صدر حديثا عن المركز القومي للترجمة النسخة العربية من كتاب "الطبقة العليا بين ثورتين 1919-1952" من تأليف ماجدة بركة وترجمة محمود ماجد. يُعد الكتاب دراسة من الدراسات التي يُمكن أن يكون لها دور في تنمية الدراسات الاجتماعية في تاريخنا المعاصر، الذي كان يجري التأريخ له على أساس النظر إلى حركة الجماعة السياسية في عمومها، وإلى مقاومتها للسيطرة الأجنبية نفوذا واحتلالا. وقد بدأت الدراسات التاريخية للجماعات الفردية في المجتمع مع تحقق قدر مهم من الاستقلال للإرادة السياسية الوطنية، فتنوعت الدراسات وتعددت وجوه النظر إلى الجوانب المختلفة لحركة المجتمع. وما كان يعيب هذه الدراسات التاريخية الاجتماعية أنها في استغراقها لتحديد ما تتميز به جماعة اجتماعية مُعينة عن غيرها، تكاد تكون عزلت الجماعة المدروسة عن غيرها من الجماعات، وفصلت بينها وبين سياق حركة المجتمع وتفاعله مع قضاياه الشاملة. ويدور الكتاب حول الطبقة العُليا المصرية في النصف الأول من القرن العشرين ومحاولة سد الفجوة في هذه الناحية، حيث يتناول إدراك هذه الطبقة للأمور ووعيها وخطابها وأسلوبها في الحياة وسلوكياتها. وترى المؤلفة أنه ساد استخدام فكرة "الطبقة" خاصة الطبقة العليا في آخر الكتابات التاريخية المصرية ملمحان رئيسيان مفسدان، الأول: افتراضات آلية مُتعلقة بالخصائص الاجتماعية والاقتصادية، مثل افتراض أن الانتماء إلى "الطبقة العليا" يعني تملك عزبة من حجم معين اعتباطًا؛ والثاني: الافتراض ذو الدوافع السياسية الذي تعود بدايته إلى أربعينات القرن الماضي فصاعدًا، بأن أعضاء الطبقة العليا استغلوا فلاحيهم وأنهم يتحملون المسئولية عن تخلف الريف. وقد كان الأمر فيما يخص الافتراض الأول أن كبار الملاك هم هؤلاء الذين يملكون ما يزيد على خمسين فدانًا، ولكن الفصل الأول في الكتاب يُناقش المغالطة التي ينطوي عليها أي تحديد لمثل هذه العتبة الاحصائية للملكية الكبيرة للأرض في بيئة اقتصادية متغيرة. أما فيما يخص الافتراض الثاني فقد تأثرت الكتابة التاريخية المصرية بشدة بسياقها السياسي الثقافي، فلم يكن التاريخ السياسي الدبلوماسي المكتوب في عهد الملكية في مصر ( 1919-1952) معنيًا بقضية الطبقة، وكان عامل التغيير الفاعل لديه هو الفرد المنتمي إلى نخبة علمية أو دينية أو نخبة أخرى. كان يقدم القادة السياسيين والمصلحين الاجتماعيين في صورة متكلفة من العظمة والبطولة وبطريقة أبوية، وباعتبارهم تجسيدًا لنوع من العبقرية. وتُشير المؤلفة إلى أن الطبقة العليا المصرية أدينت ووصفت بالرجعية، وكانت وجهة النظر السائدة عنها أنها كانت في الميدان الاقتصادي استغلالية، أما في الساحة السياسية فإن خوفهما من أن يؤدي اتساع الراديكالية القومية للجماهير إلى الإضرار بمصالحها الطبقية جعلها تنأى بنفسها عن الأساليب الثورية، وتتبنى نهجًا طويل الأجل في سعيها للحصول على استقلال البلاد. ويرصد الكتاب اسلوب حياة الطبقة العليا على أساس مصادر أولية متنوعة جوانب مختارة من أسلوب الحياة، هي تحديد أنماط الاستهلال والحياة الأسرية والبيوت وقضاء أوقات الفراغ، ويظهر كيف طورت الطبقة العليا أسلوبًا ميزها عن سائر الطبقات سواء في الريف أو في الحضر، فقد حضّرت الطبقة العليا الريفية، وأصبحت إلى حد كبير مغتربة عن أصولها الريفية، بينما أصبحت الطبقة العليا الحضرية أميل إلى الأساليب الغربية بما كان غريبًا عن أذواق الطبقة المتوسطة المحافظة. يُذكر أن مؤلفة الكتاب ماجدة بركة تخرجت في الجامعة الأمريكية، وحصلت على درجة الماجستير في دراسات الشرق الأوسط من الجامعة نفسها. وترجمت بعض النصوص من الانجليزية أهمها كتاب "السلطة والرخاء" لمنصور أولسون.