يتأكد يوما بعد يوم أن باكستان على وشك انقلاب أبيض للإطاحة بالرئيس آصف زرداري وحكومته على خلفية فضيحة "ميمو جيت", ففي 16 يناير, أصدرت المحكمة العليا قرارا باستدعاء رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني للمثول أمامها بتهمة تحقير القضاء. وقالت المحكمة في بيان لها إن على جيلاني المثول أمامها شخصيا لعدم التزامه بأوامر بفتح تحقيق في قضايا فساد يلاحق فيها الرئيس زرداري. وكانت المحكمة طلبت من الحكومة التحقيق في شبهات فساد يواجهها الرئيس الباكستاني, لكن جيلاني رفض الأمر بزعم أن زرداري يملك الحصانة من الملاحقة لأنه مازال في منصبه. واللافت للانتباه أن قرار استدعاء زرداري جاء بعد أيام قليلة من موافقة رئيس المحكمة العليا افتخار شودري على فتح تحقيق في مذكرة سرية أرسلت في مايو 2011 إلى واشنطن وتسربت إلى وسائل الإعلام في أكتوبر الماضي وتردد أن زرداري طلب فيها مساعدة أمريكا لكبح جماح الجيش بعد مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن وتعيين جنرالات موالين له وللغرب, فيما عرف بفضيحة "ميمو جيت". ويبدو أن المحكمة العليا التي باركت في عقود سابقة انقلابات نفذها الجنرالات على الحكومات المدنية, انضمت بالفعل إلى الجيش في تنفيذ الانقلاب الأبيض ضد زرداري وجيلاني. ولعل التطورات في الساعات الأخيرة في باكستان ترجح صحة ما سبق, حيث وصف الجيش في بيان له تصريحات جيلاني لصحيفة صينية في 15 يناير حول أن قادة الجيش والمخابرات تصرفوا بشكل غير دستوري في قضية المذكرة ب "الخطيرة جدا"، محذرا من "نتائج وخيمة" ستترتب عن أفعال الحكومة. وقال الجيش في بيانه: "لا يمكن أن تصدر تصريحات أخطر من تلك التي أدلى بها رئيس الوزراء ضد رئيس أركان الجيش ورئيس أجهزة الاستخبارات حول انتهاك الدستور, ما حدث مسألة جدية قد تكون لها عواقب مؤلمة على البلاد". وكان جيلاني انتقد الجيش لدفعه باتجاه إجراء تحقيق مستقل في فضيحة "ميمو جيت" واتهمه بتجاوز صلاحياته , قائلا :" باكستان مخيرة اليوم بين الديمقراطية والديكتاتورية". وبجانب التهديدات التي أطلقها الجيش ضد جيلاني, فإن زرداري كان التقى قائد الجيش أشفق برويز كياني في 14 يناير بعد ساعات من قرار رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني إقالته من منصبه كوزير للدفاع وتعيين نرجس سيتهي بدلا منه، إلا أن الاجتماع لم يسفر عن نزع فتيل التوتر المتصاعد بين المؤسستين العسكرية والمدنية. بل وتردد أيضا أن زيارات الرئيس الباكستاني المفاجئة للإمارات في الأسابيع الأخيرة جاءت في إطار التحضير للإقامة بصفة دائمة هناك، حيث نقلت بعض وسائل الإعلام الباكستانية عن مصادر عسكرية القول إنه على الرغم من أن الجيش يود أن يترك زرداري السلطة, فإن ذلك يجب أن يتم عبر الطرق الدستورية، وليس عبر انقلاب عسكري آخر مثل الانقلابات التي شابت نصف تاريخ باكستان منذ استقلالها قبل قرابة 65 عاما. ولعل ما ضاعف من التوقعات أيضا أن الجيش لن ينتظر الانتخابات العامة المقبلة عام 2013 للإطاحة بزرداري وجيلاني أن شعبيتهما تدنت لأدنى مستوى بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية المتردية في البلاد وانحيازهما الصارخ لواشنطن, ولذا فإن العسكر على ثقة برغبة الشعب في التخلص منهما في انقلاب أبيض سواء كان ذلك عن طريق إدانتهما قضائيا أو إجبارهما على تقديم استقالتيهما. ورغم أنه لم تستطع أي حكومة مدنية منذ تأسيس باكستان في عام 1947 أن تبقى في السلطة حتى تنتهي ولايتها المقدرة بخمس سنوات، إلا أن الاختلاف أن الحكومة الحالية ستخرج بفضيحة مدوية بعد استعانتها بواشنطن للحد من نفوذ الجيش الذي طالما انتقد عدم أخذ موقف سياسي تجاه الغارات الأمريكية المتكررة على منطقة القبائل ويحظى باحترام كبير بين الباكستانيين. وبصفة عامة، فإن حكومة الرئيس آصف زرداري كانت منذ وصولها للسلطة في 2008 في مهب الريح ليس فقط لاستياء المؤسسة العسكرية البالغ تجاهها، وإنما لأن الشعب الباكستاني ضاق ذرعا بانحيازها الصارخ لواشنطن على حساب مصالحه وسيادة بلاده.