لن أضيف شيئًا جديدًا إذا قلت إننا فى مصر لا نمتلك صناعة معارض ولكن لابد أن أقول إننا نمتلك كثيرًا من الصناع المهرة من القطاع الخاص القادرين على الاشتراك فى أرقى وأضخم المعارض العالمية فى شتى أنحاء العالم والوصول بمنتجاتهم إلى الأسواق الكبيرة.. الأمر الآخر أننا نمتلك كثيرًا من أصحاب العقول المفكرة والموهوبة والقادرة على تنظيم أجنحة مصرية فخمة تشعرك وكأن من قام ببناء وتنظيم الجناح المصرى بدرجة «خواجة خبير»، وللأسف الشديد بعض هذه المواهب والعقول الفذة مصريون بالفعل ولكنهم يقيمون خارج مصر. جملة القول إن صناعة المعارض العالمية فى وادٍ ونحن منها فى وادٍ آخر تمامًا، وهذا من واقع ما رأيته وشاهدته على أرض الواقع فى ألمانيا خلال مشاركتي فى اثنين من أهم المعارض التى تقام هناك سنويًا وهما معرض «هايم تكستايل» للمفروشات ويقام فى مدينة فرانكفورت فى الفترة من 10 إلى 13 يناير، والمعرض الثانى هو «دومتكس» للسجاد وأغطية الأرضيات ويقام فى مدينة هانوفر فى الفترة من 14 إلى 17 من نفس الشهر، والجدير بالذكر فى هذا السياق أن نقول إن هناك معرضًا آخر لا يقل أهمية عن سابقيه وهو معرض «فرووت لو جستيكا» للحاصلات الزراعية وسيقام فى مدينة برلين فى أوائل فبراير القادم. هايم تكستايل.. قصة ومناظر لن أكون مبالغًا أو مغاليًا إذا قلت إن صناعة المعارض وحدها فى ألمانيا «الرهيبة» تعادل اقتصاد دول وهذا ليس ضربًا من الهذيان ولكنه من واقع إحصائيات رسمية ومشاهدة على الطبيعة وأرض الواقع كما ذكرنا آنفًا ويكفى أن أذكر أن معرض تكستايل تشارك فيه شركات تمثل 130 دولة من شتى أنحاء العالم «2000 صانع».. وهؤلاء الصناع ورجال الأعمال قاموا بحجز الفنادق ومساحات العرض قبل انطلاق المعرض ب6 أشهر على الأقل.. ويكون حظك عاثرًا لو ذهبت إلى ألمانيا وبحثت عن حجرة واحدة فى فندق –أى فندق- فى التوقيت الذى يقام فيه المعرض. الأمر الآخر أن جميع المولات التجارية والمطاعم السياحية تجدها مكتظة عن آخرها بالزبائن والمستهلكين القادمين من كل فج عميق لمجرد أن ألمانيا يقام فيها معرض!!.. اللافت للنظر أن الصالات وحتى «المراحيض» مجهزة على أعلى مستوى يمكن تصوره ولا مجال هناك لانقطاع التيار الكهربائى أو وجود أعطال فى التكييف أيضًا أن كل المواصلات العامة تركبها مجانًا لمجرد أنك تعلق فى رقبتك تذكرة دخول المعرض سواء كنت رجل أعمال أو صحفيًا أو زائرًا، وتجد فى أى مكان وأى صالة من صالات العرض موظفون من جنسيات مختلفة يقومون بخدمتك ويوفرون لك كل ما تحتاجه بكل بساطة وتفانٍ.. وفى كل مكان فى المعرض يلتزم العارضون بكل قوانين المعرض مع المحافظة الشديدة على كافة المنشآت ولا يجرؤ شخص واحد على تدخين سيجارة واحدة داخل إحدى الصالات. تجد –أيضًا- خدمة «الواى فاى»، وجميع الكاتالوجات والبروشرات والخرائط المتعلقة بصالات العرض والعارضين فى كل مكان مجانية ودون ان تدفع سنتًا واحدًا!! أما عن العارضين والمعروضات وقاعات الاجتماعات لرجال الأعمال فحدث ولا حرج.. وخلاصة القول إنه لا مجال هناك للخطأ لأنك ببساطة شديدة فى ألمانيا العظمى. دومتكس بنكهة مصرية لا يختلف معرض «دومتكس» كثيرًا عن «هايم تكستايل» من حيث الترتيب والتنظيم والمردود الاقتصادى الكبير على ألمانيا.. يعد دومتكس واحدًا من أكبر المعارض العالمية المتخصصة فى صناعة السجاد «الميكانيكى واليدوى» وأغطية الأرضيات ويقام فى مدينة هانوفر من عام 1989 بمشاركة 1500 شركة من 60 دولة. تبلغ مساحة المعرض 90 ألف متر مربع، ويصل عدد الزائرين إلى 45 ألف زائر من أكثر من 80 دولة، وكل هذه الأعداد الغفيرة من رجال الصناعة الوافدين من كل بقاع العالم ينعشون الاقتصاد الألمانى والصناعة الألمانية ولم لا وألمانيا ترحب بهم وتوفر لهم كما تقول جملتنا العامية الشهيرة «لبن العصفور»! الخدمات التى تقدم للعارضين فى دومتكس تفوق الوصف ولا تسمع أبدًا من يعلو صوته أو يتجاوز اختصاصاته وكل شىء يسير بديناميكية ويسر وسهولة منقطعة النظير. الصناعة المصرية.. والقطاع الخاص أكدت المشاركة المصرية فى معرضي هايم تكستايل ودومتكس أن الصناعة وحدها هى القادرة على انتشال الاقتصاد المصرى من عثرته والنفق المظلم الذى دخلته رغمًا عن أنفها عقب اندلاع ثورة يناير ولم تستطع إلى الآن الخروج منه. والاهتمام بالصناعة يعنى بالدرجة الأولى الاهتمام الفائق بصناع مصر فى شتى القطاعات الصناعية وعدم النظر إليهم على أنهم مجموعة من اللصوص، أو أن جميعهم فاسدون لمجرد ان أحدهم أو بعضهم فاسد أو كان فاسدًا مع التذكرة بأنه لولا رجال الصناعة بالقطاع الخاص عقب اندلاع الثورة لكان مصير مصر إلى الآن مجهولًا وغير معلوم. أتحدى أى مسئول فى مصر أن يشاهد صناع مصر فى هايم تكستايل أو دومتكس ولا يشعر بالفخر لما يراه منهم سواء من حيث جودة المعروضات أو الثقافة الصناعية أو التصديرية التى يتحلون بها ، واللافت للنظر أن هناك جيلًا صاعدًا مثقفًا و مبهرًا من أولاد رجال الأعمال ممن تربوا فى مصانع آبائهم وشربوا «الصنعة» يأخذون عقلك وأنت تراهم يتحدثون مع العملاء والزبائن الأجانب، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر أولاد رجل الصناعة الأبرز فى مصر محمد فريد خميس وهم محمد وياسمين وفريدة، وأشرف نجل رجل الصناعة السكندرى سعيد أحمد وهو يشغل نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة نايل جروب، ومحمد نجل رجل الأعمال السكندرى أيضًا حسن عشرة ويشغل نائب رئيس مجلس إدارة شركة «عشرة تكس» للغزل. نقول ونكرر وسنظل نكرر دون ملل ان مصر لن ينصلح حالها إلا بالقطاع الخاص ورجال الصناعة الحقيقيين، ولن يكون هناك اقتصاد قوي قادر على النمو إلا بوجود صناعة قوية تعمل فى بيئة صحية بعيدة عن الروتين الحكومى وموظفيها والتشريعات والقوانين العتيقة التى عفا عليها الزمن!!