«حنان» نتاج لحظة حب بين عملاقين.. وهى موهوبة بالوراثة سهير المرشدى عالمها ملىء بحكايات وروايات وتاريخ من العطاء الذى لا ينتهى.. فى آذانها تتردد أصوات دقات المسرح معلنة عن أمجاد مسرحية لا تنتهى.. أيامها مزيج من ذكريات لا تنضب أبدًا بإخراج الجديد، وأحلام قادمة بأعمال تضيف فيها من روحها وأدائها إبداعًا يظل معبرًا عن عظمة الفن فى مصر.. إنها أنشودة مسرحية مازالت قادرة على إبهارك، ونقلك إلى فضاء رحب من الفن والجمال، إنها بحق إحدى ملكات المسرح الذى تدين له بالولاء، ويعطيه هو أحد أسراره التى تملك بها أفئدة القلوب. سهير المرشدى بدأت مشوارها الفنى محملة بثقافة خاصة نبعت روافدها المختلفة من العديد من روائع المسرح العالمية وإبداعات المسرحيين المصريين والعرب، فهى يقاس عمرها بعدد الساعات التى وقفتها على خشبة المسرح ناقلة أفكاره وقدرته على بناء مجتمع وسطى معتدل يؤمن برسالة الفن الذى أعطى لمصر أعمدة التطور والبناء. عن زواجها من كرم مطاوع، ومعارضته لنظام الحكم، وتأخر تكريمه من الدولة، وأسباب ابتعادها عن الوسط الفنى، وأول نصيحة قالتها لابنتها، وأهم المحظورات فى حياتها تحدثت سهير المرشدى ل «الوفد».. كان كرم مطاوع كثير الانفعال وكذلك أنت كيف كانت حياتكما معاً؟ - كانت كالنار.. فأنا انفعالية بطبعى لأن الانفعال أهم صفة فى عملى كفنانة، وهو أيضًا كذلك لذا عندما كنا ندخل فى صدام كنا نصبح كالنار التى لا يطفئها سوى احتواء أحدنا الآخر للموقف ويحكم عقله لإنهاء الموقف، فهو كان نموذجاً للفنان المثقف، وعقلية جبارة، ومع ذلك فأنا لم أشاهد الطفل الذى بداخله إلا عند استشهاد شقيقى فى حرب أكتوبر عام 1973، ونظرته لى عند معرفته الخبر فهذه النظرة لا أستطيع نسيانها حتى الآن. كيف تعاملت معه بعد ذلك؟ - حفظت له فى عقلى وقلبى موقفه هذا، وبدأت أتعامل مع هذا الشخص الذى كان يراه الناس كالطاووس، من نظره الطفل الذى بداخله، و«كرك» عندما كان يقابل الناس فى الشارع كان لا يسلم عليهم، فكانوا يغضبون بشدة ويقولوا لى إنه مغرور فأقول لهم إنه مظلوم، لأن نظره كان ضعيفاً ولا يرى الأشخاص إلا عن قرب، ولم يكن يريد ارتداء النظارة الطبية، فاعتقد الناس أنه متكبر ولا يسلم على أحد. هل أثر رحيله على تواجدك فى الساحة الفنية؟ - بالعكس فأنا ابتعدت عن الساحة الفنية فى وجود كرم مطاوع، لأنه كان يشغلنى، فأنا تم اكتشافى فى الثانوية العامة وكنت نجمة من خلال المسرح المدرسى، والتحقت بعدها بمعهد الفنون المسرحية وتعرفت عليه هناك، فكان يقال عنى دائماً أنى لا أسير على الأرض بل أقفز لأطير. لماذا قبلت إذن أن تكونى زوجه ثانية برغم نجوميتك فى ذلك الوقت؟ - فى البداية الزواج الأول لكرم لم يستمر فترة طويلة، لأنه أراد التزوج من فتاة مصرية، هذا غير أنى لم أعلم بأمر زواجه إلا بعد فترة من زواجنا، ولا أعلم إذا كنت قد علمت ذلك فى البداية هل كنت سأتقبل أم أرفض هذا، فأنا عرفته كأستاذ جامعة وتتلمذت على يده، وأحببته حينها وتزوجنا. هل تكريم كرم مطاوع تأخر؟ - كرم مطاوع تم تكريمه فى أيام جمال عبدالناصر، ومنحه أعلى وسام للفنون من الرئيس نفسه، وبعدها لم يتذكره أحد، لذلك أنا سعيدة لأن ذاكرتنا لم تعد مثل السمك، ولم نعد نغفل التاريخ، لأنه بذكرنا للرواد الذين هم حراس الحركة الثقافية، وتكريمهم بعد رحيلهم، أمر مهم لنا نحن وليس لهم، لأنه عندما نكرم اسماً كبيراً نكبر أنفسنا معه. كيف وجدت تكريمه خلال الدورة الثانية فى مهرجان شرم الشيخ للمسرح؟ - ربما لم يعاصر أحد من مؤسسى المهرجان كرم مطاوع، ولكنهم تتلمذوا على يد تلاميذه، وذلك يثبت أنه كان فناناً مثقفاً أحب عمله وبلده، وخدمهم بإخلاص، ليعيش اسمه معنا حتى الآن، وبعد وفاته بسنوات طويلة. قالت حنان مطاوع أثناء ندوة تكريمه إنها أول مرة تحضر تكريم لوالدها كيف كان أثر ذلك عليها؟ - بالطبع حضورها لتكريم والدها كان يشعرها بالفرحة، بعد أن كانت تتساءل لسنوات طويلة لماذا لا يكرم والدها فى الاحتفالات الفنية سواء فى السينما أو المسرح. هل الدولة ظلمت كرم مطاوع؟ - لا أستطيع قول ذلك، فمثل ما قلت من قبل إن الرئيس جمال عبدالناصر كرمه، وفى افتتاح عرض مسرحية «إيزيس» حضر الرئيس وحرمه لمشاهدة العرض، ولكنه كان صاحب فكر وفلسفة مختلفة، وكان دائماً على يسار الحكومة، وعانينا من ذلك لفترات طويلة، فهو كان غارقاً فى مصريته بشكل كبير، وأكبر دليل على ذلك أنه عندما سافر إلى إيطاليا وتزوج هناك من إيطالية وأنجب منها، لم يتحمل الحياة هناك وعاد إلى مصر ليعيش وسط تلاميذه وبلده مصر عشقة الأكبر، وتزوج منى. ما أول نصيحة قدمتيها لابنتك حنان عند دخولها الوسط الفنى؟ - قلت لها انت لست قادمة من فراغ بل نتاج لحظة حب بين عملاقين اسمهما كرم مطاوع وسهير المرشدى، فأنت موهوبة بالوراثة مثلما ورثت أنا الفن عن أمى، ولكنى كنت أول شخص فى عائلتى يحترف الفن ويعمل به. وحذرتيها من ماذا؟ - لم أحذرها بالمعنى المعروف بل حاولت أن أنقل لها خبرتى بأكملها، فقمت باحتضانها بقوة، وقسوة عليها لأرسخ بداخلها أن النجاح لا يأتى من فراغ، بل لابد أن يكون نابع من موهبة وتدريبات، وأقدم لها رأى فى عملها ولكن دون أن أفرضه عليها. معنى ذلك أنه عندما تم ترشيحك للتمثيل لم يعترض والدك؟ - عندما قررت أن أخوض التمثيل وجد هذا الأمر من قبل والدى رفضا تاماً، ولكن والدتى أقنعته أن هذا لم يعطلنى عن دراستى، وكان عمى وقتها طالباً فى كلية الهندسة وقام هو أيضاً بإقناعه، مؤكداً له أن الفن مهنة محترمة وأن عائلتنا بها الدكتور والمهندس، ولماذا لا يكون بها الفنان أيضاً، فاقتنع ووافق. وما هو أول عرض قمتِ بتقديمه فى المسرح المدرسى؟ - عرض مسرحية «الأميرة العمياء» فى المسرح المدرسى، وحصلت حينها على الميدالية الذهبية، وأخذت مدرستى المركز الأول، حيث حصلت على كأس الجمهورية وقتها، وأصبحت مشهورة بين أصحابى وجيرانى. ما أول عمل احترافى لك فى عالم التمثيل؟ - قدمت مسرحية "زقاق المدق" فى المسرح الحر، وكانت أولى بطولة مطلقة لى من تأليف الأديب الكبير نجيب محفوظ وصورها المخرج المبدع حسين كمال. لماذا ابتعدت عن الفن خلال السنوات الماضية؟ - ابتعدت لأن الفن أصبح لديه حسابات، وإذا استمر بذلك الشكل سوف يؤدى إلى انهياره، لأن «الفن مع الحسابات بيخيب«، خاصة عندما يكون للفنان تاريخ كبير يريد الحفاظ عليه. كيف نتغلب على تلك الحسابات؟ - لابد من وجود منتج مثقف لترتقى المهنة، فمعظم الفنانين الذين يحترمون فنهم وتاريخهم يعتذرون عن تقديم أعمال فنية حفاظاً على صورتهم أمام الجمهور. ما رأيك فى ما يقدم حالياً من الدراما والسينما المصرية؟ - السينما المصرية بخير وهى الرائدة دائماً فى الوطن العربى وطالما أن السينما المصرية بخير فالفن فى المنطقة العربية بأكملها بخير، كما أن السينما المصرية بدأت تطور من نفسها وموضوعاتها فبعد أن مرت بفترة صعبة جداً كانت تتناول فيها موضوعات ليس لها مضمون وكذلك بعض الأفلام تناولت مشاهد وعبارات خادشة للحياء أصبحت الآن بها المضمون والمحتوى الذى يليق بها، وكذلك الدراما، إذ تتناول موضوعات تتعلق بالصراع المتواجد فى الحياة والشارع والسعى وراء لقمة العيش. هل عرضت عليك حنان العمل معها من قبل؟ - كثير من الأحيان تأتى لى بسيناريو لكن لكل منا وجهة نظره المختلفة عن الأخرى، وأنا لن أقدم إلا ما يتناسب مع اسمى وتاريخى وتاريخ زوجى. لكنك قدمت مؤخرا شخصية الصعيدية فى «أريد رجلا»؟ - هذه الشخصية أحببتها، لأنى كنت أتمنى تقديم شخصية الأم الصعيدية، التى هى أساس ذلك المجتمع، فتستطيع إقناع أبنائها بفكرة الثأر، أو تربيتهم بشكل واع، فهى من بيدها مفاتيح ذلك المجتمع، وعندما عرض علىّ ذلك الدور، وافقت وقدمته وأنا «متعطشة» للفن، والحمد لله حقق ردود أفعال جيدة. لماذا اشتهرت ب«إيزيس» المسرح رغم تقديمك العديد من الشخصيات المختلفة؟ - أنا أعشق أغلب أدوارى، واكتساب هذا اللقب لم يأت من فراغ لأن عشقى لشخصية «إيزيس» عشقاً كاملاً فهى قريبة من شخصيتى وجدت فيها نفسى، برغم من أنى أحب الأدوار البعيدة عن شخصيتى مثل شخصية «سماسم» فى مسلسل «ليالى الحلمية»، و«حميدة» فى «زقاق المدق». فمن الجميل أن أدخل شخصية غير شخصيتى يمكننى من خلالها إخراج طاقاتى التمثيلية.