المكانة الخاصة التى حظيت بها شخصية «رأفت الهجان» فى الوجدان العربي والمصرى لم تنلها أى شخصية أخرى، وذلك لأنها أظهرت بطولة استثنائية لجهاز المخابرات المصرى الذى استطاع زرع عميل له في قلب المجتمع الإسرائيلي يعيش كمواطن إسرائيلي يتصرف نفس تصرفاتهم ويقوم بكل الطقوس التي يقوم بها أى يهودى هناك. وعلى الرغم من مرور أكثر من خمسة وثلاثين عاماً على وفاته، حيث توفي «الهجان» فى ألمانيا عام 1982، فإنه ما زال لغزاً يحير الكثيرين، وتدور حوله علامات استفهام كثيرة هل كان رأفت الهجان عميلاً للمخابرات المصرية فقط؟ أم كان عميلاً مزدوجاً؟ وخرجت علينا صحيفة «ها آرتس» بتقرير مطول عن العميل المصري الذى اخترق المخابرات الإسرائيلية، وهذه هى المرة الاولى التى تتطرق فيه الصحافة الإسرائيلية للحديث عن رأفت الهجان.. حيث نشرت صحيفة «ها آرتس» الإسرائيلية معلومات جديدة ومثيرة حول رفعت الجمال، الذي قدمه مسلسل «رأفت الهجان» كعميل مصري اخترق المخابرات الإسرائيلية. وزعمت هاآرتس أن رأفت الهجان أو رفعت الجمال كان في الواقع عميلاً مزدوجاً عمل بشكل أساسي لصالح تل أبيب، وأسهم في تمكين إسرائيل من الانتصار في حرب 1967. وزعم معلق الشئون الاستخباراتية في ها آرتس (عوفر أدرات) أن المخابرات المصرية أرسلت رفعت الجمال إلى إسرائيل منتصف الخمسينيات بشخصية يهودي يحمل اسم (جاك بيتون)، لكنه سرعان ما تم الكشف عنه واعتقاله. ونقل «أدرات» عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها، إن ضابط المخابرات الإسرائيلي مردخاي شارون الذي تولى التحقيق مع «الجمال» بعد اعتقاله عرض عليه أن يتم إطلاق سراحه مقابل أن يعمل لصالح إسرائيل، فوافق. وبحسب المصادر، فإن «مردخاي» كان يطلب من «الجمال» نقل معلومات مضللة عن إسرائيل ونواياها للجانب المصري، مشيرة إلى أن «مردخاي» كان يستمع للحوار الذي كان يتم بين «الجمال» ومشغليه من المخابرات المصرية. وزعمت المصادر، أن المخابرات الإسرائيلية سعت لإقناع المخابرات المصرية بضرورة الاعتماد على المعلومات التي كان يرسلها «الجمال»، فقامت بإعطائه معلومات حقيقية حول موعد شنها حرب 1956، مستدركة بأن «الجمال» أبلغ الجانب المصري بموعد شن الحرب قبل يوم فقط من اندلاعها حتى لا يكون بوسع الجانب المصري القيام باحتياطات تؤثر على مسار الحرب. وزعمت المصادر الإسرائيلية أن تل أبيب استغلت الثقة التي اكتسبها «الجمال» لدى المخابرات المصرية وقامت بتزويده بمعلومات مضللة بشأن حرب 1967، حيث طُلب منه التأكيد للجانب المصري على أن إسرائيل لا تنوى في هذه الحرب استهداف سلاح الجو المصري، مع أنه تبين أن الحرب بدأت بقيام إسرائيل بضرب كل المطارات المصرية، ما مكنها من تحديد حوالي 80% من قوة سلاح الجو المصري. علي الجانب الآخر، أكد اللواء محمد رشاد، نائب رئيس جهاز المخابرات المصرية السابق، أن ما نشرته صحيفة ها آرتس هو دعاية مغرضة، مؤكداً أن رأفت الهجان كان عميلاً مصرياً 100% وتم تأهيله للعيش فى إسرائيل بمعرفة جهاز المخابرات المصرية، حيث تم تهويده حتى يستطيع الانصهار داخل المجتمع الإسرائيلي، وبالفعل نجح «رأفت الهجان» فى هذه العملية، واستطاع التعايش كمواطن إسرائيلي ونقل لمصر معلومات وخدمات كبيرة. وأكد «رشاد» أن الهجان لم يكن عميلاً مزدوجاً، كما تروج إسرائيل وقال: «هذا ادعاء كاذب الغرض منه إثبات أن جهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد» أقوى من جهاز المخابرات المصري، ولكن عملية زرع «الهجان» كانت من أصعب وأنجح العمليات التى قام بها جهاز المخابرات المصري على الإطلاق». وأشار «رشاد» إلى أن ما تم الإفصاح عنه فى المسلسل الشهير الذى قام ببطولته الفنان الراحل محمود عبدالعزيز أقل بكثير من الخدمات الحقيقية التى قدمها رأفت الهجان لوطنه مصر. ورفض اللواء جمال أبوذكرى، الخبير بجهاز الأمن القومي السابق، ما جاء فى تقرير ها آرتس، وأكد أن رأفت الهجان كان فعلاً عميلاً مزدوجاً، ولكن لصالح جهاز المخابرات المصرية، ولم تكتشفه إسرائيل حتى وفاته، وأن ما جاء فى المسلسل حقيقى، وقال «أبوذكرى»، إنه عندما أذيع المسلسل لأول مرة خرجت إدانات كبيرة فى الشارع الإسرائيلي ضد الموساد، وهذا ما يبرر حرص إسرائيل حتى الآن على تشويه صورة «الهجان» لتحسين صورة جهاز الموساد أمام الشارع الإسرائيلي. وقد أعدت «ها آرتس» هذا التقرير بمناسبة مقتل مردخاي شارون (91 عاماً) قبل أسبوعين عندما كان يقود دراجته الهوائية فى شارع 531 بالقرب من مدينة «هرتسليا» بعد أن صدمته سيارة في حادث غامض شمالي تل أبيب. ونوهت «ها آرتس» بأن إحدى أهم العمليات التي نفذها «مردخاي» تمثلت في تصفية العميد مصطفى حافظ، مدير الاستخبارات العسكرية المصرية في قطاع غزة عام 1956، حيث كانت إسرائيل تتهمه بالمسئولية عن تنظيم وإرسال خلايا فدائية لتنفيذ عمليات في العمق الإسرائيلي انطلاقاً من قطاع غزة. ونقل «أدرات» عن «مردخاي» قوله في مقابلة سابقة أجرتها معه صحيفة «معاريف» أنه نجح في تجنيد عميل على علاقة مباشرة بحافظ، قام بإهدائه ترجمة كتاب هتلر «كفاحي» مغلفاً بغلاف متفجر، حيث انفجر الغلاف بمجرد أن حاول حافظ فتح الكتاب. وبحسب «أدرات»، فقد اشتهر «مردخاي»، الذي كان يلقب ب«موتكا» بشكل خاص بتجنيد العملاء من الفلسطينيين والعرب، حيث إنه كان يوظف العملاء في جمع المعلومات عن العالم العربي؛ علاوة على استخدام عملاء مزدوجين في تضليل الدول العربية، ناهيك عن توظيفهم في تنفيذ عمليات تصفية شهيرة. والجدير بالذكر أن مردخاى شارون تتلمذ في صغره في روضة أطفال كان يديرها الحاخام نتان ميليكبسكي، جد رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو في مدينة «هرتسليا»، في حين درس في المرحلتين الابتدائية والثانوية مع صديقه أرئيل شارون، الذي أصبح فيما بعد وزيراً للدفاع ورئيساً للوزراء. وفي مواجهة العملاء؛ فقد عمل مردخاي شارون بأسماء عربية مستعارة مثل «مراد» و«أبورياض». وقد امتدحه أرئيل شارون كثيراً حيث قال عنه «إنه أكثر من عرف العرب».