إذا أنكر كل منا أنه «يهوذا» فمن الذي ذبح مصر العذراء، وتركها مصلوبة في الفضاء.. تتألم مابين الأرض والسماء، في الوقت الذي ينعم كلنا بما فيها من خير وعطاء، ولا نكن لها غير حب وولاء! والذي يحدث أنه لا يوجد شعب في العالم يتغني بوطنه ويردد له الأناشيد والشعارات كما يفعل أهل مصر.. ولا نجد في المقابل إلا ممارسات آثمة مجنونة تظهربعكس ما تنطق به الأفواه كما لو كان أصحابها عن هذا الوطن غرباء؟! وتفسير ذلك أنه كيف يمكن أن يتفق هذا الحب والولاء لمصر مع ارتكاب جريمة خسيسة كحرق المجمع العلمي المصري مع أن مرتكبيها سواء بفعل اليد أو المحرضين عليها أو المخططين لها قد أقدموا عليها وهم يعلمون جيدا أنه تدمير لحضارة مصر وتراثها، ولكتابها وفصولها، ولأصلها وفصلها، ولعزتها وشرفها، ولنفسها وروحها، ولعبقها وترابها! أي كيف نلحن الأغاني في حب مصر ثم نقدم بحرق واحد من أثري أمهات الكتب وهو «وصف مصر»! ومن قبل قمنا بحرق الأوبرا القديمة زينة مصر المحروسة التي أقامها خديو مصر الراحل إسماعيل باشا الذي كثيرا ما تغني بمصر ثم دلل علي حبه لها بالفعل.. وهكذا كان كل رجالات مصر العظام في عهد الزمن الجميل هذا الزمن الذي افترينا عليه وعلي أصحابه وأقمنا بدلا منه زمنا أسود بحماية القتلة واللصوص!! هذا خلاف عمليات سرقة الآثار لأجل تهريبها أوبيعها رغبة في الحصول علي المال.. وأي مال هذا أيها الخونة المجرمون مهما بلغ قدره أمام قطعة أثرية واحدة صغيرة!! لو كنا نحب مصر حقيقة لوضعنا تشريعا من قبل يجعل عقوبة الإعدام هي العقوبة العادلة لكل من يعتدي علي ما يخص قدسية مصر ممثلا في كل وجوه التراث الوطني، مهما كان قدره ولو كان رئيس الدولة نفسه ولو أقمنا مثل هذا التشريع بين نصوص القانون بدلا من إطلاق حنجرتنا للغناء لكان أنفع لمصر وأجدي. إننا دائما نكتفي بالكلام سواء بالغناء أوالمديح أو الطرب بالموال.. ثم نترك الأمور علي حالها حتي تحدث الكارثة.. وتتكرر؟! ثم نقف لنتباكي ونتفنن في ذلك حتي نسكب فيهادموعا بالدراما.. ومن المدهش أننا نقدم في هذا المجال المخزي أعمالا درامية ناجحة؟! وكل ذلك يحدث دون المواجهة مع النفس أو الغير بضرورة ما ينبغي أن يفعل درءا للتكرار؟! إننا نحيا حالات هروب من الفعل..وهروب من الفكر العملي الناجح، وحتي نظل قانعين بالشجب والاستنكار مع الإصرار بأن الغير دائما هو «يهوذا» بما يجعلنا دائما في حالة «محلك سر» أو تخلف. إن قدرنا في صفحة التاريخ كبير وعال ومنذ أزل التاريخ فلماذا نحط من أنفسنا بارتكاب مثل تلك النوعية من الجرائم حين ندمر مايميزنا عن غيرنا حضاريا. ويبقي السؤال: مَن مِن بيننا الذي ذبح مصر العذراء؟ وبوّر الأرض الخضراء، وأحال نفوسنا الي نار حمراء.. ثم اكتفينا أن قبضنا عليه وحبسناه، وكأن الفرد هو إله وما عداه من المتهورين أو القتلي عبيد وإماء؟! توفيق أبوعلم