السباب والمشاجرات والتحرش مشاهد يومية فى حياة المصريين الأفلام الهابطة متهم رئيسى.. و«الألمانى» و«عبده موتة» قدوة للشباب مواطنون ل«الوفد»: غالبية الأسر تتجاهل تربية الأبناء! «نخوة.. رجولة.. شهامة» كلمات تم وصف المصريين بها على مدار قرون.. وتعكس جمال أخلاقهم. لكن فى الوقت الحالى، تبدل الحال، وتغيرت ملامح شخصية المصريين للأسوأ. فمع صباح كل يوم تندلع مشاجرات بين المواطنين فى الشوارع والمصالح الحكومية لأبسط الأسباب. سباب وألفاظ نابية اعتادت الأذن سماعها فى المواصلات العامة والشوارع والمصالح الحكومية لتصبح القيم والمثل العليا مجرد حكايات الأجداد فقط، وتعرض مشاهدها فى الأفلام القديمة لنقف أمامها مبهورين مصدقين أن ما نشاهده ونسمعه كان يعكس حقبة الأيام الجميلة فى تاريخ مصر قبل أن تتحول مدننا الفاضلة الهادئة إلى غابة لا تحكمها سوى العشوائية والغوغائية. ففى عناوين الصحف تقرأ مانشيتات جرائم قلما تجدها فى القرون الماضية، منها قتل الأبناء للآباء، وزنا محارم، وغيرها من جرائم لتتحول المنازل إلى ساحات صراع البقاء فيها للأقوى. كما كان المصريون يتناقلون أخبار فتوات القرون الماضية، ويشاهدونهم فى التلفاز، مصدر الحماية والقوة لأهل المنطقة من أى اعتداء أو ظلم قهري. «الألماني.. وعبده موتة.. وقلب الأسد».. شخصيات سينمائية باتت منتشرة بين شرائح كبيرة من الشباب، يحاولون تجسيدها على أرض الواقع فى ظل الغوغائية التى يعانيها المجتمع والانحدار الأخلاقى اعتقاداً منهم أن هذه الشخصيات هى الأنسب مع الوقت الحالي. «الوفد» تفتح من جديد ملف أخلاق المصريين، وترصد عشرات السلوكيات غير الحضارية التى باتت مشاهد أساسية فى الشارع المصري. وقال عدد من المواطنين ل«الوفد» إن الأخلاقيات باتت تنحدر يوماً بعد يوم لعدة أسباب أبرزها الاستغلال الخاطئ للتكنولوجيا والأفلام الهابطة والبُعد عن الدين، فضلاً عن انهيار منظومة القيم وسيادة العشوائية فى السلوكيات بسبب تدهور الحالة الاقتصادية والبطالة والاعلام وتقصير وزارة التربية والتعليم وغياب الرقابة والضغوط النفسية بحسب خبراء علم النفس. «الناس خلاص حصلها غسيل مخ من الأفلام الهابطة اللى بيشوفوها».. بهذه الكلمات استهل رامى كامل، موظف، حديثه، وقال إن الأفلام الهابطة المنتشرة على شاشات التلفاز وغيرها تساعد على ترسيخ مشاهد البلطجة والعنف والسرقة، فضلاً عن الألفاظ النابية التى يتلفظ بها الفنانون فى هذه الأفلام وقد باتوا قدوة لعدد كبير من الشباب، وأضاف: «خلاص الشباب دلوقتى معدش حد عارف يكلمهم لا فيه احترام للكبير ولا تقدير ولو حصلت مشكلة فى الشارع كانت كلمة الراجل الكبير بتتسمع دلوقتى لو حصلت مشكلة بين الشباب ومُسن حاول التدخل ممكن ينضرب». الأمر نفسه أكده ياسين جلال، موظف وقال إن السبب الرئيسى فى انحدار الأخلاق هو الأفلام السينمائية الهابطة التى تبث سلوكيات غير سوية للشباب والفتيات على حد سواء، مشيراً إلى أن نموذج القدوة الأعلى اختفى فى هذه الفترة وجعل الشباب ينهمكون ووراء الشخصيات الدرامية لتقمصها. وأضاف «جلال»: «العملية التعليمية مسئولة برضو عن تغير سلوكيات المجتمع».. واتهم النظام التعليمى فى مصر بأنه أحد أسباب الفوضى الأخلاقية، ويضيف أن التعليم أساس تخريج أجيال على خلق. ولكونها وزارة التربية والتعليم فكانت للتربية الصدارة فى الاهتمام عن التعليم، ولكن الآن لا نجد تربية أو تعليمًا جيدًا. وبات المدرسون ينهمكون وراء الدروس الخصوصية، وانعدمت بداخلهم الأخلاق ورعاية التلاميذ، مطالباً بإعادة هيكلة منظومة التعليم بشكل يضمن إعادة زرع الأخلاق والقيم وتأهيل المدرسين أخلاقياً قبل تقديمهم للطلاب. وقالت زينب حامد، موظفة، إن السبب الرئيسى فى تحول أخلاقيات المواطنين إلى الأسوأ هو التنشئة الدينية، مشيرة إلى أن كثيرين من أولياء الأمور لا يهتمون فى الفترة الحالية بتربية أولادهم على أخلاق الرسول عليه السلام، وأضافت: «البيوت كلها دلوقتى تجاهلت تربية الأبناء على خلق الدين الإسلامى والرسول عليه السلام وبمجرد بلوغ الطفل العاشرة من عمره يشجعونه على السباب والخروج للشارع من منطلق أنهم يردون منه اكتساب خبرات الكبار والتعايش مع الوقت الحالى وهذا خطأ فادح». «انعدام الضمير فى المصالح الحكومية واحد من أسباب انحدار الأخلاق».. بهذه الكلمات استهلت ريهام علي، ربة منزل، حديثها وقالت إن مراعاة الضمير فى العمل واحد من أساسيات بناء مجتمع ذي قيم، فحينما يرى المواطنون أداء العاملين فى الدولة يتبع نوعاً من الغوغائية والاهمال تنطبع عليهم هذه الأخلاق ويحاولون فرضها على غيرهم. وأضافت «الأستاذ بيفطر الكلمة دى بقت أساسية فى المصالح الحكومية فبعد أن يصل الموظف متأخراً ويضيع نصف الوقت الذى كان عليه أن يمضيه فى خدمة المواطنين يتناول إفطاره مع زملائه المتسيبين ويعطل مصالح الجماهير التى تقف منتظرة إياه لكى يعود وينهى معاملاتهم». وعن انحدار أخلاق الفتيات والسيدات فى الشوارع، أشار عدد من المواطنين إلى أن السبب الرئيسى فى ذلك الفقر، فكثير من الفتيات الفقيرات يسعين من خلال ملابسهن الممزقة أو الضيقة أو حركاتهن المثيرة للفت أنظار الشباب بغرض الإنفاق عليهن أو جذب عريس ما حتى لو كان الجواز عرفياً وليس شرعيًا. شادية جلال، موظفة، قالت: «البنت من دول تخرج ببنطلون مقطع وأصلاً أهلها طافحين الكوتة علشان يشتروا ليها البنطلون ده وهى بتخرج بيه علشان تجيب ليها شاب ويحبها ويصرف عليها ويجيب ليها اللى عاوزاه واللى نفسها فيه من أكل وشرب ولبس». وأضافت: «انحدار الأخلاق لا يتوقف على ذلك فقط بل ممكن تتجوزه عرفى وعلشان يتهربوا من العيال البت بتاخد برشام منع الحمل وتعيش حياتها عادي». «نافق تجد ألف مرافق».. أصبح هذا المثل شعار المصريين فى الآونة الأخيرة بحسب ما قالته أسماء فتحي، موظفة، مشيرة إلى أن النفاق الآن السمة الأبرز للموظفين للاستمرار فى وظائفهم، فرغم ما يواجهونه من إشكاليات يومية يتعاملون مع رؤسائهم فى العمل بنوع من النفاق. وأضافت: «النفاق ليس فقط فى العمل بل بات سمة الحياة الآن بين عدد كبير من المواطنين سواء داخل الأسرة الواحدة أو بين الأصدقاء والأقارب وغيرها من التعاملات اليومية فلم تعد نفوس البشر نقية كالسابق واختفت معايير القيم الأخلاقية وتبدلت الأحوال فأصبح النفاق الدرب الذى يسلكه الغالبية العظمى من الناس ليصلوا إلى أهدافهم». أما جلال فهمى فيقول: «فساد العلماء من الغفلة، وفساد الأمراء من الظلم، وفساد الفقراء من النفاق».. وهذه الحكمة تجسد حال المصريين، مضيفاً أن الفساد بات لا يقتصر على الأمراء فحسب وإنما يشمل الفقراء الذين لجأوا إلى النفاق لتسيير أمورهم. وأضاف «فهمي» الذى يعمل موظفاً أن «الأسرة يقع عليها عامل كبير فى تفشى ظاهرة النفاق إذ إن رؤية الأبناء لوالديهم حينما يقومان بانتهاج النفاق من أجل الحصول على بعض الامتيازات تجبرهم على الاقتداء بهم، معتبرين أن ذلك هو السبيل لتحقيق رغباتهم». وقال أحمد قاسم، مدرس تاريخ، إن الأخلاق منذ القدم وهى تعانى صراعات، مشيراً إلى أن القانون فى مصر القديمة كان عالمياً فى مراميه، عادلاً فى أحكامه، صافياً فى مواده فقد أصاب هذا القانون المؤرخين بالدهشة والانبهار، حيث انه قام على دعامتين أساسيتين وهما العدل أساس المُلك والعدالة الاجتماعية، فالكل أمام القانون سواء بسواء. وأضاف: «فى الفترة من عام 300 قبل الميلاد حتى 300 بعد الميلاد كان المخزون الحضارى المصرى لا يزال يعمل لدرجة انه قام بتمصير اليونانيين، وهذا ما قاله الدكتور طه حسين فى كتابه.. (مستقبل الثقافة فى مصر)». وأشار مدرس التاريخ إلى أن اليونانيين يعلمون جيداً انهم تلاميذ للمصريين فى حضارتهم القديمة وهذا ما أكده «سولون» وهو رجل يونانى تعلم القانون فى مصر، وكتب قائلاً: «أخذنى أحد الكهنة وأرانى منزل (أفلاطون» الذى عاش فيه (أفلاطون) فى مصر 13 سنة، وقال الكاهن ل(سولون).. نحن من علمنا (أفلاطون) الفلسفة طوال 13 سنة، ثم ربت على كتفيه، وقال انتم أيها اليونانيون أطفال بالنسبة لنا حتى جاءت الحملة الفرنسية وهى حملة وليست غزوة، فقد جاء (نابليون) ببارجة تحمل 178 عالماً، وقام بوضع مفاهيم جديدة للمواطنة والأخلاق ونظام الحكم، وكان ذلك عام 1798 وبعد 7 سنوات، وبالتحديد عام 1805 جاء محمد على باشا مؤسس مصر الحديثة وقام بعمل نهضة كبيرة عادت خلالها أخلاق المصريين، وتحسنت عن ذى قبل، لأنه أعاد للقانون سيادته». وقال الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، إن أخلاق المواطنين فى الشارع تبدلت من السيئ للأسوأ، مشيراً إلى أن مواجهة التردى الأخلاقى الذى انتشر فى مجتمعنا الآن لا يواجه إلا بإصلاح التعليم، وأن يعود التعليم عملية جديدة وبغرس قيم معينة كنبذ العنف واحترام الجار والكبير والصغير. وأضاف ل«الوفد» أن العدالة الناجزة وتنفيذ القانون على الجميع من أهم عوامل تغيير المجتمع للأفضل، إلا أن وسائل الإعلام لها دور كبير فى ضبط أخلاقيات المجتمع بعدم بث أفلام تحمل فى مشاهدها ألفاظاً نابية ومشاهد ساخنة تساعد على التحرش وعمليات الاغتصاب وزنا المحارم.