يجاهر الانسان بكلمات الحب أحيانا دون أن يعنيها, مادمت لن تكلفه شيئا علي الصعيد العملي, ويعتبرها في النهاية مجاملة رقيقة لا تضر, وإن كانت لاتنفع أيضا!!. لكن ذلك في تقديري أمر غير مقبول, طالما أن هذا الانسان ليس علي استعداد للقيام بما يفرضه ذلك الحب من سلوك تجاه الحبيب. يستوي في ذلك أن يكون الحب علي المستوي الشخصي أو علي المستوي العام, والأخير يتسع ليشمل مسقط رأس الانسان مثلا أو المنزل الذي يعيش فيه مع أهله وجيرانه والحي والمدينة والوطن بأسره وربما القومية التي ينتمي إليها مع شعوب أخري شقيقة. فمن يحب إنسانا أو وطنا, يتعين عليه أن يحافظ علي شعوره وأن يرعي مصالحه ويهتم بشئونه ويحمل همومه ويضحي بنفسه من اجله اذا تطلب الأمر, كما انه يجب أن يري الحبيب دائما في أبهي صورة وأتم صحة, آمنا مطمئنا ينعم بحياة رغدة ومستقبل باهر. أما أن يكون الحب مجرد كلمات أغان وهتافات ومزايدات لاتتجاوز الحناجر, فإننا نقول لصاحبه شكرا لا حاجة بنا إلي حبك لأنه كلام فارغ! وأقول إنه آن الأوان لكي نقدم نحن عشاق مصر, الذائبين صبابة في هواها والمتيمين بترابها, الدلائل العملية الملموسة علي صدق هذا الشعور, خاصة بعد الثورة, فلا يزال حبنا كلام أغان, ولانزال نقوم بتبوير الأراضي الزراعية والبناء عليها بل بمعدلات أسرع ونحارب الخضرة في كل مكان, ولم نزل نلوث مياه النيل ونلقي بالمخلفات في شريان حياة المصريين, وها هي أكوام القمامة تعلو أكثر, بينما نحن كسالي نتفنن في الهروب من العمل ونحترف القيام بالإجازات, ومؤخرا أضفنا حيلة الاعتصامات!. لو أننا نحب مصر بحق, فإنها ستعود لتفيض بالخيرات من أرضها الطيبة المذكورة في القرآن الكريم, ولو أننا نعشق بجد تراب الوطن, فسوف يزداد الناتج القومي ويعتدل الميزان التجاري ونصدر أكثر مما نستورد ونتوقف عن أخذ المعونة الأمريكية المهينة! وإذا كنا نحب مصر فلن نبلل علمها بدموع الحب أو نرسمه علي وجوه أطفالنا في ميدان التحرير, بل إننا سوف لن نكسر إشارة المرور, حتي في غياب العسكري ولن نمشي في الممنوع ثم نتبجح مع رجل المرور أو نلهفه قلمين!. وستعود شوارعنا نظيفة تغسل بالماء والصابون, وسوف تنتشر دورات المياه في الحدائق العامة دون أن تزكم رائحتها الأنوف.. باختصار سوف نجعل مصر دولة متقدمة كما كانت قبل ثورة 23 يوليو. لقد كنا نبرر خطايانا لأنفسنا بأن البلد (بتاعتهم) وليست بلدنا, في إشارة للحكام المستبدين, والآن ليس لدينا حجة فالبلد أصبحت (بتاعتنا), خيرها لنا وفقرها كذلك, نظافتها لنا وقذارتها أيضا, تقدمها أو تخلفها لنا ولأولادنا من بعدنا. المزيد من أعمدة عصام عبدالمنعم