جمعتهما أيام الصبا والشقاء فى محافظة مرسى مطروح، عندما ضاقت عليهما السبل وفشلا فى الدراسة فى الصعيد، يضمهما موقع عمل كبير فى النهار، وسكن متواضع فى الليل فى تلك المدينة الساحلية التى يلجأ إليها أبناء الوطن من كل حدب وصوب، ولأن دوام الحال من المحال، فقد راودت «إسلام» تلك الأحلام التى كان يسمعها من أبناء قريته فى مركز جهينة بأن منزلهم عامر بالآثار التى تقدر بملايين الجنيهات لو تم استخراجها وبيعها، ولم يجد أمامه سوى صديقه فى العمل والسكن وزميله فى الفقر والإملاق أيضاً «وافى» الذى جاء هو الآخر من محافظة المنيا لمرسى مطروح، فأخبره بما كان من أمر الكنوز المدفونة فى منزلهم، وخاصة أنه يعرف رجلا خبيرا بتلك الأمور، ففرح صديقه بتلك الملايين التى فى باطن الأرض وراح يشجع اسلام على العودة سويا لاستخراجها. عاد إسلام إلى قريته بجهينة وبصحبته صديقه وافى، وقدمه لأسرته بأنه أعز الأصدقاء وسوف يظل معه حتى يستخرج الكنز من باطن الأرض، فأكرمت الأسرة وفادته بل واعتبرته ابناً ثانياً بمثابة إسلام، ولم يشعر وافى بالغربة ولم تشعر أسرة صديقه بأن شخصا غريبا يعيش بينهم، فلم تختبئ منه النساء كعادة أهل الصعيد، حتى شقيقة إسلام التى كانت تستعد لزفافها بعد بضعة أسابيع، لم تخبئ عنه زينتها فراودها عن نفسها فنهرته بشدة وهددته بإخبار شقيقها لو تكرر منه هذا الفعل المشين الذى يندى له الجبين. حضر الشيخ حسن الذى وصل به العمر إلى سبعين خريفا، إلى منزل إسلام وعرفه على صديقه وافى الذى جاء خصيصا من محافظة المنيا لمساعدته فى الحفر والتنقيب عن الكنز الدفين بدلا من الاستعانة بأقاربه الذين قد يصل بهم الأمر لإبلاغ الشرطة لو حدث خلاف بينهم أثناء عملية الحفر، وبدأ الشيخ فى إطلاق البخور الذى تستجير منه الأنوف، وكعادة الدجالين فإن مطالبهم كثيرة، تارة يطلب ماء وتارة أخرى يطلب ملحا وكمونا ويساعده فى العمل إسلام بينما يقوم صديقه وافى بالحفر فى المكان الذى يطلب الشيخ حفره، ثم يجلسون للراحة بعض الوقت ويتناولون الطعام والشراب، وعندما يدخل الصديق إلى صحن المنزل ما زال فى مراودة الفتاة عن نفسها حتى اشتاطت غضبا وقررت إخبار شقيقها. ولما دخل عليها أخوها وجدها تبكى فسألها عن سبب بكائها وحاولت جاهدة أن تمنع نفسها من إخباره حرصا على علاقته مع صديقه، ولكن أصر على معرفة السبب فأخبرته بما كان من أمر صديقه، فجن جنونه ولم يصدق ما يسمعه عن صديق العمر، فدخل يتصفح وجه صديقه ويتساءل فى نفسه هل هانت عليه صداقتنا؟ ولماذا باعه بثمن بخس؟ ولم يقطع تساؤلاته تلك سوى سؤال الشيخ حسن مالك يا إسلام؟ انت مرهق من العمل؟ ولم يرد إسلام الإفصاح عما بداخله فى وجود صديقه، فطلب منه الخلود للنوم فى الغرفة المجاورة، وتردد إسلام فى بادئ الأمر أن يحكى للشيخ ما فعله صديقه وافى، ولكنه حكى فراح الشيخ يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويردد قول الشاعر «لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى – حتى يراق على جوانبه الدم»، ففهم إسلام ما يريده الشيخ وسأله كيف ذلك والجميع يعرف أنه ضيفه لو حدث له مكروه؟ أليس هذا يعرضه لحبل المشنقة لو تم اكتشاف أمره؟ فعرض عليه الشيخ فكرة التخلص من ذلك الصديق الخائن دون أن يعرف أحد السبب بحيث يصطحبه للاستحمام فى ترعة القرية ويقوم بقتله فى الماء، ويخبر أهله بأنه غرق لعدم إجادته السباحة، فاقتنع إسلام بفكرة الدجال واصطحب صديقه وافى إلى ترعة القرية للاستحمام، وطلب من صديقه نزول الترعة ثم عاجله بضربة قوية بآلة حادة على رأسه أردته قتيلا، وبعد أن تأكد من موته واستقراره فى قاع الترعة راح يصرخ بأن ضيفه غرق لعدم إجادته السباحة فتجمع المارة واتصلوا بالنجدة التى أخبرت اللواء مصطفى مقبل مدير أمن سوهاج بالواقعة، وتم انتشال الجثة من مياه الترعة، وعندما قام مفتش الصحة بتوقيع الكشف الطبى عليها، قرر بعدم جزمه بسبب الوفاة لوجود إصابات بالرأس والوجه، مما جعل النيابة العامة تأمر بتشريح الجثة لبيان سبب الوفاة، وتكليف المباحث بالتحرى عن الواقعة وتولت التحقيق بإشراف المستشار أحمد حلمى المحامى العام لنيابات شمال سوهاج. تم تشكيل فريق بحث بإشراف العميد خالد الشاذلى مدير مباحث سوهاج ورئاسة العميد ماجد مؤمن رئيس المباحث الجنائية، وتمكن الفريق من كشف غموض تلك الجريمة البشعة، وتم القبض على الصديق القاتل واعترف بجريمته تفصيليا وقام بتمثيلها أمام النيابة العامة فأمرت بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيقات جددها قاضى المعارضات خمسة عشر يومًا.