الأهلى.. ولم يكن يخطر على بالهم أو بال أحد.. أنهم سيقعون فريسة لمؤامرة من سلسلة مؤامرات طالت شباب مصر المتفتح على الحياة وفى نفس الوقت مهموم بوطنه وبما جرى عليه.. وكل الملابسات والأدلة أشارت إلى نفس «الطرف الثالث» المؤسس للثورة المضادة من رموز العصابة التى حكمت مصر.. وهم أنفسهم من أجل أن يستمروا فى الحكم ولم يكتفوا بثلاثة عقود، بل أرادوا أن يورثوا البلاد ومن عليها للابن الوريث.. فقزموا الوطن وأضاعوا ما كان عليه من مكانة رفيعة إقليمياً ودولياً تمتع بها عبر العصور والسنوات.. وهم أنفسهم الذين سرقوا الموارد ونهبوا أصول البلاد من ممتلكات وأراض.. حتى الآثار لم تسلم ووزعوا خيرات البلاد على الأصهار والأتباع.. وحرموا منها أبناء الوطن.. وأفقروهم. ولم يتوقف الأمر على ذلك.. بل امتد إلى قهر الرجال وقتل الشباب ببشاعة وجبر وفجر.. ومازالت صورة «خالد سعيد» لا تمحى من الأذهان.. ووصل الأمر قبل الثورة إلى أن كل شاب مصرى شعر بأنه معرض لما تعرض له.. فكانت حملة كلنا «خالد سعيد» ولذلك فمجزرة أحداث بورسعيد.. لم تكن المؤامرة الأولى التى دبرت بعد سقوط النظام.. بل سبقها العديد من المؤامرات بنفس الأسلوب البشع المتخلف.. مثل موقعة الجمال والبغال التى دبروا لها وكانت فى نفس يوم أحداث بورسعيد من العام الماضى.. والتى أرادوا بها قتل شباب الثورة تحت أقدام البلطجية من جمال وخيول وبغال حاملين السيوف والسنج وملوحين بالكرابيج. وأحداث ماسبيرو.. أرادوا بها إحداث فتنة طائفية.. ولكن خاب قصدهم وأيضاً تكرر الهجوم على الشباب بالذات وأيضاً لم يسلم أهالى الشهداء فى أحداث البالون وميدان التحرير.. من الاعتداء عليهم وإهانتهم. ومن أجل تشويه صورة أنقى ثورة قامت فى العصر الحديث.. كما أشاد بها العالم الخارجى وبالذات الدول الديمقراطية لأنها أسقطت أعتى نظام ديكتاتورى فى 18 يوماً بدون أن تراق دماء أو تدمر منشآت. ولذلك جن جنون عصابة نظام الحكم الذى أسقط وأرادوا تشويه الثورة باستخدام البلطجية لحرق المنشآت وبالذات ما يشكل بعداً حضارياً للوطن.. ولكن وضح للعالم كله أن ما ارتكب هذا الفعل المشين كان وراءه «الطرف الثالث» المخطط والممول للبلطجية المأجورين وأولاد الشوارع. وما يجرى فى شارع محمد محمود أمام وزارة الداخلية.. لا مبرر له خاصة أن الهدف غير واضح للإصرار على الفر والكر المستمر.. بالرغم أن حاول عدد من ثوار 25 يناير وسياسيين ورجال دين تشكيل دروع فاصلة بين المتظاهرين وبين رجال الأمن من الشرطة إلا أن التهدئة لا تستمر إلا ساعات.. ثم تستأنف الاشتباكات. أصبح واضحاً أن كل ما تتعرض له البلاد من مؤامرات لن تتوقف.. ولن تنته.. طالما أن رموز الثورة المضادة من الحكم السابق مازال أمامهم الفرص سانحة للتدبير والتخطيط والتنفيذ.. والتباطؤ فى المحاكمات.. وإخفاء نتائج التحقيقات فى كل ما ارتكب من جرائم قتل وتدمير منشآت.. كل ذلك مشجع لهم على الاستمرار فى التآمر على البلاد، خاصة أنه لم يتحفظ على الأموال التى نهبوها ومازالت فى البلاد.. كذلك مازال العديد من معاونيهم ورجال الأعمال وأصهارهم قائمين على تحقيق رغباتهم حتى لو أدى ذلك إلى حرق البلاد وقتل شبابها!! الكلمة الأخيرة خلال عام كامل.. لو طُبقت فيه العدالة الانتقالية الناجزة، وأُخذ بالقصاص فى حينه.. ما كانت زهقت أرواح خيرة شباب الوطن.. ولا دمرت منشآت.. ولا حرق ميراث حضارى لا مثيل له فى العالم وبقيمة المجمع العلمى الذى انفردت به مصر!!