مثلث نجاح الثورة وضرورة تماسك أضلاعه كيف نكشف الأطراف المندسة؟! الشكوك المتبادلة تهدد كل جهود التهدئة تكاثرت المجموعات والتشكيلات التي تؤكد أنها الأكثر حرصا علي ثورة يناير، وأنها - دون غيرها - الحريص علي تحقيق أهداف الثورة. ونتيجة لهذا التعدد الكبير في الرؤي واعتقاد كل فريق أنه صاحب الشرعية الثورية تصاعدت الخلافات وتم تبادل الاتهامات بخيانة مبادئ الثورة، وأصبحت الشكوك المتبادلة هي اللغة الحاكمة لعلاقات هذه القوي. وأخشي إذا استمرت هذه الحالة المرضية، أن تتصاعد الاشتباكات العنيفة وأن تتصدع أركان الدولة وعندئذ سيندم الجميع ليس فقط علي أجهاض الثورة بل علي انهيار الوطن. واعتقد أن هذه اللحظة الفارقة تحتم أن تتفق جميع القوي في مصر علي ضرورة إنهاء حالة الاشتباك العنيف ووقف كل تحرك يسمح باستمرار الصدام الحاد كمقدمة ضرورية لحوار هادئ وموضوعي حول خريطة طريق لانقاذ الوطن من طوفان الفوضي العبثية الذي سندفع جميعا ثمنه غاليا لو لم نستطع أن نحاصره. البداية الحقيقية تتطلب إزاحة حالة الشك المتبادلة بين جميع القوي، وأن يدرك الجميع أن «الثورة» اطلق شرارتها شباب رائع تقدم في لحظة يحوطها خطر بالغ يهدد هؤلاء الشباب في حرياتهم، بل وفي حياتهم، وأنهم تقدموا الصفوف وهم يدركون أبعاد ما يتعرضون له من مخاطر وبنفس القدر هب الشعب بكل طوائفه ليشكل «الدرع» التي حمت هؤلاء الشباب وحوّل رأس الحرية التي شكلها الشباب إلي ثورة حقيقية شاركت فيها جميع فئات الشعب. وفي لحظة الحسم انحازت القوات المسلحة إلي الشعب فكان هذا الانحياز الضربة القاضية التي أطاحت برأس نظام مبارك وشكلت في نفس الوقت درع الحماية للثورة. قصدت بهذا التحديد ان نزيح الضباب الذي بدأ يغلف الموقف الحالي لندرك أن نجاح ثورة يوليو صنعها وحماها أطراف ثلاثة هم الشباب والشعب والقوات المسلحة، وأن تمكين هذه الثورة من مواصلة مسيرتها لتحقيق أهدافها يتطلب من كل العقلاء الحريصين علي مستقبل مصر أن يحرصوا أشد الحرص علي بقاء اضلاع هذا المثلث متماسكة. واللحظة في تصوري بالغة الخطورة ولا تحتمل اللجاج والجدل حول أخطاء وخطايا هذا الطرف أو ذاك، رغم فداحة بعض هذه الأخطاء. اللحظة الحالية تتطلب منا جميعا أن نفكر جديا في «مخرج» آمن يضمن تماسك اضلاع مثلث الثورة، ويحدد بدقة تفاصيل المسيرة لتحقيق أهداف الثورة خلال الفترة المتبقية علي بناء مؤسسات الدولة الدستورية. عقدة العقد التي تحول دون الحوار العاقل والهادئ هي دماء الشهداء وتحديد المسئول عن هذه الجرائم. وأخشي أن أقول إن استمرار الاحتجاجات الصاخبة والعنيفة تزيد هذه العقدة صعوبة، وتضيف إلي نيران العنف وقودا يزيدها اشتعالا ويتم تبادل الاتهامات بين بعض فصائل الشباب وبين المجلس الأعلي للقوات المسلحة. وتعلق الجرائم كلها - حسب تصريحات المجلس الأعلي - في عنق طرف ثالث يندس بين الثوار، ولا ينكر الثوار وجود هذا الطرف الثالث، لكنهم يشيرون بأصابع الاتهام إلي أجهزة تحرك هذا الطرف الثالث ليست بعيدة عن بعض القوي الحاكمة. واعتقد أن حل هذه العقدة يتطلب أن نسحب المظلة التي يستغلها هذا الطرف الثالث سواء كان هذا الطرف بلطجية مأجورين من بقايا نظام مبارك أو عملاء تحركهم قوي في السلطة أو حتي قوي خارجية. هذه المظلة يقدمها الشباب الثائر - بحسن نية - لانهم لا يستطيعون ضبط التجمعات الكبيرة التي يحتشدون فيها. وهنا يجد هذا الطرف الثالث - المتربص باستمرار - يجد الفرصة سانحة ليندس في هذه التجمعات وينفذ مخططه الجهنمي الذي يفجر العنف بين الشباب وبين قوات الأمن سواء من الشرطة أو من رجال القوات المسلحة. لقد طُرحت في هذا السياق أفكار كثيرة، واعتقد أن أكثرها ملاءمة هي فكرة إعلان جميع القوي السياسية ومجموعات شباب الثورة أنها قررت وقف جميع الوقفات الاحتجاجية والمسيرات والاعتصامات، أو علي الأقل تعليقها لفترة زمنية معقولة. في هذا المناخ تنكشف المؤامرة. ومن يخرج في مسيرات أو ينظم احتجاجات أو مسيرات يجب التصدي له بكل حزم بمنطق أن هذه المسيرات والاحتجاجات لا يشارك فيها شباب الثورة أو القوي السياسية، أي إنها ستكون تجمعات هدفها التخريب وإشاعة الفوضي وهنا لن يتعاطف الشعب معها إذا تعاملت قوي الأمن معها بالحزم والقوة المناسبة. وسوف يحقق هذا المناخ الفرصة لتبدأ حركة الإنتاج المعطلة في الدوران ونستطيع بتوفير هذا المناخ أن نختبر بدقة وموضوعية مدي التزام القوي المسئولة عن الحكم سواء المجلس الأعلي للقوات المسلحة أو وزارة الجنزوري بالوعود التي بذلتها والتي بشرت بها الشعب خاصة في مجال الأمن وانعاش الاقتصاد. تري هل يعلو صوت العقل .. أم أن حالة التشنج والاحتقان ستظل هي الحالة السائدة بكل ما تسفر عنه من فوضي عبثية تهدد الوطن بالضياع؟ ولا تكتمل الصورة إلا التأكيد علي أن التهدئة المطلوبة لا تعني بأي حال التنازل عن السير الحثيث في إجراءات محاكمة المسئولين عن استخدام العنف ضد الثوار وضرورة توقيع الجزاء الرادع بكل من يثبت تورطه في هذه الجرائم.. غير أن تنفيذ هذه المطالب والضغط لاستمرارها يجب أن يتم بوسائل ضغط قانونية وسياسية بعيدا عن أي تحرك يساهم في تهيئة المناخ للفوضي العبثية التي تهدد بتصدع الدولة.