كثيرة هى الأحزاب السياسية فى مصر، وقليلة هى مشاركاتها فى الحياة السياسية ونادرة هى قواعدها الحزبية فى الشارع، إلا خمسة عشر حزباُ نجحت بالفعل فى أن تحصل على تمثيل تحت قبة البرلمان. مصر لديها 106 أحزاب سياسية، وقرابة 90٪ منها ينتمى لما يطلق عليه بالأحزاب الورقية أو الكرتونية أو أحزاب الظهور الإعلامى والوجاهة الاجتماعية، يؤسسها من يؤسسها ليكتسب لقب رئيس حزب أو ليتمكن من خلالها من الظهور على الفضائيات وأوراق الصحف، ومواقع الإنترنت فقط. أحزاب لا تمتلك مقرات أو صحفاً أو لجاناً محلية أو نوعية، مجرد لافتات وضعت على عقار هنا أو هناك، دون أن تمارس أى دور سياسى أو شعبى أو انتخابى، لدينا 91 حزباً لم تنجح فى الحصول على مقعد واحد فى آخر انتخابات برلمانية شهدتها مصر، وهو أمر يدل على أن تلك الأحزاب هى بمثابة أحزاب وهمية، مجرد أسماء وضعت ضمن قائمة أحزاب مصر، فيما تشير دراسات أكاديمية إلى أن تلك الأحزاب شعبيتها متدهورة وخارج الخدمة بل إنها غير قادرة مجتمعة على خوض أى انتخابات، وترجع الدراسات الخاصة بدراسة وتحليل موقف الأحزاب السياسية المصرية فى الشارع، أسباب انتشار تلك الأحزاب وكثرتها دون أن يكون لها أى تفاعل سياسى أو شعبى، إلى عدم تكوين رؤية سياسية متكاملة فى مصر، خاصة بعد قيام ثورتين متتاليتين، وتؤكد تلك الدراسات أن الشارع المصرى سيقوم فى النهاية باستبعاد تلك الأحزاب من ذاكرته السياسية. تحالفات جديدة يبدو أن بعض الأحزاب قد فطنت مبكراً إلى ضرورة التحالف لتحقيق تواجد فعلى فى الشارع السياسى وراحت تشكل تحالفات سرعان ما انكفت، مثل تحالف حزب «المؤتمر» الذى تزعمه الدكتور عمرو موسى المرشح الرئاسى الأسبق، والذى ضم ثمانية أحزاب بينها الشعب الجمهورى والمؤتمر والحرية. ويدور الحديث فى الأوساط السياسية المصرية الآن، عن قرب ظهور تحالف سياسى جديد هو حزب «من أجل مصر» المنبثق عن تحالف «دعم مصر» تحت قبة البرلمان، الذى ينتظر أن يضم عدة أحزاب هى: «مستقبل وطن، الشعب الجمهورى، الحرية، المؤتمر، حماة الوطن»، ويجرى حالياً دراسة تحالف تلك الأحزاب واندماجها فى حزب واحد هو حزب «من أجل مصر»، وهو ذلك التحالف الذى يعد لخوض انتخابات المجالس المحلية تحت ذات الاسم. الشارع المصرى ويقول اللواء سلامة الجوهرى نائب رئيس الهيئة البرلمانية لحزب المصريين الأحرار إن هناك شروطاً وضعت لإنشاء الأحزاب، وذلك عقب الحراك السياسى الذى شهدته مصر بعد قيام ثورة يناير، وهذه الأحزاب قامت باستيفاء الشروط التى وضعت لإنشاء الأحزاب، مؤكداً أن الشارع المصرى هو من سوف يلفظهم بسبب عدم تواجدهم فى الشارع، وهم من سيقومون بغلق تلك الأحزاب التى لم يكن لها أى تواجد فى الشارع بسبب عدم وجود ميزانيات أو مقرات لائقة للجلوس بها أو اشتراكات، مشيراً إلى أنه من المفترض أن الأحزاب التى لم يكن لها وجود فعلى على أرض الواقع لمدة ستة أشهر أو سنة أو عدد الأعضاء لم يصل لعدد معين، يجب أن يعدل القانون بحيث يسمح بغلق مثل تلك الأحزاب وحلها. وأوضح «الجوهرى» أن هناك أكثر من مائة حزب فى مصر ولكن من لها فاعلية على أرض الواقع يصل عددها إلى عشرة أحزاب فقط والباقى ليس له أى أنشطة وأنشئ كجمعية، وأنه إذا قمنا بعمل استفتاء على أسماء الأحزاب فى الشارع المصرى فلن يتذكر الناس أكثر من عشرة أحزاب، وهى التى لها فاعلية على أرض الواقع، مشيراً إلى أن أموال تلك الأحزاب التى لم يكن لها فاعلية تثير العديد من التساؤلات من أين يأتون بالأموال، مطالباً الجهات الرقابية بوضع العين على تلك الأحزاب، وأن تكون مصادر أموالها معلومة للجميع. وأكد أن مصر فى الوقت الحالى لا تستطيع إلغاء أحزاب وإلغاء الحياة السياسية، مشيراً إلى أن الشارع المصرى هو من يجبر الأحزاب التى ليس لها أنشطة على وقف نشاطها بتجاهله لها ونسيانها. التعددية الحزبية وقالت البرلمانية داليا يوسف، وكيلة لجنة العلاقات الخارجة بمجلس النواب أن التعددية الحزبية فى مصر، وارتفاع عدد الأحزاب المرخص لها بالعمل، جاء نتيجة لحدوث زلزالين سياسيين هما ثورتا 25 يناير و30 يونية، مضيفة أن انتشار تلك الأحزاب نتيجة طبيعية جداً لعدم وجود رؤية واضحة سياسية فى مصر بعد الثورتين، مؤكدة أن الشارع المصرى هو من سيقوم بفرز الأحزاب الفعالة وغير الفعالة، خاصة بعد انتخاب البرلمان فى مصر، متوقعة أن برلمان 2021 ستكون كل هذه الأحزاب «غُربلت» ولم يعد لها وجود، أو أنها ستقوم بالاندماج مع أحزاب كبرى، وسوف نرى حزبين أو ثلاثة هى من ستقود الحياة السياسية فى مصر. فيما قالت الدكتور نهى بكر أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية إن تعدد الأحزاب السياسية بمصر ليس بظاهرة جديدة، فكل الدول التى مرت بثورات نتج عنها تضخم فى عدد الأحزاب السياسية، مشيرة إلى أن هناك أحزاباً جديدة تطور من نفسها، وهناك أحزاب قديمة تبقى على هياكلها ولا تطور من نفسها، كما أن هناك أحزاباً جديدة يحدث بها انقسامات. وأكدت نهى بكر أن الأحزاب فى مصر لم تستطع الوصول إلى الشارع لعدة أسباب، فيما يخص الأحزاب القديمة والتى قد جرفت فى العقود القديمة وكانت القوانين والإجراءات الأمنية تكبلها بل وكانت الأجهزة الأمنية تتدخل لزرع وتعزيز الانقسامات فيها مما أدى إلى ضعف هذه الأحزاب، بالإضافة إلى ضعف الموارد المالية لتلك الخبرة السياسية ويفتقد القاعدة الموجودة فى الشارع، حيث إنهم لم يعملوا فترة كافية حتى يتم التعرف عليهم، بالإضافة إلى أنه على مر الفترات الماضية كان ينافس هذه الأحزاب فيما يخص الأحزاب القديمة جماعة الإخوان المسلمين، حيث إنهم كانوا هم الوحيدين المنظمين فى الشارع المصرى. كما أن التوكيلات التى كانت تأتى لهم من الخارج، مكنتهم من الفوز فى الانتخابات فى البرلمان والرئاسية وأدى ذلك إلى تجريف الأحزاب التى لم تستطع أن تجاريهم وتقطعت بها السبل بين الانقسامات وغيرها. وأشارت إلى أننا بحاجة إلى بذل الكثير من الجهد والعمل حتى يكون لدينا أحزاب قوية مبنية على أسس وطنية سليمة، ولكن هذا لا يكون من خلال الأحزاب السياسية فقط، ولكن يبدأ من المدرسة والتعليم والقدرة على التحاور والقدرة على التواصل مع الشارع، كما أن الأحزاب بحاجة إلى أن تتوافر لها التمويلات لأزمة وحينها سوف يكون هناك أحزاب قوية، ولكن غير ذلك سوف نرى المزيد من الأحزاب المفتتة والصغيرة.