هل يمكن أن تعدل المرحلة الثالثة - والأخيرة - من الانتخابات شكل ومضمون مجلس الشعب القادم؟! هذا ممكن.. فهذه المرحلة الأخيرة تمثل حوالي ثلث المجلس، وهي نسبة ليست هينة.. لأننا في النهاية نحلم بمجلس متوازن.. تمثل فيه كل تيارات الأمة بكل أفكارها وأحلامها.. والبرلمان المتوازن، المتوافق، يعطينا في النهاية مجلساً يؤدي دوره كما يجب ولا يتحول إلي صراع الديكة.. أي مجرد صراخ ودماء.. وجراح.. لأن هذا البرلمان هو الذي سيقر الدستور الجديد الذي سينظم حياتنا علي الأقل لمدة نصف قرن.. وربما أطول، فقد عرفت مصر أكثر من 5 دساتير منذ دستور 1923 وحتي دستور 1971 أسقطت الثورات منها دستورين.. وأسقط الحاكم دستوراً.. وبالتالي فنحن نحلم بدستور دائم تعده بالفعل جمعية تأسيسية نحسن اختيارها.. وربما كان دستور 1954 هو الأفضل من حيث اللجنة التي أعدتها لأنها كانت تمثل كل التيارات الحزبية والسياسية والمنظمات.. ورجال القضاء وحتي الضباط القدامي وهي ما عرفت بلجنة الخمسين، غير الرئيس، أما دستور 1923 فقد أعدته لجنة من 30 مفكراً مصرياً، غير الرئيس أيضاً.. ومع احترامنا الكامل لإرادة الامة فيما اختارتهم حتي الآن نواباً في البرلمان.. إلا ان سيطرة أصحاب فكر ما علي البرلمان القادم ليس في صالح الأمة.. لأن الخطر كل الخطر في ديكتاتورية الأغلبية التي تمثل تياراً معيناً بمفرده.. نعم مصر أمة مؤمنة.. علاقتها بالله علاقة أزلية نشأت مع المصري منذ ما قبل التاريخ.. وحتي عصر الأسرات وبناء الحضارة المصرية العظيمة، ولكن في مصر أيضا من يدينون بالمسيحية.. وهؤلاء لا يمكن أن نهمش دورهم.. أو نتناسي وجودهم.. وحتي الديمقراطيات الغربية - العريقة في ديمقراطيتها - نبذت الدولة الدينية.. وأصبح الفاتيكان الذي كان يتحكم في كبري الممالك الأوروبية مجرد رمز صغير في حي صغير داخل مدينة روما عاصمة الدولة الايطالية.. كل الخوف إذن هو تلك الأغلبية التي ظهرت في المرحلتين الأولي والثانية، واذا كان هذا مطلوباً من أجل قدرة الحكومة علي تنفيذ مشروعها العام.. إلا أن عدم وجود معارضة قوية من باقي التيارات السياسية يعطي للأغلبية فرصة للسيطرة وفرض الرأي.. ونظرة علي الديمقراطيات الغربية تؤكد ذلك فليس هناك تيار واحد.. أو حزب واحد - في أي برلمان - يملك أغلبية كاسحة.. وتابعوا معنا ما يجري في الكونجرس الأمريكي.. أو في المانيا او فرنسا.. أو حتي ايطاليا.. ونحن في مصر نتمني ان نحصل علي برلمان متوازن فيه اغلبية نعم، ولكنها ليست الأغلبية الكاسحة يكون فيه تمثيل قوي ومؤثر لباقي الأحزاب.. وباقي التيارات.. ومن هنا سوف يزداد الأمر سوءاً اذا تحالف الاخوان المسلمون بما حصلوا عليه حتي الآن مع السلفيين وهم حتي الآن في المركز الثاني من حيث عدد النواب.. لأن هذا التحالف إذا حدث سيعطي التيار الاسلامي، ويغريه، الفرصة الكبري التي ظل يحلم بها منذ 70 عاماً بالنسبة للاخوان المسلمين.. نقول ذلك حتي لا نخرج من اغلبية كاذبة للحزب الوطني إلي اغلبية كاسحة لتيار بذاته، أي بعد ان انقذت ثورة يناير مصر من اغلبية الحزب الواحد.. نخشي ان تقع مصر في اغلبية التيار الواحد.. وهو تيار قد تضره هذه الأغلبية.. ولا تفيده.. ولذلك أتمني ان يفكر ثلث شعب مصر الذي يخرج للتصويت والاختيار بعد ساعات.. وأن يعدل اختياره.. فهذا لصالح الوطن.. وصالح شعبه.. لأن وجود معارضة قوية ومؤثرة تجعل البرلمان نشطاً للغاية .. معتدلاً للغاية.. ولا أقول ذلك لكي أدعو لانتخاب مرشحي الوفد والتصويت لصالح قوائمه.. ولكن لأن ذلك هو بالفعل في مصلحة الوطن.. وأري - هذا رأيي الشخصي - أن وجود تيارين وأكثر بين النواب في مصلحة الكل.. حتي لا تغري الأغلبية الحزب الحاكم الجديد بطغيان لا نحبه ولا نؤيده.. نقول ذلك لأن هذا البرلمان ربما لن يكمل مدته وان كان ذلك متروكاً للدستور ومواده الحاكمة الجديدة، ولكن هذا البرلمان طالت مدته أو تم اختصارها هو البرلمان الاخطر الذي سيؤسس النظام الحاكم الجديد الذي نحلم به.. ونحلم أكثر ألا يسمح بظهور ديكتاتور جديد في حياتنا.. بشرط ألا تزيد مدة حكم الرئيس فيه عن مدتين، وكل مدة 4 أو 5 سنوات علي الأكثر.. والاغلبية الكاسحة تضر الكل: الأحزاب والحكام وأيضاً تقتل الديمقراطية.. فلا تقتلوا جهد الثوار..