الدول المانحة رفعت يدها تدريجياً والدعم الحالى لا يلبى احتياجاتهم ما بين حلم العودة للوطن، وطلب اللجوء فى مصر.. كانت تطلعات وآمال اللاجئين أمام مكتب المفوضية بأكتوبر. فبعد أن هربوا من الصراعات فى بلادهم، اصطدموا بواقع أليم بعد أن فقدوا أغلبهم ذويهم، وكل ما يملكون من حطام الدنيا، وأغلقت الأبواب أمامهم، بعد أن يأسوا من طول الانتظار على أبواب المفوضية للحصول على الكارت الذى يؤهلهم للعيش فى مصر، أو عودتهم لأسرهم مرة أخرى، فباتت تراودهم كوابيس السجن والترحيل، بسبب بطء سير الإجراءات الخاصة بتسجيلهم، مما يجعلهم يعيشون فى معاناة يومية، فى ظل عدم وجود مأوى لهم. وعلى مدار الأعوام الماضية توافد عدد كبير من اللاجئين على مصر، نتيجة اندلاع الحروب والصراعات فى البلدان العربية والأفريقية، وهرب كثيرون من جحيم أوطانهم.ومصر من الدول التى تحتضن عددًا كبيرًا من اللاجئين، إذ تشير البيانات الرسمية إلى وجود نحو 5 ملايين لاجئ فى مصر. ويعد السوريون والسودانيون والصوماليون من أكثر اللاجئين فى مصر، إذ يصل عدد السوريين لنحو 300 ألف لاجئ منهم من هو مسجل لاجئ، وبعضهم يعيش مثل باقى المواطنين المصريين. وطبقًا لإحصائيات المفوضية السامية لشئون اللاجئين، فإن إجمالى عدد اللاجئين المسجلين بلغ نحو 187 ألفًا و838 لاجئًا، منهم 41 ألف لاجئ سورى، ويحتاج هؤلاء لدعم من الدول المانحة يقدر بنحو 82 مليون جنيه، لا يصل منها سوى جزء قليل. كما تمنح المفوضية إعانات شهرية لنحو 50 ألف لاجئ فقط من المسجلين تتراوح قيمتها بين 400 جنيه و2400 جنيه للأسرة، كما يوجد فى مصر نحو 7 آلاف و258 لاجئًا صوماليًا، و10 آلاف و940 لاجئًا إثيوبيًا، و31 ألفًا و200 لاجئ سودانى، وهؤلاء هم طالبو اللجوء المسجلون بالمفوضية، طبقًا لبياناتها الرسمية. «الوفد» التقت عددًا من اللاجئين الموجودين بمنطقة 6 أكتوبر، وتحديدًا أمام مبنى المفوضية السامية لشئون اللاجئين، والذين اتخذوا من الحدائق المجاورة لها أماكن لإقامتهم، وبعد أن تراكمت مشاكلهم وعجزوا عن الحصول على تأشيرات أو موافقات على طلبات اللجوء، حيث افترش البعض أمتعتهم القليلة من أوانى للطهى وبطاطين وملابس، بعد أن يأسوا من التوافد على المفوضية، لإنهاء إجراءاتهم، وكان أغلبهم من الصوماليين والإثيوبيين والسودانيين. وعاشت «الوفد» لحظات مأساوية مع هؤلاء اللاجئين، كان أولها الحاجة حليمة من السودان، والتى هربت من جحيم الحروب التى اشتعلت هناك، وجاءت إلى مصر منذ ثلاث سنوات، بطريق غير شرعى، بعد أن تسببت الصراعات التى اندلعت بين الشمال والجنوب فى مصرع أطفالها ال 6 وأقاربها جميعًا. وعندما حاولت الهرب هى وزوجها، حاصرتهما العصابات هناك واستولت على كل ما لديهما، وقتلوا زوجها أمام عينيها.. قالت «حليمة» والحزن يملأ قلبها: لم أعد أريد العودة إلى بلدى بعد أن فقدت فلذات أكبادى ولم يعد لى أقارب لأعود للعيش معهم.. فقد أصبحت غريبة فى وطنى، لذا هربت إلى مصر منذ ثلاث سنوات، لأعيش هنا وسط اللاجئين السودانيين.. وقام أحد المواطنين المصريين بتوفير مكان صغير أعيش فيه يرحمنى من الشارع، لكننى أبيع بعض العطور والزيوت السودانية، حتى لا أمد يدى لأحد. وعندما سألتها عن سبب جلوسها أمام المفوضية، أكدت أنها منذ مجيئها إلى مصر، وهى تترقب النظر فى طلب اللجوء، واستخراج الشهادات والأوراق الرسمية، حتى تتمكن من الحصول على نفقات تساعدها على العيش فى الغربة. الأمر نفسه عانت منه الحاجة خديجة، والتى تبلغ من العمر 55 عامًا، إذ ارتسمت على وجهها ملامح الشقاء والكبر، فقد جاءت من السودان بعد مقتل زوجها، لتجد الدنيا سوداء أمام عينيها، فلا زوج ولا ابن يؤنس وحدتها فى الغربة الصعبة. ابتسامتها تعبر عن حزن دفين داخل قلبها، فقد نفدت كل الأموال التى حصلت عليها من أهل الخير، وبدأ الأمر يزداد صعوبة، فلم تجد أمامها سوى بيع بعض التوابل أمام مكتب المفوضية حتى تتمكن من متابعة أوراقها.. وقالت: أعيش فى مصر منذ عام تقريبًا، بعد هروبى من السودان، وتمكنت خلال هذا العام من تقديم أوراقى للمفوضية لطلب الحماية، حتى أستطيع الحصول على مساعدات فأنا لا أقدر على العمل، بعد هذا العمر، وليس لى مصدر رزق ولا عائل، وكل أملى فى الأيام القليلة الباقية من عمرى هو توفير مسكن ملائم، فأسعار الشقق فى مصر مرتفعة جدًا ولا يوجد معى أموال، كما أن السماسرة يستغلون أوضاعنا الصعبة، ويطالبوننا بمزيد من الأموال كمقدم للشقة، مما يعد صعبًا بالنسبة لى، لذا أنتظر الحصول على بطاقة اللجوء فى مصر حتى أتمكن من العيش. أما «عبدالرحمن» فقد تمكن من الهرب مع أسرته من جحيم الصراعات فى الصومال عام 1990 إلى اليمن.. وعندما اندلعت الثورة باليمن لم يجد مفرًا أمامه سوى الهروب فى مراكب الهجرة غير الشرعية إلى مصر، فقد كان يجلس وبجواره بعض الملابس وبطانية صغيرة تحميه من البرد القارس ليلًا.. ويقول: جئت إلى مصر منذ 7 أشهر تقريبًا، ومنذ هذا الوقت لم أتمكن من الحصول على بطاقة اللجوء، حتى يتم الاعتراف بوجودنا فى مصر، ولدى زوجة وطفلان فى عمر الزهور، وفقدنا كل مالنا فى بلادنا، ولم يعد أمامنا سوى العيش فى مصر، فقد حاولت العمل، إلا أننى فشلت فى إيجاد فرصة عمل بسبب صعوبة التحدث باللغة العربية، وضاقت بى السبل فى الإنفاق على أطفالى، فلم أجد سوى الحديقة المجاورة لمبنى المفوضية لاتخاذها مأوى ومسكنًا لأسرتى، حيث يقوم بعض أهالى الخير بتوزيع المأكولات علينا، ولولاهم لما تمكنا من العيش. مؤكدًا أنه عندما حاول البحث عن مأوى طلب منه أحد السماسرة مبلغ 500 جنيه كتأمين لغرفة تحمى أسرته، إلا أنه عجز عن توفير المبلغ، لعدم وجود دخل مادى لديه.. ويخشى «عبدالرحمن» على أطفاله الصغار من برودة الشتاء، ويشكو من بطء الإجراءات فى المفوضية، مطالبًا المسئولين بمنحه حق اللجوء، خصوصًا أنه يحمل بطاقة اعتراف كلاجئ حصل عليها من اليمن، ولم يتم الاعتراف به فى مصر. أما «سيد على» فقد هرول مسرعًا ليتحدث معنا، ويلتقط طرف الحديث من «عبدالرحمن» قائلًا: جئت إلى مصر منذ عام 2001 من السودان، وقد تمكنت من الدخول لمصر بطريقة شرعية، فأنا أحمل تأشيرة الدخول، كما حصلت على حق اللجوء. ويحكى لنا قصته قائلًا: عندما اندلعت الأزمات فى السودان، تمكنت أسرتى من الهرب إلى أمريكا، ولم أتمكن من اللحاق بهم، إذ جئت بصحبة ابنتى إلى مصر، وأنا أحمل البطاقة الزرقاء وهى تعنى أن اللاجئ معترف به وله حقوق وإعانات، لكننى لم أحصل عليها، وعندما طالبت بها أكدوا لى فى المفوضية أن اسمى سقط من الكشوف، ولا أعرف ما السبب، ومنذ عام توفيت ابنتى فى مصر لأجد نفسى وحيدًا، وعندما تقدمت للمفوضية بطلب لترحيلى حتى أتمكن من رؤية أبنائى، وطوال تلك السنوات وأنا أتردد يوميًا على المفوضية، لكنها لا تساعدنى فى العودة لرؤية أبنائى، مما يزيد الأمر صعوبة، فالحياة هنا قاسية فى ظل انعدام السكن والعمل.