«شريان الموت والمرض للمصريين».. هكذا تغير وصف نهر النيل فى محافظة الغربية من لقب شريان الحياة، بعد أن اختلطت مياهه بمخلفات المصانع الكيماوية السامة المقامة على ضفتيه، وتعد قرية الفرستق مركز بسيون بمحافظة الغربية، نموذج حى على تلوث مياه نهر النيل بشكل بات السكوت عليه جريمة فى حق الجميع. وتتفاقم المشكلة فى قرية «الفرستق»، نظرًا لأنها تعتبر مصب مصرف الرهاوى «مياه النيل فرع رشيد» الذى يبدأ من الجيزة مرورًا بقرى المنوفية وانتهاء بقرية الفرستق فى الغربية، ويأتى فى رحلته من الجيزة إلى الغربية محملًا بمخلفات مئات المصانع لينتهى به المطاف عند قرية الفرستق، لتبدأ مأساة آلاف المواطنين الذين يعيشون فى تلك القرية، ويعانون من أمراض خطيرة، مثل الفشل الكلوى والالتهاب الكبدى الوبائى وفيروس سى وغيرها نتيجة للاختلاط المياه الملوثة ومياه الصرف الصحى بمياه الشرب. وزاد من مأساة أهالى تلك القرية التى يعمل أهلها فى الصناعة والزراعة وصيد الأسماك ظاهرة نفوق الأسماك فى مياه نهر النيل، بسبب ارتفاع نسبة الأمونيا الناتجة عن زيادة المخلفات الكيماوية فى المياه لتتكرر تلك الظاهرة مرة أخرى، فى غضون شهور قليلة، ففى منتصف شهر سبتمبر الماضى غطت الأسماك النافقة سطح مياه نهر النيل، وادعى المسئولون عن مدينه بسيون وفى المحافظة اتخاذهم إجراءات عاجلة وفورية لا يعلم المواطن الغلبان ماهيتها، لتعود الظاهرة وتتكرر من جديد بشكل خطير ويهدد بإقالة وزير البيئة نفسه. وتشتهر قرية الفرستق بصناعات كثيرة منها صناعة الطوب الطفلى (الأحمر) والطوب الأسمنتى والطوب الفرعونى، كما يوجد بها أيضًا مصانع كثيرة تنتج الدهانات من الجرانيت والجرافيت والبلاستيكات وغيرها من مواد الدهانات، كما تشتهر أيضًا القرية بصناعة المواسير الفخارية التى كادت تنقرض وكذلك عمل الخزفيات والفخاريات، حيث توجد بها مصانع خزف كثيرة تنتج الخزف الفخارى والأنتيكات الفخارية التى تصدر إلى دول أوروبا.. ورغم كل ذلك فإن تلك الصناعات تحولت وبالاً على أهالى القرية بسبب ملوثات تلك المصانع التى يتم إلقاؤها مباشرة فى النيل. «موت وخراب ديار».. هكذا يصف أهالى القرية حالهم بسبب تلوث مياه نهر النيل الذى يعتمد عليه قطاع كبير من الصيادين فى رزقهم بسبب نفوق الأسماك، نظرًا لتلوث مياه نهر النيل بمخلفات المصانع وانبعاث رائحة كريهة منه، ما يتسبب فى انقراض أنواع معينة من الأسماك التى لا تتحمل المعيشة فى مياه ملوثة بالكيماويات، كما أن الأسماك التى تنجو من الموت وتصل إلى المستهلك تكون محملة بالأمراض لأنها تربت فى مياه ملوثه وتسبب أمراضًا خطيرة. ويرجع العاملون فى البيئة بمحافظة الغربية ظاهرة نفوق الأسماك نتيجة ارتفاع نسبة الأمونيا، بسبب السدة الشتوية وانخفاض منسوب المياه، وصرف مخلفات الصرف الصحى والصناعى بالنهر، وإلقاء مخلفات مصرف الرهاوى على نهر النيل فرع رشيد. ووصف عوض محمد، صياد من القرية، الوضع بالخطير، لأن ظاهرة نفوق الأسماك تكررت فى غضون شهور قليلة، مؤكدًا أن جميع المصانع تلقى بمخلفات كيماوية سامة من شأنها القضاء على الثروة السمكية بشكل نهائى، فضلًا عن تعرض كثير من المواطنين لأمراض الفشل الكلوى وفيروس سى نظرًا لتناولهم أسماكاً متشبعة ومتربية على تلك المواد السامة. وهدد الصيادون بتنظيم وقفة احتجاجية أمام مبنى المحافظة احتجاجًا على نفوق مئات الأطنان من الأسماك بمياه نهر النيل وزيادة نسبة ملوحة المياه التى تسببت فى موت الأسماك التى تعيش فى مياه عذبة، وطالبوا بسرعة قيام الأجهزة المحلية والمحافظة والرى بتعويضهم عما أصابهم من أضرار وخسائر فادحة نتيجة مخالفة أصحاب المصانع للقانون. من جانبه، قال الدكتور جمال الصعيدى، رئيس جهاز شئون البيئة بالغربية، إنه تم تشكيل لجنة عاجلة من جهاز شئون البيئة بالغربية بالتنسيق مع إدارة البيئة بمجلس مدينة بسيون ومديرية الرى لبيان أسباب نفوق الأسماك بنهر النيل فرع رشيد أمام قرية الفرستق مركز بسيون. وأشار إلى أن النتائج الأولية التى توصلت لها اللجنة هو أن منسوب مياه فرع رشيد ارتفع أكثر من منسوب المياه المنصرفة من القناطر الخيرية، ما تسبب فى زيادة نسبة الأمونيا فى المياه التى يترتب عنها تسمم الأسماك.