تُعد منطقة السبتية بحي بولاق أبو العلا، منذ عهد الرئيس الأسبق السادات، مركزًا لتجارة الخردة في مصر، والتي طالما قصدتها مصانع كبرى لإنتاج حديد التسليح والألمونيوم والنحاس والورق‘ وأيضًا تعتمد عليها شركات توفر فرص عمل لآلاف الشباب. قديمًا كانت شوارع السبتية مكدسٌة بأكوام النحاس والألمونيوم والحديد، ويميزها صخب سيارات النقل الثقيل التي لم تتوان عن نقل الخردة بين القاهرة وجميع ربوع مصر، لكن أصبحت تلك في غياهب النسيان. واضطر الكثير من تجار الخردة ب«السبتية» إلى غلق أبواب رزقهم؛ بسبب حالة الركود التي يعانون منها منذ سنوات عديدة في ظل ارتفاع أسعار الخامات وارتفاع أسعار السولار. العمال ليسوا أقل تضررًا، لأنهم " أرزقية" ليس لهم راتب ثابت، ومن ثمَ لايعانون من أسعار خامات أو سولار، بل من تدهور الأجر الذي لا يُعينهم على الحياة، وربما لا يتوفر لهم من الأساس، رغم ذلك يشفقون على غيرهم "إحنا سيبينها على ربنا، وأحسن من غيرنا كتير".. بتلك الكلمات أعرب الحاج جمال سويلم، أقدم تاجر خردة ب«السبتية»، عن استيائه من حالة الركود التي ضربت تجارة الخردة في السبتية، منذ ثورة 25 يناير، لِما أصاب السوق من ارتفاع مُتواتر في أسعار الخامات، وتسعيرة السولار، وعدم وجود الرقابة على التجار المُحتكرين لمزادات الخردة. ويحكي سويلم خلال حديثه ل "الوفد"، عن حال السبتية قديمًا، قائلًا: "تاجر الخردة في السبتية كان زمان ملَك، الورشة الواحدة فيها أكتر من 20 عامل، وصاحب الورشة كان بيراضيهم، الشوارع دى مكنتش تعرف تمشي فيها من أكوام المعادن اللي مالية الشارع ..". وأوضح "سويلم" أن مكاسب الخردة بدأت تتراجع منذ الثورة الأولى، ولم يكن أمام كبار تجار الخردة سوى تسريح أغلب العمالة، بينما التجار الأقل إنتاجًا اضطروا إلى غلق الورش تمامًا، وذلك من هول الخسائر التي تعرضوا لها. ويضيف رأفت إمام، تاجر يجلس أمام ورشته الخالية من العمال، أن الأسعار أصبحت منذ 7 سنوات تهاجم تجارة الخردة؛ فأصبحت المهنة مجرد تصافي للخامات وقل الإنتاج، فأصبح العامل عبئًا على صاحب الورشة، قائلًا "حتى ولادي مشيتهم يشفولهم صنعة غيرها". وعلى بعد خطوات منه، ورشة "المعلم خالد"، وبها أكبر عدد عمالة "ثلاثة عمال"، قال أحدهم إنه يعمل في فرز المعادن منذ 14عامًا، وهي مهنة شاقة، رغم ذلك أجرته اليومية 80 جنيهًا، كما أن العمل بشكل غير دائم وربما يمر عليه شهر دون دخل، مضيفًا "لا توجد تأمينات أو معاشات أو حتى نقابة تهتم بمشاكلنا". والتقط زميله عبد العال صابر طرف الحديث قائلًا: "أنا وأسرتي محاصرون ما بين ضعف الدخل ورفع الدعم عن السلع الأساسية، والله أنا شركة الكهرباء وجهت ضدي محضر، وأنا عاجز عن سداد المبلغ". واشتكى صابر، رغم أنه يعمل منذ صباح اليوم حتى غروب الشمس، إلا أنه لايضمن أن يرجع في نهاية اليوم بطعام يعوضه عن مشقة النهار أو على الأقل يسد جوعه هو وأسرته. وأشار محمود سعدن إلى أن مهنة الخردة أمر مفروض عليهم، وأنه أصبح يعمل بالأجرة حسب الإنتاج، بعدما أغلق والده ورشتهم لكساد الحال، مضيفًا "الواحد أعصابه تعبت ومش عارفين نتجوز، ولو كلمت صاحب الورشة على زيادة هيقولك أمشي ويجي غيرك 100 من على القهوة". وأضاف علي الزيني، "أنا كنت شغال في مصنع ولي تأمين، لكن صاحب المصنع مات وسرحونا، وبقيت أشتغل في الخردة حمال، وأنا قاعد زي غيري مستني دوري، وحتى مش معايا فلوس أروح". وعبر على إمام، صاحب ورشة، عن ضيق حال تجار الخردة والعمال على حد سواء؛ فالعامل مضطر للعمل بأجر ضئيل لا يكافئ مشقة المهنة، ومن جهة أخرى، فإن صاحب الورشة يواجه فواتير الكهرباء التي تصل إلى 700 جنيه، فضلًا عن ارتفاع أسعار نقل الخردة بين القاهرة والمحافظات، والتأمينات والضرائب التي تصل لنسبة 30%، بعد ذلك لا يتحمل التاجر أي رفع في أجرة الصنايعية.