راح «جمال» يطرق أبواب جيرانه فى انهيار صارخ وهو يردد: - الحقونى.. دبحوا مراتى وبنتى. انطلق الجيران فى هلع نحو شقته حيث كان بابها مفتوحا على مصراعيه، وأشار إليهم من بين دموعه نحو غرفة النوم ،فدلفوا إليها بخطى مترددة ولم يكادوا يفعلون حتى علت الشهقات على صوت نحيبه وأطلقت النساء صرخات فزعة وقد تسمرت نظراتهم على جسد زوجته المدد فوق الأرض غارقا فى بحر من الدماء، بينما ترقد طفلته ذات الأربع سنوات مسجاة على وجهها فوق السرير وقد ذبحت كلتاهما ذبحا، فانطلق الرجال نحوه فى محاولة لتهدئته وأسرع أحدهم نحو هاتفه يستدعى الشرطة. ماذا حدث بالتفصيل؟ هكذا سأل ضابط المباحث فى حزم، فازدرد «جمال» ريقه، وقال من بين أنفاس متهدلة: - عدت من عملى وطرقت الباب فلم تجبنى زوجتى فظننت أنها وابنتى نائمتان ففتحت الباب ودخلت لأجدهما مذبوحتين فى غرفة النوم. قالها وانهار فى بكاء منتحب، حاول الضابط تهدئته وإقناعه بضرورة التماسك لإكمال التحقيق، فزفر «جمال» فى حزن وأومأ برأسه موافقا، فاستطرد الضابط قائلا: هل لزوجتك أو لك أعداء تظن أنهم القتلة؟ - لست أدرى.. ربما. صاح الضابط فى وجهه: ماذا تعنى ب «ربما».. ألا تعرف إن كان لكم أعداء أم لا؟ - أجفل فى ارتباك ملحوظ وعاد خطوة للوراء، ثم أشاح بوجهه عن عينى الضابط النافذتين، وقال: - أنا لست فى حالة تسمح لى بالتفكير فى تلك الأمور والاستجواب.. أرجوك دعنى ال..... قاطعه الضابط وهو يشير إلى أحد العساكر فى حسم: بل سنكمل التحقيق فى مكان آخر.. ربما يمكنك فيه تذكر كل شىء. لماذا قتلت زوجتك وابنتك؟ - انتفض «جمال» على هول السؤال، فحدق فى وجه الضابط ذاهلا، وابتلع لعابا وهميا، قائلا فى تخبط: - أنا.. أنا لم أقتل أحدا.. والله لم ... صرخ الضابط فى وجهه: بل فعلت ؛ لقد شهد جيرانك بأنك كنت دائم الشجار معها، ورغم انه لم يمر شهران على انتقالكما لتلك الشقة الا انه لا يكاد يمر يوم دون ان يصل للجيران صوت شجاركما... ثم... توقف قليلا ربما ليرى تأثير كلماته عليه، وزاد من تحديقه فى عينيه مردفا: وما يثبت قولي أن شيئا من الشقة لم يسرق وزوجتك كانت بكامل مصاغها، وليس هناك أثر لاقتحام الشقة عنوة.. إذن فالقاتل ليس سارقا. القاتل هو انت. قالها وأطبق بكلتا يديه على ياقته جاذبا إياه منها، مردفا بصوت كالفحيح: لماذا قتلتهما؟ - كانت تستحق القتل. زفر الضابط فى انتصار بينما راح «جمال» يروى منهارا. كثور هائج أمسك بمجمع شعرها وجذبها منه فى قسوة غير مبال بصراخها وألمها، بينما انطلق لسانه يكيل لها أقذع الألفاظ صارخا: - ألن تكفى عن شجارك الدائم مع زوجات إخوتى حتى بعدما انتقلنا بعيدا عنهم، هل وصلت بك الوقاحة إلي حد الطعن فى أعراضهن أيتها الوقحة؟ صاحت من بين ألمها: - والله لم أفعل.. إنهم كاذبون.. كعادتهم فى اقناعك بكذبهم ليفسدوا علينا حياتنا. هتف: - اتصفين إخوتى بالكذب.. بل أنت الكاذبة. قاطعته فى انهيار: - كفاك ظلما أنت واهلك، أنا لم أطعن فى عرض أحد.. ورغم ذلك فإننى لو فعلت فلن أقول الا الحقيقة.. الحقيقة انهم ليسوا شرفاء.. هم وزوجاتهم.. نعم..ليسوا شرفاء. تطاير الشرر من عينيه وجحظتا على نحو مرعب، فأفلت شعرها ودونما كلمة واحدة انطلق نحو المطبخ وتناول سكينا وأسرع عائدا ليجدها منكفئة نحو الأرض ممسكة بشعرها بألم، ولم تكن تتوقع رد فعله، فقد أجهز عليها كحيوان مفترس، فصرخت: - ماذا ستفعل.. هل جننت؟... ولم تكمل، فقد كانت السكين بيده أسرع من حروف كلماتها، ذبحها كما يذبح أرنبا مذعورا. ترك رأسها يسقط من بين يديه وقد انفجرت الدماء تغرق ملابسه. - ليه دبحت ماما يا بابا؟ انتفض على كلماتها الباكية، التفت ليجد طفلته جالسة فوق الفراش تنظر فى فزع نحو جثة أمها وقد أيقظها صراخها، قطب جبينه مفكرا، بينما راحت الصغيرة تبكى فى صمت وتكرر سؤالها فى استنكار. «لقد رأت كل شىء.. شوف تشهد على».. هكذا دار بخلده، وهكذا اتخذ قراره. وكأفعى تسعى ببطء نحو ضحيتها، اتجه إليها مخفيا يده الممسكة بالسكين خلف ظهره، محاولا رسم علامات الحنان على وجهه ربما ليطمئنها حتى لا تثير جلبة أو تصرخ. لم تتحرك فقد اطمأنت لنظراته.. اقترب..ربت بيسراه على يدها ثم.. ثم جذب رقبتها نحوه بعنف.. و.. وذبحها. تحجرت نظرات الهلع بعينيها وقد مات سؤالها بحدقتيها... وبهدوء يغلفه الذهول اتجه بالسكين نحو المطبخ، راح يغسلها ليزيل عنها الدماء ويعيدها إلى الدرج. عاد إلى الغرفة.. أدرك أن الدماء تغرق الجاكت الذى يرتديه، فخلعه ووقف حائرا، ولم تطل حيرته فقد كوره وأخفاه خلف السرير. ثم ألقى نظرة أخيرة على المكان ليتأكد أن لا دليل عليه، ثم دفن وجهه بين يديه ورفعه بعد لحظات وقد أغرقته الدموع وانطلق يطرق أبواب الجيران صارخا من بين نحيبه: - الحقونى.. دبحوا مراتى وبنتى.