ماذا لو اجتمعت روح المغامرة وعشق الإبداع والرغبة في التفرد، لتكون دافعاً قوياً للإقدام علي تجربة مثل فيلم «أسماء».. بالتأكيد تلك السيمفونية من الأفكار ذات الأبعاد الإنسانية لن تضع أي عوائق لتنفيذها حتي ولو كان الخوف من الإقبال الجماهيري، خاصة إذا تحمست لتلك الرؤي مبدعة مثل «هند صبري» التي لا تري عندما تقف أمام الكاميرا سوي الشخصية التي تتقمصها بما يدفعها دائماً إلي نسيان هند الحقيقية والغوص في تفاصيل شخصيتها الجديدة، التي كانت هذه المرة ذات مفردات بمقدار تشعبها، يأتي أيضاً إغراقها في الأحاسيس الإنسانية الحزينة، ولقد عاشت هند الشخصية رويداً رويداً حتي وصلت بالمشاهد إلي اختراق الحد الفاصل بين تصديقك لأداء الفنان وذوبانه داخلها حتي إنك لا تجد منه سوي الاسم الموجود علي تترات الفيلم. إنك هنا أمام امرأة مختلفة كممثلة اسمها «هند صبري» وشخصية لا تعرف حداً للتفاني الذي يصل بها إلي تقديم نفسها قرباناً له والإقدام علي الموت عشقاً بالموافقة علي الإصابة بمرض الإيدز.. وإيماناً من «هند» بتلك الشخصية جاءت مفرداتها كممثلة مبتعدة عن المكياج بل وأضافت مزيجاً من الشحوب والضعف والهوان علي ملامحها وأدائها الصوتي.. لتجعلنا أمام سؤال: لماذا نخاف من المرض؟.. هل لجهلنا بكيفية الإصابة به والانتقال من شخص إلي آخر؟.. إلي جانب تلك الهالة من الخوف والرعب التي ألبسها الإعلام لكلمة الإيدز والمصابين به فأصبح التعامل معه كأنك أمام قنبلة موقوتة ستنفجر فيك بعد ثوان معدودة، فتجد نفسك مجبراً علي الفرار من مجرد فكرة التعامل مع مريض الإيدز، بالإضافة إلي كون اختصار سبب الإصابة في فكرة الشذوذ وارتباطها الوثيق به في ذهننا مما جعلنا لا نرفض المريض من منطلق الخوف من انتقال المرض فقط ولكن كرهاً ورفضاً لسلوكه الشاذ رغم أن هناك نسبة لا يستهان بها أصيبت به بدون ذنب ودون ارتكاب فعل بفحش الشذوذ، لذلك أتمني أن يكون الفيلم بداية لفهم هذا العالم بكل ما فيه والتعامل معه بإنسانية ورحمة حتي لا نكون نستحق تلك الجملة الرائعة التي قالتها وأدتها باقتدار «هند» عندما قالت: «أنا لن أموت بالمرض اللي عندي لكن بالمرض اللي عندكم أنتم». قد يري البعض الفيلم علي أنه مستغرق في التفاصيل وإن كانت تلك النوعية من الأعمال تحتاج إلي هذا الاستغراق، وكنت أتمني ألا يتم حذف المشاهد التي كان يبوح فيها بعض المرضي بمأساتهم اليومية ليس مع المرضي ولكن مع ذويهم الذين يكونون أشد فتكاً بكلماتهم من نهش المرض لأجسادهم. إننا في فيلم «أسماء» أمام كاتب ومخرج لا يعرف فقط ماذا يريد توصيله للمشاهد ولكنه مؤمن أيضاً بالقضية، لذلك كانت أطروحته السينمائية مليئة بالإنسانيات بداية من علاقة الشاب «عادل هاني» البسيط المصاب بالإيدز من فترة وجوده في السجن، بدون الإشارة إلي الأسباب لأنها نفسها تحتاج إلي عمل سينمائي آخر يعري عالم المساجين اللاإنساني، وإذا عدنا إلي حالة العشق والتفاني بين «هند صبري» و«عادل هاني» سنجد أن السيناريو والإخراج أضافا إليها أبعاداً روحانية رائعة.. نفس الشيء حدث في العلاقة العابرة بين أسماء ومريض الإيدز الآخر الذي يعرض عليها الزواج لتكملة المشوار سوياً، وساعد علي إبراز تلك العلاقتين بكل ما بهما من شجون أماكن التصوير التي نقلتك إلي البيئة التي تعيش فيها تلك الإنسانة، ورغم أن الفيلم تمحور حول شخصية «أسماء» وعالمها إلا أنه لم يتعامل مع الشخوص الأخري بسطحية، خاصة الشخصية التي أداها ماجد الكدواني للمذيع الذي لا يعرف سوي الأرقام فأمامه أقساط يجب دفعها وضيوفه ما هم إلا رقم أيضاً في سلسلة خبطاته الإعلامية، تلك الشخصية بها بعد إنساني ظهر رويداً رويداً مع التعامل مع أسماء وكان أبلغ تعبير عندما خلعت أسماء القفاز وسلمت عليه. في الحقيقة أن «عمر سلامة» كان موفقاً عندما لم يستخدم الموسيقي التصويرية في الفيلم إلا مع المشاهد الأخيرة لأن صوت الشاعر أجمل من أي لحن. في النهاية تحية للمبدع محمد حفظي منتجاً وفناناً.