تطورات جديدة طرأت على قضية «حلايب وشلاتين»، ذلك النزاع الحدودي، الذي لا يزال عالقًا بين مصر والسودان منذ آمدًا بعيد، وبين الحين والأخر تخرج الخرطوم للمطالبة بنقل تبعيتهما إلى الخرطوم واعتمادها كدائرة انتخابية سودانية. والجديد في الأمر، هو تصعيد السودان واعلانها بالأمس عن تشكيل لجنة لحسم قضية منطقة مثلث حلايب وأبو رماد وشلاتين الحدودية، واستعادتها من مصر بالطرق الدبلوماسية، والتهديد للمرة الأولى بترحيل المصريين الموجودين في تلك المنطقة، ولم يعد الأمر قاصرًا على تلويحها باللجوء للتحكيم الدولي. وقال عبدالله الصادق، رئيس اللجنة الفنية لترسيم الحدود بالسودان، أول أمس، إن وزارة الخارجية دعت عدة أطراف تشمل وزارات العدل والداخلية والخارجية ودار الوثائق القومية واللجنة الفنية لترسيم الحدود، مضيفا أن اللجنة عقدت اجتماعًا تمهيدًا لوضع خارطة طريق بشأن كيفية إخراج المصريين من المنطقة بالطرق الدبلوماسية. وجاء تصعيد السودان بعد أيام قليلة من زيارة موزة بنت ناصر، والدة أمير قطر، إلى الخرطوم ولقائها الرئيس عمر البشير وتفقد حضارة المروى وأهرامات البجراوية في الشمال، وبالتزامن مع تهديد حكومة السودان بالرد بكل جدية وحسم، على ما اعتبرته اساءة إلى آثار وحضارة السودان وضيوفها، وزعمت بأن الحضارة السودانية أقدم من المصرية بألفى عام، عقب سخرية اعلاميين مصريين من زيارة موزة للاهرامات السودانية. وفي هذا السياق، اعتبر الخبراء أن تصريحات الجانب السوداني الأخيرة، حول حلايب وشلاتين مبالغ فيها ولن تؤثر على مصر تاريخ وحضارة، مؤكدين في تصريحات خاصة ل "بوابة الوفد"، أن تلويح السودان بترحيل المصريين مخالف للقانون باعتباره تعديا على السيادة المصرية. الدكتور إبراهيم أحمد، أستاذ القانون الدولي، قال إن حديث السودان عن ترحيلها للمصريين الموجودين في حلايب وشلاتين، لا يمكن أن تطبيقه على أرض الواقع، لأنها ليست لها سلطة أو سيادة عليها، كما أن ذلك بمثابة تعد على السيادة المصرية. وأضاف، حتى لو كان للسودان سيادة على مثلث حلايب وشلاتين، فإنها لا يمكنها ترحيل أى شخص منها، لأن ذلك يعتبر نوع من التطهير العرقي، الأمر الذي يعد مخالفًا للقانون الدولي ولوائحه. وتابع أحمد، أنه لا يمكن للسودان أن تلجأ للتحكيم الدولي، لأن ذلك يستلزم موافقة الدولتين على تسوية النزاع دوليًا، حيث لا تملك دولة القرار بمفردها، مؤكدًا أن تغيير الوضع لا يمكن أن يتم بالارادة السودان، ولكن لابد من تشاروها مع الحكومة المصرية قبل أي خطوة. وأشار إلى أن السودان يتوجب عليها تقديم طلباتها للحكومة في مصر قبل اتخاذ أي اجراءات، يمكن أن تعتبرها القاهرة معادية، بما يؤدي في نهاية المطاف إلى إلى تعميق الخلافات والنزاعات بين البلدين. وذكر السفير أحمد أبو الخير، مساعد وزير الخارجية السابق، أن قضية حلايب وشلاتين دائمًا ما تثيره السودان من وقت لآخر، بالرغم من العلاقات الوثيقة بين البلدين، وذلك على الرغم من وجودهم داخل الحدود والأراضي المصرية. ورأى أن هذا التصعيد من فترة لأخرى يؤكد بأن السودان مدفوع من جهات خارجية وقوى عربية واقليمية، التي تعمل ضد مصر، لإثارة هذه القضية، بهدف الاساءة للقاهرة وإثارة المشاكل أمامها. واعتبر جمال أسعد، المفكر السياسي، أن موقف السودان الأخير تطرف ومبالغة، خاصة أنها لن تستطيع تنفيذ ما تقوله من تصريحات، الخاصة بترحيل المصريين من حلايب وشلاتين أو اللجوء للتحكيم الدولي. وأكد أن تصعيد السودان يؤكد خضوعها لقطر والامدادات المالية التي تقدمها لها، وانجرارها للدوحة في مواجهة مصر، خاصة أنها جاءت بعد زيارة الشيخة موزة بأيام قليلةللسودان، ولكنها لن تؤثر على مصر تاريخ وحضارة، متسائلًا منذ متى وكانت السودان تحكم مصر أو أن حضاراتها وأهراماتها أقدم؟. وأشار إلى أنه كلما تأتي مشكلة للبشير يكون الحل من وجهة نظره هو تصعيد العلاقات مع مصر، للتغطية على مشاكله الحتمية والمعقدة في نظامه السياسي، مشددًا على ضرورة تظل مصر والسودان تحت أى ظرف وأى نظام سياسي، لابد أن يكونوا الأقرب دائمًا بعضهما إلى بعض. وكانت السودان، قد سبق وجددت ، شكواها لدى مجلس الأمن الدولي بشأن الحدود مع مصر وتبعية "مثلث حلايب للسودان"، في يناير الماضي، وفي أبريل الماضي، رفضت القاهرة طلب الخرطوم التفاوض المباشر حول تلك المنطقة المتنازع عليها بين البلدين منذ عقود، أو اللجوء إلى التحكيم الدولي. وفي فبراير الماضي، اتهم الرئيس السوداني عمر البشير، القاهرة بدعم حكومة دولة جنوب السودان، التي انفصلت عن السودان في يوليو 2011، وهو ما نفته مصر، مؤكدة أنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.