«إكسترا نيوز»: ضخ استثمارات بجامعات شمال وجنوب سيناء بقيمة 23 مليار جنيه    يديعوت أحرنوت: خطط الحكومة لشن هجوم على رفح تهدف للضغط على حماس في ملف مفاوضات تبادل المحتجزين    عاجل| رئيس "مجلس النواب الأمريكي" يدافع عن إسرائيل بعد "مقتل أطفال غزة"    أخبار مصر: زيادة أسعار سجائر وينستون وكامل وجولدن كوست، محافظة جديدة تنظم لمقاطعة الأسماك، وقف خدمات الكاش بشركات المحمول    نمو إيرادات فورد وتراجع أرباحها خلال الربع الأول    «الجمهورية»: الرئيس السيسي عبر بسيناء عبورا جديدا    اعرف أسعار الذهب اليوم 25 أبريل وتوقعات السعر الأيام المقبلة    موعد مباراة أهلي جدة والرياض اليوم في دوري روشن السعودي والقناة الناقلة    اليوم.. طقس شديد الحرارة نهارًا ورياح مثيرة للرمال وأتربة عالقة    شكرًا على حبك وتشجيعك.. ريهام عبدالغفور ترثي والدها الفنان الراحل بكلمات مؤثرة    ضرب نار في أسعار الفراخ والبيض اليوم 25 أبريل.. شوف بكام    الشرطة الأمريكية تعتقل عددًا من الطلاب المؤيدين لفلسطين بجامعة كاليفورنيا.. فيديو    حزب الله يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية مختلفة    ارتفاع سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الخميس 25 إبريل 2024    هل ترك جنش مودرن فيوتشر غضبًا من قرار استبعاده؟.. هيثم عرابي يوضح    «عمال البناء والأخشاب» تهنئ الرئيس السيسي والقوات المسلحة بذكرى تحرير سيناء    اضبط ساعتك.. موعد بدء التوقيت الصيفي في مصر 2024| وطريقة تغيير الوقت    أحمد جمال سعيد حديث السوشيال ميديا بعد انفصاله عن سارة قمر    الأكثر مشاهدة على WATCH IT    "شياطين الغبار".. فيديو متداول يُثير الفزع في المدينة المنورة    بسبب روسيا والصين.. الأمم المتحدة تفشل في منع سباق التسلح النووي    ب86 ألف جنيه.. أرخص 3 سيارات في مصر بعد انخفاض الأسعار    محافظ المنيا: 5 سيارات إطفاء سيطرت على حريق "مخزن ملوي" ولا يوجد ضحايا (صور)    تطور مثير في جريمة الطفلة جانيت بمدينة نصر والطب الشرعي كلمة السر    ميدو يطالب بالتصدي لتزوير أعمار لاعبي قطاع الناشئين    حزب المصريين: البطولة العربية للفروسية تكشف حجم تطور المنظومة الرياضية العسكرية في عهد السيسي    «الاستثمار» تبحث مع 20 شركة صينية إنشاء «مدينة نسيجية»    عن تشابه «العتاولة» و«بدون سابق إنذار».. منة تيسير: التناول والأحداث تختلف (فيديو)    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    إصابة 9 أشخاص في حريق منزل بأسيوط    أبو رجيلة: فوجئت بتكريم الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    لتفانيه في العمل.. تكريم مأمور مركز سمالوط بالمنيا    أول تعليق من رئيس نادي المنصورة بعد الصعود لدوري المحترفين    الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني يعلن الترشح لفترة رئاسية ثانية    تدريب 27 ممرضة على الاحتياطات القياسية لمكافحة العدوى بصحة بني سويف    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    حصول 5 وحدات طب أسرة جديدة على اعتماد «GAHAR» (تفاصيل)    رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر: تخصصنا يحافظ على الشخص في وضعه الطبيعي    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    كيف أعرف من يحسدني؟.. الحاسد له 3 علامات وعليه 5 عقوبات دنيوية    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    الهلال الأحمر: تم الحفاظ على الميزانية الخاصة للطائرات التى تقل المساعدات لغزة    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    محافظ شمال سيناء: الانتهاء من صرف التعويضات لأهالي الشيخ زويد بنسبة 85%    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    ميدو: لاعبو الزمالك تسببوا في أزمة لمجلس الإدارة.. والجماهير لن ترحمهم    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبناء التبنى.. من «الأحضان الدافئة» إلى «جحيم المجتمع»
«أنا مين؟».. سؤال يكتب نهاية أجمل «حكاية حب»
نشر في الوفد يوم 05 - 04 - 2017

البنات يتعرضن لكوارث بعد معرفة الحقيقة.. والأولاد يتقبلون الوضع بصعوبة
فتاة تفقد النطق بعد اكتشاف أصلها.. وأخرى ترفع قضية ضد أمها البديلة
التراث الثقافى المصرى عقبة تواجه الأطفال والأسر التى تحتضنهم
خبراء: نسير عكس العالم.. ويجب منح جميع الحقوق للأيتام واللقطاء
«أنا مين؟».. سؤال يفتح دفاتر زمن لا يأبى الرجوع للخلف، ويحارب النسيان فتكون الخطوة الأولى للسقوط من دار الأمن ودفء الأحضان إلى نار المجتمع الذى يفتش دائماً عن الماضى.. ينتقل أطفال أبرياء من خانة الأسرة الطبيعية- الأب السند والظهر والأم نهر العطاء بلا حدود «أربع حيطان حنان وسقف» إلى الواقع المر.. «أنا بديل.. لم أنجبك ربما دمى لا يجرى فى عروقك لكن روحى مرهونة بإشارة من أناملك. وتلك أمك لم تحملك فى رحمها لكنك نور عينها ونبض قلبها».. هذه هى بداية اعتراف الأب والأم البديلان للطفل أو الطفلة المتبناة، تلك الحقيقة ليست إلا البداية، أما تسلسل المشهد فيحمل لفحات من لهيب العذاب. المجتمع كله سينشغل بأصل هؤلاء الأطفال. لن يسامح ولن يغفر.. يستغرق المسئولون الوقت والجهد والمال لتزيين الواقع دون تغييره. ويقف الآباء الذين احتضنوا أطفالاً وصموا بأنهم مجهولو النسب أو تخلى عنهم آباؤهم عاجزين مكتوفى الأيدى لا يستطيعون منحهم حقاً يرونه واجباً عليهم قد يهبونهم بعض الأملاك لضمان دخل يحميهم لكن بعضهم لا يملك سوى وظيفة ستنتهى بمعاش لا يستحقه الابن بحكم القانون.. وفجاة تنتهى «حكاية حب» بالضياع.
«مايهمناش.. اسمك.. وأهلك.. موطنك.. ما يهمناش.. قوللى انت مين؟ قوللى فعلك. أصل فعلك هو اسمك.. هو أصلك هو فصلك. وغير كده مايهمناش»..خرجت الكلمات ساحرة من صوت «الموبايل» الخاص بها دمعت عيناها كعادتها كلما استمعت إلى كلمات الأغنية، وضعت السماعة فى أذنها فحجبت الصوت عن زميلاتها فى الغرفة الصغيرة بالدار، بينما اقتربت منها «المشرفة الشابة» التى تكبرها بأعوام قليلة واحتضنتها بقوة ومسحت بيدها الرقيقة دموع صنعت على وجه الفتاة مجرى للأحزان).
هكذا منذ أن عرفت الحقيقة تبكى وتبكى. اختارت أن تصمت إلى الأبد احتجاجاً على ظلم وقع عليها بلا أدنى ذنب اقترفته.
«سماح» بطلة هذا المشهد شديد القتامة.. فتاة تبلغ من العمر 17 عاماً بين ليلة وضحاها انقلبت حياتها إلى جحيم، مازالت كلمات أمها تثير صخباً مرعباً يحجب عنها الرؤية والسمع وتتعطل معه كل حواسها فيما ترتعش يداها وينبض قلبها بسرعة حتى يكاد يتوقف.
"أنا مش ماما يا هدى وبابا صادق الله يرحمه مش والدك للأسف لازم تعرفى الحقيقة منى أحسن ما تواجهيها فى كل مكان بعد كده"، وأعطتها عنوان الدار الذى أخذتها منه منذ 12 عاماً تقريباً كان عمرها وقتها حوالى 4 سنوات. تفاصيل تلك الحظات الفارقة فى حياة هدى سر من أسرار حياتها القصيرة لم تطلع أحداً على القليل منه سوى ل«ماما سماح» المشرفة الشابة بدار الأيتام.. سماح تعمل هنا في الدار منذ 10 أعوام ووهبت نفسها لخدمة الأيتام من ذوى الإعاقة بعد وفاة والدتها وزواج أبيها بأخرى ومن وقتها وهى مسكونة بالأحزان تقول: «رأيت هنا مآسي تمزق القلب ليس للأطفال الذين ينبتون بلا آباء يرعوهم بل لأكثر من حالة رأيتها كانت تعيش فى كنف أسرة تبنتها أو كفلتها وفى سن معينة يصبح لزاماً عليهم أن يخبروا الأبناء بالحقيقة القاسية.. البنات بالذات يتعرضن لكوارث ومنهن من يفضلن العودة للدار على البقاء فى الأسر التى اتضح أنها أسر بديلة.. الأولاد يتفهمون الموقف إلى حد ما، خاصة أننا ندعمهم معنوياً وبعض الآباء البدلاء يستعينون بإخصائيين نفسيين لدعمهم فى هذا الموقف.. وهناك بنات يخترن العمل معنا لكن لا يكشفون أيضاً عن حقيقتهم كأن عاراً يلاحقهم..
قصة «هدى» تشبه فى كثير من تفاصيلها حكاية لبنى التى حكت لى إحدى الأمهات عن صديقتها وكون ابنتها بالتبنى ما زالت فى انتظار مصيبة الاعتراف. وفى حكاية أشبه بأفلام السينما. قالت إن لبنى هى ابنة أختها التى أنجبتها من خلال زواج عرفى رفض الزوج الاعتراف بها لاحقاً، وخوفاً من «الفضيحة» ساعدت الأم البديلة وهى الخالة الأم الحقيقية فى إخفاء القصة وأخذت ابنتها لأنها لم تكن تنجب.. وعاملتها كأنها أمها وأكثر بل منحتها اسمها واسم زوجها وهى على يقين أن الله سيسامحها لأنها تستر أختها ومرت السنوات وكان فى انتظار الأم مفاجأة غير سارة بعدما توفى زوج الأخت الصغرى وحرمها الله من الإنجاب منه، عادت لتطالب أختها بابنتها بعد أن بلغت 15 عاماً وهددتها برفع دعوى عليها لاسترداد ابنتها دون أن تحسب حساب ما سيجرى للابنة التى أصيبت بصدمة عصبية شديدة ولم تعترف بأي منهما أماً لها وهربت من البيت ولم يعثر لها على أثر بعد ذلك.
قلبى يحترق
أما مأساة «عادل» فتحكيها نيابة عنه أمه «فاطمة» التى تبكى بالدموع وهى تقول: حرمنى الله من الإنجاب ودخت أنا وزوجى على مدى 7 سنوات فى محاولة للإنجاب ولم يرد الله، إلى أن أخبرتنى صديقتى بأن أكفل طفلاً يتيماً فى بيتى وفعلت، ومنحت ابنى كل الحنان والرعاية وألحقته بأفضل المدارس.. وكنت أضع يدى على قلبى عندما يسألنى عن سبب عدم وجود اسم أبيه فى اسمه كباقى زملائه فى المدرسة.. وتزداد المشكلة كلما رأيته يكبر أمام عينى. وعلمت أنه سيواجه مصيراً بشعاً عندما يستخرج بطاقته الشخصية، حتى فى النادى الذى يلعب فيه لعبته المفضلة كرة القدم، ورغم أنه موهوب جداً وسيلحق بفريق النادى، إلا أنهم أخبرونى أنه ليس من حقه عمل عضوية مستقلة، ووجدتنى فى متاهة ومقبلة على كارثة ستعصف بابنى الوحيد وأخشى أن أتركه أنا وأبوه ليفترسه المجتمع، خاصة أن أشقاء زوجى هددوه بمواجهة ابنى بالحقيقة إذا كتب له شيئاً من أملاكه.. ولم يصبح أمامنا سوى معاش زوجى، إلا أننا اكتشفنا أيضاً أنه سيحرم من المعاش.. بكت الأم بشدة وقالت: أنا مرعوبة من المستقبل وأخشى على ابنى والمجتمع شديد القسوة ولا يرحم.. بعض صديقاتى اقترحن علىّ أن أسعى له فى الهجرة لأوروبا لأحميه كما يفعل الكثيرون وقلبى «محروق عليه» ومعنى ذلك أن أحرم منه إلى الأبد. ولكن ماذا أفعل ولماذا أتركه للضياع؟.. ولماذا يحرمونه من معاش أبيه الذى أنفق عليه كل هذه السنوات؟
للعدالة وجوه كثيرة
فى عام 2001 فاجأ الفنان يحيى الفخرانى المشاهدين بمسلسل «للعدالة وجوه كثيرة» من تأليف مجدى صابر الذى يسخر قلمه دائماً فى سبيل خدمة قضايا إنسانية غاية فى الدقة والحساسية، وكان مسلسله الذى يحكى عن رجل أعمال ناجح يواجه كارثة مجتمعية وأسرية إثر الكشف عن حقيقة أصله وانتمائه لمجهولى النسب.. وينتصر المسلسل لفكرة أن الإنسان بعمله وليس نسبه وهو ما عبر عنه تتر المسلسل: «مايهمناش أنت ابن مين.. ولا فين مكانك فى السنين.. وكفاية أنك حضن واسع ضم كل المحتاجين.. إنسان حقيقى غير كده مايهمناش».. ورغم النجاح الذى حققه المسلسل وقتها.. لم يحدث أى تغيير فى تلك القضية المهمة ليتأكد للجميع أن تلك المعانى لا تجدها سوى فى الأغنيات الرقيقة والدراما الإنسانية التى تخاطب الوجدان والضمير الإنسانى.. لكن حقيقة الأمر أن المجتمع يهتم جداً بالأنساب، بل ويحمل سوطاً يجلد به أطفالاً لا ذنب لهم فى الحياة بل يعيشون العمر كله يدفعون ثمن واقع صنعه أهلهم وربما هم أيضاً كانوا ضحايا له.. المشكلة أن المجتمع لا يتغير ولا يفكر المسئولون فى حلول لهذه القضية حتى عندما تطرح بهذا الشكل الدرامى الذى يصل للجميع، وهذا ما سبب إحباطاً للمؤلف الكبير مجدى صابر الذى قال: تصورت أن طرح هذه القضية يحدث انقلاباً فى المفاهيم الخاطئة فى المجتمع وأن مسئولون سيتحركون لمنح هؤلاء الأولاد حقوقهم، إلا أن أحداً لم يتحرك، ولم ترفع أى مؤسسة أو جهة مسئولة سماعة التليفون لتسألنى وتستفيد من طرحى لهذه القضية. لم تتغير قوانين أو تتبدل قيم.. القانون كل ما يعنيه عدم اختلاط الأنساب ويتجاهل أى قضايا أخرى، ويتجاهل مثلاً مسألة المعاش وتمكين الابن من معاش أبيه الذى رباه وتكفل به.
ويستطرد الكاتب مجدى صابر قائلاً: الطفل يعى حقيقة وضعه بمجرد أن يعى ويدرك ويسأل ويتأكد أن اسمه غير اسم أبيه، وسيعرف من المحيطين والأقارب. وهنا يصبح من الضرورى استعانة الأبوين البديلين بأخصائى نفسى أو اجتماعى لعدم جرح الطفل. المشكلة الأكبر هنا أن المجتمع يقطع رقبة هذا الطفل وينتزعه من أحضان أبويه الفعليين.. والدولة لا تكمل مسيرتها، بل تمعن فى القسوة عليه فلا يمتد معاش أبويه اللذين ربياه.. وهنا نتساءل عن سر عدم استحقاقه للمعاش وخاصة فى حالة أنه لم يجور على حق أحد.. من حقه أن يكون له سند.. فإذا كان البشر ساعده فهل يضن عليه القانون ويقطع رقبته؟ الدولة من مهامها حمايته لأن لا ذنب له فيما حدث.
ويضيف المؤلف مجدى صابر: عندما أقدمت على هذا العمل كنت أعلم أنى أشتغل على قضية غير مضمونة النجاح. لكنى قدمتها لأن قلمى يجب أن يعبر عن المسكوت عنه، وتصورت أن أحداً سيكمل بعدى لكنى شعرت بالإحباط لعدم حدوث أى تغيير. والمجتمع يلفظ ويعاير ويرفض الطفل حتى لو تربى فى أحضان أسرة سوية وتعلم أفضل القيم.
صرخة أم
عندما يهب الله الأطفال مجهولى النسب نعمة «الأسرة البديلة» ويجدون آباء وأمهات أحن عليهم من آبائهم الذين أنجبوهم، ينضم هؤلاء الآباء البدلاء إلى قائمة الضحايا.
كيف؟ هذا السؤال وجهته بحذر شديد للسيدة «س. ل» فإذا بها تنظر إلى ابنتها التى لم تتجاوز 4 أعوام، بينما كانت تلهو مع الأطفال فى حديقة بيتها.. وتنتابها نوبة بكاء شديدة وتقول: اسألى المجتمع الذى يقول: «يا مربى فى غير ولدك.. يا بانى فى غير ملكك» وتساءلت فى استنكار شديد: لماذا يحرموننى من ابنتى التى أربيها فى حضنى. المجتمع قاسٍ ويحرض على هؤلاء الأولاد والدولة لا تمنحهم حقوقهم وأنا أوفر لهم ما لا تستطيع الدولة توفيره «الدفء والأمان».. ثم لا يحق لى أن أمنحهم معاشى بعد انقضاء خدمتى، أعلم أن لهم معاشاً ضئيلاً تصرفه الحكومة لكن لماذا لا يسمح له أو لها بأخذ المعاش، خاصة أنه ليس إرثاً؟ والحقيقة أن الدولة بين حين وآخر تصدر قرارات على أمل أن تحل بعض المشكلات فى هذه القضية وآخرها قرار رئيس الجمهورية بشأن تعديل بعض أحكام قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، نص على استبدال كلمة «سنتين» الواردة فى المادة 46 من قانون الطفل المشار بعبارة «ثلاثة أشهر»، ويتيح تسليم الأطفال مجهولى النسب لأسر بديلة من سن ثلاثة أشهر، وذلك بعد استخراج شهادة الميلاد الخاصة بهم، والتأكد من سلامتهم الصحية، وذلك تحقيقاً للمصلحة الفضلى لكل من الأسرة البديلة والطفل على حد سواء، كما صرحت غادة والى وزيرة التضامن الاجتماعى التى أكدت أن الدراسات التجريبية أثبتت أن حرمان الأطفال من الرعاية والاهتمام فى نطاق الأسر البديلة من وقت مبكر له آثاره النفسية والبدنية السلبية عليهم، وتبين أن الرعاية البديلة للأطفال من سن ثلاثة أشهر هو أفضل سبيل لهم للنمو فى بيئة أسرية تساعده على النمو البدنى والإدراكى والعاطفى، لكن الأهم من هذه التعديلات توافر الوسائل الطبية التى تساعد الأم بالأسرة البديلة على القيام بأوضاع الطفل مجهول النسب من رضاعة طبيعية فى سن ثلاثة أشهر، مما يبيح شرعاً إقامة الطفل أو الطفلة عند اكتمال سن البلوغ وسط الأسرة باعتباره «ابناً» من الرضاعة، وهو ما يصب فى مصلحة الطفل والأسرة والمجتمع ككل، ومن المعروف أن هناك إجراءات محددة لاحتضان طفل داخل أسرة وهو جزء فى إطار هدف أشمل يسعى إلى استيعاب كافة الأيتام بأنواعهم داخل أسر بعد تكرار تجارب فاشلة ولدور الأيتام التى تثبت فى كل مرة أن احتضان الطفل داخل أسرة أفضل بكثير من بقائه داخل دار عرضة للإهمال وجميع صور الانتهاكات والاعتداءات.
وبحسب قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 أقرت وزارة التضامن الاجتماعى شروطاً محددة لكفالة الأيتام من خلال نظام الأسر البديلة التى بدأته عام 1959 من خلال إلحاق الأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية، خاصة مجهولى النسب بأسر يتم اختيارها وفقاً لشروط ومعايير، منها التأكد من صلاحية الأسرة وسلامة مقاصدها لرعاية هؤلاء الأطفال دون استغلال أو لمصالح ذاتية. ثانياً أن تكون مصرية مكونة من زوج وزوجة وولدين على الأكثر. وحصول أفراد الأسرة البديلة على قدر من التعليم. كما وجد أنه من الضرورى إثبات قدرة الأسرة البديلة على تلبية احتياجات الطفل. الأسر البديلة نظام يبدأ بعد أن يتجاوز الأطفال سن عامين. ثم تم تعديل ذلك بقرار من رئيس الجمهورية ليصبح ثلاثة شهور. وتشمل هذه الرعاية الأطفال اللقطاء مجهولى النسب، وكذلك الأطفال غير الشرعيين الذين يتخلى عنهم ذووهم، والأطفال الضالين الذين لا يمكنهم الإرشاد عن ذويهم وتعجز السلطات المختصة عن الاستدلال عنهم.
يضاف إلى ذلك الذين يثبت من البحث الاجتماعى استحالة رعايتهم فى أسرهم الأصلية مثل أولاد المسجونين وأولاد نزلاء مستشفيات الأمراض العقلية، والأطفال الذين لا يوجد من يرعاهم من أقربائهم أو يشردون نتيجة انفصال الوالدين. ثم تمر الإجراءات ببطء أو بيسر حسب قدرة الأسرة المتقدمة بطلب احتضان لطفل، حيث تتقدم الأسرة بطلب للإدارة الاجتماعية الموجودة داخل نطاق الموقع الجغرافى لإقامتها، وتقوم أخصائية الأسرة والطفولة بالإدارة الاجتماعية بعمل بحث ميدانى للتأكد من استيفاء الأسرة للشروط.
وعندما توافق اللجنة على تسليم الأسرة للطفل تتسلمه إما من مراكز الأمومة والطفولة أو من دور الحضانة الإيوائية، وتتم الرعاية داخل الأسرة كفرد من أبنائها، ويحرر عقد رعاية بين الأسرة البديلة وإدارة الأسرة والطفولة بالمديرية، ويتم عمل متابعة شهرية له بواسطة الإدارات الاجتماعية فى المنطقة التابعة لها الأسرة التى تتولى أمر الطفل.
تعديل تشريعى
هانى هلال، خبير حقوق الطفل، يقول: التراث الثقافى المصرى أهم عقبة تواجه الطفل والأسرة التى تحتضنه. وهذا هو ما يجب العمل على تغييره بشتى الطرق، لأن فكرة تقبل هذه الفئة من الأطفال تواجه برفض مجتمعى شديد وعندما تم توقيع اتفاقية الطفل العالمية كان هناك تحفظ من جانب مصر على المادتين 21 و22 الخاصتين بالتبنى لأن منحه اسم الأب البديل سيصطدم بالشريعة.
ويضيف أنه دائماً يتم الترويج لنماذج سلبية من خلال الإعلام، والمجتمع يراه «ابن حرام» وقد طالبنا كثيراً بتوفير الرعاية للطفل الذى ترعاه أسرة، خاصة أنه بعد البلوغ وجدنا نماذج تلفظها الأسرة نفسها إذا كان ولداً يثير غيرة الزوج والعكس إذا كانت بنتاً تثير غيرة الزوجة.. لكن هناك نماذج تحظى برعاية أبوية حقيقية وللأسف يخفون عليه حتى حقيقته لحمايته، لكنهم يواجهون معه كارثة لا بد من حصولها عندما يخبرونه بالحقيقة وقد يرفض الولد واقعه الجديد. المشكلة الأكبر أن تلك الأسرة عندما تحاول توفير ضمان لمستقبله فى غيابهم يصطدمون بترسانة من القوانين الرافضة، وعلى سبيل المثال هناك أسر تحاول الحصول للابن على حق المعاش وهذا غير متاح. لأنه يحتاج لموافقة الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية. وطبعاً التبنى مرفوض فى الشريعة الإسلامية.
وكيف يحصل مثلاً على المعاش بدون الصدام بالشريعة فهو ليس إرثاً؟
- من الممكن فتح باب النقاش والحوار من أجل أن يستحق الولد معاش أبيه البديل الذى كفله ورباه لضمان دخل ثابت له من خلال تعديل تشريعى. وهذا ممكن خاصة أنه أدخل تعديلاً إيجابياً على قانون التضامن الاجتماعى يضع الأطفال بلا مأوى ضمن الأطفال الأيتام وهذه خطوة جريئة ومحمودة.
ما وجه التقصير المجتمعى فى هذه القضية؟
- بعد بلوغ الولد أو البنت يضطران لمواجهة الحقيقة وهنا يخرج من حضن الأسرة إلى جحيم الشارع ويواجه المجتمع بكل قسوته. وهنا من الممكن جداً أن ينقلب على المجتمع لأنه لفظه وهو أصلاً يظل يسأل قبل هذه المرحلة. «أنا ليه اسمى مختلف»؟ وعقله يصبح دائم التفكير إلى أن يجد الإجابة الصادمة.
وما الحل من وجهة نظرك ومن خلال الحالات التى قابلتها؟
- لابد أن نفكر فى حلول عملية ويجب أن يصارح الطفل من البداية بالحقيقة ثم نؤهل المجتمع لتقبله بهذا الواقع، لكن للأسف نحن نسير عكس العالم وفى العالم كله هذا الطفل له كل الحقوق سواء من الدولة أو الأبوين اللذين كفلاه وأوروبا تسمح بالتبنى وإيطاليا تبحث عن تشريع لمنح حقوق البنوة للمهاجرين غير الشرعيين الناجين من جنوب المتوسط. ونحن لا نصطدم بالشريعة ولكن نطلب ضمان أقصى الحقوق للطفل، خاصة إذا كان بلا حماية. أما أن نقصر الرعاية على الشو الإعلامى وتمييز الطفل اليتيم سلباً ليشار إليه فى يوم من كل عام فهذا فى منتهى القسوة، وأنا شخصياً لم أشارك يوماً فيما يحدث فى هذا اليوم لأنه يكون فرصة للمتاجرين بقضية الأيتام والأطفال فى هذه الظروف القاسية بشكل عام.
حقوق الطفل
سألت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ الشريعة وعضو مجلس الشعب عن حقوق الطفل على أسرته التى تتكفله وتعارض ذلك مع القوانين الوضعية، فقالت: الإسلام لم يقر مبدأ إلا فى صالح الأسرة والمجتمع المسلم، والناس تعلم أن هناك فرقاً بين التبنى والكفالة وتولى مسئولية طفل رعاية كاملة دون منحه اسم الأب البديل، وذلك حفظاً للأنساب.
لكن المجتمع يذبح هذا الطفل فى كل مكان فى المدرسة، فى النادى، فى كل مكان يسألونه: أنت ابن مين؟
- هذا هو المتاح.. لا نستطيع تخطى أمور معينة لكن من الممكن أن نبذل جهداً للاستنارة ووجود طفل داخل أسرة أفضل من وجوده فى دار الأيتام. ولابد أن يعلم الولد الحقيقة ولكن الحكمة فى كيف نبلغه بها. هذا يتوقف على الفروق الفردية وثقافات الأسر. ومع طيب العشرة ومنحه الحب واكتساب الأبوين ثقة الطفل واحترامه لهما تصبح المسألة أيسر.
متى يعلمونه بذلك؟
- عندما يبدأ فى تعقل الأمور نمنحه الحقيقة فى إطار سيكولوجى حكيم. وهذا رحمة به.
لكن المجتمع سيواجهه بقسوة ووحشية؟
- هم أهله وسيكونون رحماء به والمجتمع أصبح أكثر استنارة عن ذى قبل، صحيح ب«إساءة أدب» لكنه مجتمع متفتح. وهنا يجب أن نؤكد أن التبنى ضد مصلحة المجتمع، ولذا حرّمه الإسلام لأن التبنى أرضى من تبناه الأب والأم البديلان ولم يرض باقى العائلة الوارثة لهم بحكم الشرع، وفى ذلك احترام لباقى الورثة بالنسبة للعصب، وخاصة إذا كان موروثاً من أب وجد فكيف يأتى من ينافسهم؟ لكن من الجائز أن نحدث تعديلاً تشريعياً كأن يوصى الأب البديل بجزء من معاشه لابنه الذى رباه رحمة به ضماناً لمستقبله. والرجل المتبنى لهذا الطفل له أن يكفيه ويرضيه ممكن يوقف له ما يدر له دخلاً أو أن يشترى له شقة يتزوج فيها. لأن الميراث ليس ملكاً له، والشرع هنا واضح حتى لا نجلب مشاعر الكراهية والبغض للطفل بل فى ذلك حماية له.
مفتاح النجاح
أهم الحقوق أن يعلم الطفل الحقيقة، لكن كيف؟ تلك هى المسألة. الدكتور سعيد عبدالعظيم أستاذ الطب النفسى بقصر العينى يجيب عن السؤال الأصعب: بداية عندما تقرر الأسرة احتضان طفل تخلت عنه أسرته الحقيقية لأى سبب ما عليها أن تعى مدى المسئولية الملقاة على عاتقها، وللأسف هناك آباء يقعون فى فخ التدليل المفرط مدفوعة بدفقة عاطفية، نظراً لظروف الولد وظروفهم التى لم تتح لهم إنجاب أبناء، وهنا ننبه إلى أن الاعتدال هو سر النجاح فى تربية هذا الطفل وتأهيله لتقبل واقعه.
كيف؟
- التربية المتوازنة مطلوبة كأى طفل فى ظروف طبيعية لا تدليل ولا قسوة، وبالحب وحده نضمن انتماء الطفل وولاءه وعبوره بسلام أزمة معرفة حقيقة وضعه فى المجتمع.
وكيف يواجه الناس؟
- عادى، هو إنسان متوازن وسيعامله الناس بمدى ما حققه من نجاح وسلوكياته وأخلاقياته.
وعندما يتقدم لخطبة فتاة أو عندما يتقدم شاب لخطبتها؟
- ما المشكلة؟ لن يقبلهم الجميع ولن يرفضهم الجميع. ونحن نراهن على النصف الإيجابى. المجتمع تغير والمفاهيم تغيرت المهم أن يثق هو فى ذاته وأنه لا يعيبه شىء وهو ابن لهذه الأسرة المحترمة التى ربته واحتضنته.
بعض الأسر أكدت لى أنها تخشى تعريف الطفل أنه ليس ابنهما «بالإنجاب»؟
- عليهما ألا يخشيا شيئاً، وأن يتقبلا رد فعله وسيكون غالباً مؤقتاً، ثم ما يلبث أن يتفهم حسب شخصيته وتربيته والحب الذى رضعه من هذه الأسرة. فعليه أن يستمر لأن الحياة لن تقف عند نسبه وحسبه. على الآخرين أن يتغيروا لأنه لم يصنع هذا الواقع. والدراما عالجت كثيراً من هذه الأمور وأشهرها فيلم «الخطايا»، لقد مر البطل عبدالحليم حافظ بصدمة المعرفة، ثم عاش وتقبل وتزوج والحياة لم تقف وتخطى هذه العقبات، الدنيا تغيرت ونجوم العالم يضربون أمثلة ذلك أنجلينا جولى أنجبت طفلين فقط وباقى أولادها تبنتهم ومن أعراق وجنسيات مختلفة.
ماذا لو انقلب الابن على من رباه وتحول لشخص عدوانى؟
- من الجائز أن تتحرك الجينات الموروثة وتفاجئ بشخص غير الذى ربيته، لكن ذلك ممكن أن يحدث لأبنائنا الذين ننجبهم ولأسباب نجهلها.. علينا أن نربى ونبث الحب والقيم ونكفل سبل الحماية النفسية والمادية، سواء من ناحية الأسرة أو المجتمع أو الدولة كلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.