لم تأت ثورة شباب مصر في 25 يناير 2011 من فراغ، وإنما سبقها مشوار طويل من كفاح ونضال شعب يثور دائماً ضد الظلم والقهر والاستبداد. وعودة إلي ذاكرة الأمة لن نتعب كثيراً حتي نصل إلي المعارك المشرفة التي خاضها زعماء »الوفد« من أجل الحفاظ علي حرية المصري وصون كرامته وتوفير حياة ديمقراطية سليمة عبر دستور متكامل وغير مشبوه يحد من سلطات الحاكم ويوسع سلطات الشعب، ومجلس أمة »برلمان« قوي يراقب الحكومة والوزراء، ولا يجبن أمام شلة من المفسدين والمرتشين واللصوص الذين نهبوا قوت الأمة وخربوا البلد. فمنذ سعد زغلول ومصطفي النحاس وفؤاد سراج الدين مروراً بنعمان جمعة ومحمود أباظة ووصولاً إلي السيد البدوي لم تختلف كثيراً معالم خارطة المطالب الأساسية التي ينادي بها أبطال ثورة ميدان التحرير عن برنامج حزب الوفد. وإذا كان هؤلاء الشباب نجحوا في تحقيق ما عجز عنه الشيوخ وأسقطوا كل أقنعة النظام بفعل الثورة والنزول إلي الميدان، فقد سبق ل »حزب الوفد« أن صرخ ونادي بأعلي صوته في المؤتمرات واللقاءات الجماهيرية والمناسبات الوطنية بضرورة تصحيح المسار وإحداث إصلاح سياسي، وإلغاء الطوارئ، إلا أن نظام مبارك كان دائماً أصم (أعمي أخرس) لا يري حوله ولا يسمع سوي صوته فقط وهمس بطانته حتي استيقظ مؤخراً علي صوت المارد الذي حفر أركان دولة الفساد من الإسكندرية حتي أسوان معلناً »الشعب يريد إسقاط النظام«.. لقد دقت ساعة الخلاص بشباب فتحوا صدورهم لرصاص الظلم، ولم يخشوا عصا القهر وحجارة المرتزقة والمأجورين من زبانية الحزب الوطني الذي دفن بعد جنازة حارة لم يشهدها سوي »مطبلاتية« النظام. وعلي الرغم من كل المحاولات التي يقوم بها مبارك وبقايا النظام للخروج من الأزمة وإعلانه عن حزمة من الإجراءات السياسية، إلا أن عامل انعدام الثقة بين النظام والشعب لايزال يقف حجر عثرة أمام أي محاولة.. فالنظام لم يكن يسمع علي مدي 30 عاماً إلا لصوت واحد فقط، ويعتبر كل من يريد الإصلاح عميلاً وخائناً ومتآمراً ويلعب مع الشيطان، سيكون من الصعب تصديقه بعد تلك المرحلة المريرة التي ذاقت فيها جموع الشعب كل صنوف العذاب واليأس والإحباط. وهنا جولة في ذاكرة الأمة وخطابات زعيم الوفد الراحل فؤاد سراج الدين الذي دعا مبارك أكثر من مرة لإنقاذ مصر وتصحيح المسار، إلا أن الأخير لم يستجب وأصم أذنيه عن صوت العقل والحكمة ورفض الاستجابة لنداءات وبيانات المعارضة الوطنية والقوي السياسية حتي سقط نظامه الهش الضعيف مع أول اختبار حقيقي ولم يعد حتي يجد ورقة التوت يستر بها عورته.