استجمع قوي ذاكرتك، وارجع الي شهر فبراير الماضي، وحاول أن تتذكر أهم حدث في هذا الشهر؟.. نعم.. إنه «خلع مبارك» وإسقاطه من عرش مصر.. حاول مرة أخري أن تتذكر الحديث التالي في الأهمية بعد خلع «مبارك» وأيضا وقع في شهر فبراير الماضي؟ ..حاول مرة ثانية وثالثة ورابعة. إذا لم تتذكر فلا تبتئس ولا تحزن، فالنسيان هو طبيعتنا نحن المصريين، وتلك هي النقطة السحرية التي يستغلها كل المسئولين.. فيعدون اليوم بما لا يستطيعون تحقيقه أبدا، ويغالون في وعودهم، استنادا إلي أن كل تلك الوعود والعهود ستتبخر من عقول المصريين بعد شهور قليلة وستصبح نسياً منسياً. علي كل الأحوال دعني أذكرك بحدث جلل وقع في فبراير الماضي وسيطر علي أحاديث كل المصريين وتصدر الصفحات الأولي لكل الصحف، والفقرات الرئيسية لكل برامج التوك شو.. إنه إعلان وزارة المالية عن تلقي طلبات التوظيف من جميع العاطلين الباحثين عن فرصة عمل، ووقتها تدافع ملايين المصريين لتقديم هذه الطلبات التي اشترطت الوزارة ان تكون مصحوبة بصورة المؤهل الدراسي وشهادات الدورات التدريبية التي حصل عليها المتقدم. بعض المتقدمين أرسلوا طلباتهم وصور الشهادات المطلوبة عبر الإنترنت إلي موقع وزارة المالية، والغالبية العظمي فضلوا إرسالها بالبريد بعد شراء نموذج طلب التقديم ب «جنيه»، وسداد 30 قرشا للبريد العادي و180 قرشا للبريد المسجل و280 قرشا للبريد بعلم الوصول و170 قرشا للبريد السريع وبعض هؤلاء لم يجد طلبات التعيين في البريد فاضطر لشرائها من مافيا استغلال الأزمات في مصر التي باعت الطلب ب 5 جنيهات و10 جنيهات أحيانا. بعض أصحاب النوايا الحسنة أصروا علي ان يتوجهوا بأنفسهم لمقر وزارة المالية لتقديم الطلبات والأوراق المطلوبة يدا بيد، وتحمل هؤلاء الوقوف بالساعات في طوابير طويلة حتي يصلوا إلي موظفي وزارة المالية فيسلموهم الطلبات وهم يمنون أنفسهم بوظيفة ترحمهم من جحيم البطالة ومن نار الإحساس بالضياع. وفي النهاية وصل عدد من تقدموا بطلبات توظيف حوالي 5 ملايين شاب، وهؤلاء أنفقوا ما يقرب من 150 مليون جنيه مقابل تصوير مسوغات التعيين ودفع الرسوم المطلوبة لقبول الطلبات، ليتجمع لدي وزارة المالية أطناناً من طلبات التوظيف. حدث هذا قبل أكثر من 300 يوم.. فما الذي حدث بطلبات التعيين تلك خلال هذه الفترة الطويلة؟.. هذا ما رحت أبحث عنه في وزارة المالية. وبعدأن «دخت» السبع «دوخات» بين مسئولي الوزارة الذين يجلس بعضهم في مبني «A» وبعضهم الآخر في مبني «B» بالوزارة اكتشفت أن أغلب مسئولي الوزارة ينسون هذه الطلبات تماما.. فكلما سألت مسئولا عنها يقتضب جبينه ويشرد بعيداً لبرهة من الوقت ثم يقول وكأنه تذكر حدثا وقع في العصر الحجري .. آآآآآه.. طلبات التعيين دي اللي كانت أيام الدكتور سمير رضوان.. ياااااه دي حاجات قديمة أوي وبصراحة معنديش معلومات عنها.. وبعدها يتبسم ابتسامة صفراء ويقول «أنا مقلتش لك حاجة.. بالله عليك لا تذكر اسمي في الجورنال»! حتي مسئولو الإعلام بالوزارة لم أجد لديهم أية معلومات عن مصير 15 مليون طلب توظيف قدمهم الشباب للوزارة.. فقط طلبوا ان اكتب لهم إيميلي علي البريد الإلكتروني ورقم هاتفي علي وعد بان يرسلوا لي بيانا مفصلا بمصير هذه الطلبات عندما يعرفون أي معلومات عنها!.. فعلت ما طلبوه مني ولكن حتي الآن لم يأتني منهم حس ولا خبر! مسئول بأمن الوزارة بعد أن استحلفني بالله -ألا أذكر اسمه - أكد لي أن كل طلبات التوظيف في الحفظ والصون ويتم حفظها في مخازن الوزارة. سألته: يعني تم حفظها وخلاص انتهي الأمر؟ - فقال: بصراحة معرفش.. بس اللي أعرفه أن الطلبات محفوظة في المخازن. عاودت التنقل بين مكاتب وكلاء وزارة المالية لعلي أجد إجابة علي سؤالي حول مصير طلبات التعيين التي تقدم بها 15 مليون شاب مصر يقبل 300 يوم. وفي النهاية وجدت إجابة سؤالي لدي مسئول كبير بالوزارة - طلب هو الآخر - عدم ذكر اسمه وقال «عدد الطلبات التي وصلت إلي 15 مليون طلب، تم تجميعها علي كمبيوتر الوزارة وطبعها في كتيبات». وأضاف «أرسلنا هذه الكتيبات والبيانات إلي كل وزارات مصر وطلبنا منها اختيار ما تراه مناسبا لشغل الوظائف الشاغرة بها وفعلنا نفس الأمر مع 3 آلاف شركة ومؤسسة خاصة. سألته: وكم عدد من تم تعيينهم حتي الآن؟ - فقال بحزن: اتنين. قلت: 2 مليون. - فقال: اتنين.. اتنين.. واحد وواحد فقط لا غير. قلت: من 15 مليون متقدم تم تشغيل اثنين! - قال: للأسف فقط.. وكانا من ذوي الاحتياجات الخاصة وكلاهما رق قلب الدكتور سمير رضوان - لحالهما - فأصدر قرارا بتعيينهما في وزارة المالية عندما كان وزيرا للمالية وفيما عدا هذين الاثنين لم يتم تعيين أحد آخر وردت علينا كل الوزارات والشركات بانه ليس لديها وظائف شاغرة. سألته: إذن الحكاية منذ البداية كانت ضحك علي الناس ودغدغة لمشاعرهم؟ - فقال: لا.. والله.. الدكتور سمير رضوان كان عنده خطة لتعيين العاطلين تبدأ بحصرهم أولا في وزارة المالية وكل وظيفة تخلو في الحكومة أو يحتاجها القطاع الخاص يطلبها من وزارة المالية فترشح له الوزارة من يمكنهم شغل الوظيفة وتجري مسابقة بينهم لاختيار أفضلهم، ويتم هذا بالتعاون مع وزارة القوي العاملة. قلت ولكن شيئا من هذا كله لم يحدث. - قال: ما خلاص الدكتور سمير رضوان ساب الوزارة.. والفكرة اتجمدت.