تفاصيل كثيرة لم تتضح بعد فى حادث إطلاق النار على تمركز للشرطة، بمدينة إسنا جنوبى الأقصر، والذى اسفر عن استشهاد أمين شرطة ومواطن، وإصابة أربعة آخرين بينهم مجند، وكثيرة هى الأسئلة التى تنتظر إجابات فى الحادث الإرهابى بساحة معبد الكرنك الفرعونى، فى شرق مدينة الأقصر، والذى تم فيه تصفية إرهابيين اثنين وأصيب ثالث، وخمسة من ضباط وأفراد الشرطة والمواطنين الأبرياء، وكثيرة، أيضاً، هى الأسئلة التى لم يُجب عنها حتى اليوم، فى حادثة مذبحة الدير البحرى، الشهيرة، التى جرت وقائعها قبل عشرين عاماً مضت فى غرب الأقصر. لكنَّ شيئاً واحداً كان واضحاً، ولم تحط بها الأسئلة وبدا ظاهراً وجلياً للجميع فى الحوادث الثلاث، وهو ذلك النفير الشعبى، وخروج الناس كافةً لقتال أعدائهم، من الإرهابيين، بصدور عارية، وفى الوقائع الثلاث كانت الغلبة للبسطاء من أهل الأقصر، لتنتهى المواجهة غير المتكافأة، بانتصار أصحاب الصدور العارية على المدججين بالأسلحة والمتفجرات، وفى الحادثتين سقط أصحاب الفكر المُتشدِّد ضحية تشددهم، وخرج من شاركوا فى النفير الشعبى، وتَشَدَّدوا ضد الإرهاب والتطرف، منتصرين، وتشددهم هنا، كان تشدُّداً، فِى الْمُقَاوَمَةِ وإِظْهَارُ الصَّلاَبَةِ فى مطاردة ومواجهة الفكر المُتشدِّد، والذى يعنى هنا تعصباً ومغالاة، وهو تشدَّد تجاوز الحدَّ وأَفرط فى الغُلُوٌّ بِالتَّعَصُّبِ، فأرهب الشعب وخوَّفه وأفزعه، وتفوق الشعب فى الحادثتين، ولم يخف ولم يفزع، وفَزعَ الإِرهابيّونَ ممن سلكوا سبيل العُنف والإرهاب وأصابهم الخوفُ والذعْرُ والوهَنَ. وفى الوقائع الثلاث لم يكن هناك فرق، أو فارق، بين دور المواطن والشرطى، فمنهم من قاتل، ومن قُتِلَ ومن أصيب، فداءً لوطنه، ودفاعاً عن ضيوف مصر، من سياح العالم. هذه تفاصيل عاشها ويرويها على الدوام زوار الأقصر لضيوفهم من سياح العالم، وهى تؤكد أن المصريين سيبقون فداءً لوطنهم على الدوام. وما حدث فى مدينة إسنا مساء الخميس الماضى، حين حاصر مواطنون بسطاء بصدورهم العارية إرهابياً مدججاً بسلاحه، وحافظوا عليه حياً، إلى أن لحقت به أجهزة الشرطة، وألقت القبض عليه، عشرات التفوا حول الإرهابى الخسيس، فى محاولة لحمايته من غضبة مئات المواطنين، صارخين فيمن حولهم: «عاوزينه حى.. عاوزينه حى». وهو ذات المشهد الذى شهده جبل القرنة غرب الأقصر، حين طارد المئات من أهل قريتى القرنة والبعيرات، وبصدورهم العارية أيضاً، المجموعة الإرهابية التى نفذت مذبحة الدير البحرى، وفر الإرهابيون من أمام مواطنين لا يملكون أى سلاح، سوى قوة إيمانهم بربهم وبوطنهم، وتمكن هؤلاء المواطنون من محاصرة الإرهابيين داخل إحدى المغارات جنوبى منطقة وادى الملكات الغنية بمقابر ملكات الفراعنة فى غرب الأقصر. ومن بعدها كانت حادثة التفجير الانتحارى الفاشل بساحة معبد الكرنك، حين هب السائق مصطفى بالهرولة خلف إرهابى حاول الوصول لداخل معبد الكرنك محملاً بالقنابل، وتمكن مصطفى من إلقاء الإرهابى أرضاً، وانهال عليه ضرباً بمفك فى يده، وانتصر عليه وحال بينه وبين المعبد ومن به من سياح. ولا حديث فى مدينة إسنا، ومدن محافظة الأقصر، إلا عن شجاعة وبطولة الشاب محمد عبدالماجد الخطيب، ابن الثلاثين عاماً، وابن شارع الرحمة، والذى لم يتردد فى أن يقود دراجته النارية، مصطحباً خلفه أحد ضباط مركز شرطة إسنا، للحاق بالإرهابيين القتلة، بعد أطلقوا الرصاص على أمين الشرطة محمد الباى، فسقط شهيداً، وسارع محمد عبدالماجد بدراجته النارية، ومن خلفه ضابط الشرطة الجسور لمطاردة الإرهابيين، لكنهم اصطادوا قلبه برصاصة غادرة فسقط شهيداً. محمد عبدالماجد، الذى استشهد على بعد أقل من مائة متر من المحل الذى يعمل به، لم يفكر كثيراً، ولم يخش أن يقتل، وما إن صرخ الضابط الذى تصادف وجوده قرب موقع الحادث، طالباً دراجة نارية للحاق بالجناة، وعلى الفور قال محمد للضابط «اركب ورايا»، وركب الضابط وسارع محمد، على أمل اللحاق بالإرهابيين، والثأر منهم، لكنه مات شهيداً دفاعاً عن الدين والوطن، فى وجه أعداء بلده، وأعداء دينه. محمد عبدالماجد الخطيب، ترك خلفه أباً مسناً، وشقيقاً يدرس فى السنة النهائية بكلية الهندسة، وأختاً على ابواب التعليم الجامعى، وزوجة تحمل بين أحشائها ابن محمد عبدالماجد، الذى لم تمهله رصاصات الإرهاب فرصة أن يبقى على قيد الحياة ليفرح لأول مولود له، وكل أمل عائلة محمد، أن تعامل الدولة ابنهم الشهيد وعائلته معاملة الشهداء، وان ترعاهم كما ترعى أسر الشهداء. محمد الباى، أمين الشرطة، المبتسم دائماً، كما عُرِف عنه فى قريته الدير، وفى محيط عمله، اختار أن يضحى بحياته من أجل أن ينقذ الصعيد من عمل إرهابى خسيس. وكشفت بشجاعته، عن عملية إرهابية جديدة قبل وقوعها، وأحبط بحسه الأمنى، مخطط قوى الشر وتنفيذ أعمال القتل بحق الأبرياء. فما إن لمحط سيارة الإرهابيين حتى ترجل مسرعاً نحوها، بعد أن ارتاب فى أمر من بداخلها لوقوفهم لفترة، ولحمل السيارة أرقام محافظة أخرى، ولشكه فى ملامح الجناة التى تحمل الشر والكره والحقد. وما إن ذهب لسؤالهم عن رخص السيارة حتى باغتوه، بإطلاق النار عليه، لكنه برغم إصابته حاول إخرج مسدسه والرد عليهم لكنهم سبقوه بإطلاق مزيد من رصاصهم الغادر نحوه فسقط شهيداً، ليقدم محمد الباى ومحمد عبدالماجد صورتين لأزهى صور البطولة والشجاعة والوفاء للوطن، فهل تكرمهما الدولة، وهل يتذكر شباب مدينتهما سيرتهما العطرة على الدوام.