علقت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى آمالاً كبيرة على نجاح زيارتها الأخيرة الى السعودية فى جذب استثمارات إلى بلادها التى تبحث عن شراكات اقتصادية جديدة استعدادا لمرحلة ما بعد الانفصال عن الاتحاد الأوروبى، المعروفة باسم «البريكست». ورغم تعدد الملفات المتعلقة بالقضايا الإقليمية المتفجرة، إلا أن زعيمة حزب المحافظين أكدت بعد أقل من أسبوع على إطلاقها إجراءات البريكست، الأولوية القصوى لزيارتها هى قضايا الاقتصاد فى ظل غموض مستقبل الاقتصاد البريطانى. وقالت ماى فى بيان عشية زيارة السعودية الأسبوع الماضى إنها تتطلع إلى الاستفادة من «الإمكانات الضخمة للاستثمارات السعودية لخلق زخم قوى للاقتصاد البريطانى». وسعت بريطانيا إلى توقيع اتفاقيات تجارية جديدة بينما تستعد للخروج من الاتحاد الأوروبى ضمن عملية طلاق معقدة تستمر لعامين. وينصب تركيز لندن على شركاء وحلفاء تاريخيين، مثل الدول الخليجية الثرية، وبينها قطر التى أعلنت فى مارس الماضى خطة لاستثمار 6.23 مليار دولار فى بريطانيا خلال الأعوام الخمسة المقبلة. وتعد السعودية الشريك التجارى الأكبر لبريطانيا فى الشرق الأوسط، حيث تشير البيانات إلى أن صادرات بريطانيا إلى السعودية بلغت فى عام 2015 نحو ثمانية مليارات دولار. وبينما تبحث بريطانيا عن عقود تجارية واستثمارات، تتطلع السعودية بدورها إلى زيادة استثماراتها الخارجية ضمن خطة إصلاح اقتصادى طموحة تحت عنوان «رؤية المملكة 2030» التى تهدف إلى تنويع الاقتصاد المرتهن بشدة إلى النفط. وتواجه بريطانيا مستقبلا اقتصاديا غامضا وسط حديث عن احتمال ألا تسفر مفاوضات الانفصال عن الاتحاد الأوروبى عن اتفاق وتلويح ماى بأنها تفضل مغادرة الاتحاد دون اتفاق على إبرام أى شىء. وقامت رئيسة الوزراء البريطانية بجولات عديدة بحثا عن شراكات تجارية شملت الولاياتالمتحدة وتركيا وحضرت أيضا اجتماع القمة الخليجية بحثا عن شراكات تخفف آلام البريكست. ولا يزال الاقتصاد البريطانى ينتظر تداعيات المفاوضات على خطط المصارف والشركات التى لوح الكثير منها بمغادرة بريطانيا إذا فقد حق الدخول الحر إلى السوق الأوروبية الموحدة. وتزايد ميل بريطانيا الخائفة من تداعيات الطلاق الشاق مع الاتحاد الأوروبى للتحول إلى ملاذ ضريبى عملاق، وسط تحذيرات من أن يؤدى ذلك إلى سباق تخفيضات ضريبية تهدد استقرار الاقتصاد العالمى. ويبدو أن إغلاق الاتحاد الأوروبى الأبواب أمام أى مساومات، قد يدفع الحكومة البريطانية إلى اتخاذ خطوات مجنونة للهروب من الآفاق المعتمة لتداعيات البريكست القاسية. وبدأت معالم الثمن الباهظ بعد إطلاق إجراءات البريكست وتصاعدت التحذيرات من انهيار القطاع المصرفى الأكبر فى العالم، وشلل مشاريع البنية التحتية فى ظل غياب رؤية حكومية واضحة المعالم لمستقبل البلاد. وسبق أن تحدث عدد كبير من الشركات البريطانية عن تنامى الصعوبات والعقبات التى تواجه إدارة مشروعاتها فى بريطانيا فى ظل الغموض المحيط بمستقل اقتصاد البلاد وغياب رؤية حكومية واضحة. وأظهر مسح اقتصادى حديث أن نمو قطاع البناء فى بريطانيا تباطأ قليلا فى شهر مارس الماضى، مما يعزز دلائل تشير إلى فقدان الاقتصاد لقوة الدفع التى اكتسبها فى أواخر العام الماضى حين تحدى صدمة التصويت لصالح الخروج من عضوية الاتحاد الأوروبى. ونزل مؤشر مؤسسة «ماركت سى. آى. بى. أس» لمديرى المشتريات فى قطاع البناء فى بريطانيا إلى 52.2 نقطة من 52.5 فى فبراير، وهى أبطأ وتيرة نمو منذ أن بدأ الاتجاه الصعودى الأخير للقطاع فى سبتمبر. كما أنه يقل قليلا عن متوسط توقعات محللين فى تقرير أجرته رويترز. كما كشف استطلاع لمديرى المشتريات فى قطاع شركات الصناعات التحويلية فى بريطانيا الذى نشر يوم الإثنين تباطؤ النمو فى المصانع فى الشهر الماضى. ونما اقتصاد بريطانيا بوتيرة أعلى من جميع الدول الأعضاء فى مجموعة السبع باستثناء ألمانيا فى العام الماضى، رغم تصويت البريطانيين لصالح الانسحاب من عضوية الاتحاد الأوروبى. لكن من المتوقع على نطاق واسع أن يتباطأ النمو الاقتصادى فى العام الحالى، بعد أن يؤدى ارتفاع معدل التضخم إلى إضعاف طلب المستهلكين فى وقت تتراجع فيه استثمارات الشركات التى يربك الغموض خططها الاستثمارية. وأظهر المسح الأخير أن نمو أنشطة بناء المنازل تباطأ لأقل مستوى فى سبعة أشهر مبددا أثر أفضل أداء شهرى لقطاع الهندسة المدنية منذ بداية العام فى مارس الماضى، بفضل الإنفاق على البنية التحتية وتحسن أنشطة البناء لأغراض تجارية. ويرجح المحللون أن تتضح تدريجيا عواقب الانفصال عن الاتحاد الأوروبى مع بدء محاولات انفصال أسكتلندا عن المملكة المتحدة واحتمال انفصال أيرلندا الشمالية أيضا. ورغم محاولات بريطانيا عقد شراكات جديدة مع السعودية ودول الخليج وشركاء آخرين فى أنحاء العالم، إلا أن الاتحاد الأوروبى يصر على أنها لا تزال عضوا فيه ولا يمكنها إبرام اتفاقات نهائية لحين الانفصال التام عن التكتل الأوروبى.