قضية «حرية الإبداع» لا تغيب حتى لتشتعل من جديد.. فريق من الناس يطالب برفع سقف الحرية، ويرى أن الضمير يجب أن يكون هو الحكم وهو الضابط.. وفريق آخر يرى أن الحرية فى المجتمع الشرقى سوف تفتح أبواب جهنم وتسمح لهواة العبث بالقيم بتدمير ثوابت المجتمع تحت مسمى «حرية الإبداع». أخيرًا شهد اجتماع لجنة الشئون الدستورية والتشريعية الخاص بمناقشة تعديل أحكام قانون العقوبات رقم 58 لسنة 37 الخاص بقضايا النشر، مشادة كلامية بين عدد من نواب البرلمان حول تعريف كلمة الإبداع وأحكام القانون المطروح.. وانتهت المناقشة الى تطاول أحد النواب على الأديب الراحل نجيب محفوظ، حيث اتهم أعماله بخدش الحياء، وقال إن نجيب محفوظ يستحق العقاب على ما قدمه من أعمال أدبية. تصريح النائب أثار غضب الكثير من الناس، خصوصًا المهتمين بأدب «محفوظ»، الذين يدركون قيمته جيدًا ويعرفون أن حصوله على «نوبل» لم يأتِ من فراغ وأعمال يحترمها العالم.. التطاول على نجيب محفوظ جعلنا نطرح سؤالًا بالغ الأهمية وهو.. من يرد اعتبار «محفوظ»، خصوصًا أنه ترك عالمنا ويسكن فى مدينة الموتى؟ فى هذا الملف نرصد آراء عدد من المبدعين حول رأى نائب البرلمان وأعمال نجيب محفوظ التى كتبت له الخلود والبقاء رغم الرحيل. تحدث السيناريست الكبير بشير الديك قائلًا: أنا من أبناء دمياط، وبالتحديد من أبناء الدائرة التى يمثلها فى البرلمان النائب «أبوالمعاطى مصطفى»، الذى اتهم أعمال نجيب محفوظ بخدش الحياء وقد اجتمعت مع عدد كبير من مثقفى دمياط وقمنا بإصدار بيان شديد اللهجة، عبرنا من خلاله عن غضبنا واستيائنا الشديد من تصرف هذا النائب وتبرأنا منه، فهو لا يمثلنا على الإطلاق، الشعب الدمياطى عاشق لأعمال نجيب محفوظ ومن رابع المستحيلات أن يكون هذا النائب قد قرأ حرفا واحدا من أدب «محفوظ» ذلك الأديب الذى ملأ الدنيا وشغل الناس بأعماله الإبداعية ونال احترام العالم.. وواصل بشير الديك حديثه قائلا: لو هذا النائب مثقف فعلًا وقرأ كتب التراث مثل: «الأغانى للأصفهانى» و«طوق الحمامة» لابن حزم و«ألف ليلة وليلة» لأدرك أن أدب نجيب محفوظ قمة فى الرقى، ومن العيب أن يطالب بمحاكمة نجيب محفوظ، الذى رحل عن عالمنا تاركا خلفه ميراثا كبيرا من الفن والإبداع. ويقول الفنان الكبير أشرف عبدالغفور: نجيب محفوظ أكبر بكثير من هذا النائب الذى يحاول أن يظهر فى الصورة على حساب أديب كبير رفع اسم مصر عاليا، وحصل على جائزة «نوبل»، تلك الجائزة الرفيعة التى يحترمها ويقدرها العالم، وأنصح هذا النائب بالابتعاد عن الأدب والثقافة وأن يتفرغ لتلبية طلبات واحتياجات أبناء دائرته. أمر مضحك جدا أن نهاجم مبدعين حقيقيين بعد رحيلهم عن الحياة، وأرى أن السكوت على كلام هذا النائب أفضل من الرد عليه وتجاهله أكبر صدمة له. وأضاف أشرف عبدالغفور قائلا: على أدب نجيب محفوظ تربينا وتعلمنا الكثير من القيم، وقد تشرفت بتقديم عملين من أعماله الأول هو «قصر الشوق»، وقد حقق هذا الفيلم نجاحا كبيرا كما شاركت فى فيلم تليفزيونى من تأليفه يحمل اسم «لونا بارك». وبعيدا عن كونى ممثلا، أنا فخور لأننى قرأت كل أعمال محفوظ لأنه أديب من العيار الثقيل وإنتاجه الأدبى غزير بالمعرفة والقيمة. وقد التقط المخرج الكبير على عبدالخالق خيط الحديث قائلا: شىء محزن جدا أن يقول عضو بالبرلمان وفى اللجنة التشريعية إن «السكرية» و«قصر الشوق» عملان خادشان للحياء، ولو أن أى شخص حرك دعوى قضائية ضد نجيب محفوظ لتم حبسه وسجنه.. وهذا كلام سخيف جدا، ومع خالص احترامى وتقديرى لنواب البرلمان يجب الاعتراف بأن الهجوم على نجيب محفوظ هو إساءة لمصر، فالرجل يعد أكبر قيمة أدبية فى مصر والعالم العربى، وحصوله على جائزة نوبل أكبر دليل على ذلك، وأتوقع أن تخرج الصحف العالمية مثل «الجارديان» بمانشيت يقول: «نواب البرلمان يطالبون بسجن نجيب محفوظ بعد موته» وأرى أنه من الضرورى أن يتدخل حلمى النمنم وزير الثقافة، وأن يطالب النواب بالاعتذار لنجيب محفوظ، رد اعتبار الرجل أمر حتمى ومن العيب التطاول على رجل يعد رمزا أدبيا كبيرا، مصر يجب أن تحافظ على رموزها وأن تصونهم على قيد الحياة وبعد الرحيل. وفى نفس الموضوع تحدثت الفنانة الكبيرة نبيلة عبيد قائلة: لا أعرف لماذا يشغل نائب فى البرلمان نفسه بقضية الإبداع، وهو لا يعرف قيمة نجيب محفوظ، وما هو العائد الذى سيجنيه من التطاول على رمز أدبى كبير مثل نجيب محفوظ، فقد حصل الرجل على «نوبل» وقدم أعمالا أدبية شديدة الخصوصية، وعلى النائب أن يشاهد جيدا السكرية وقصر الشوق، هذه الأعمال بالذات تلقى الضوء على الوطنية المصرية وتشجع على النضال ضد الإنجليز ورفض الاحتلال، على النائب أن يقرأ أدب «محفوظ» بعين محبة للأدب وليست عين راصدة ومتربصة من أجل صيد الأخطاء فقط.. لذا أتمنى أن يراجع هذا النائب نفسه وأن يقدم اعتذارا واضحا للإساءة التى قدمها فى حق أديب له قدر كبير وله رصيد كبير فى مصر والعالم، أنصح عضو البرلمان أيضا بأن يقارن بين أدب نجيب محفوظ، وبين ما يعرض الآن على شاشة السينما ليعرف كيف كان أدب «محفوظ» رائعا وراقيا وخاليا من أى شوائب، رغم مرور الأيام والسنوات سيظل محفوظ موجودا وخالدا رغم كل المتربصين وأعداء الإبداع. وتابع الفنان الكبير حسن يوسف القضية وعلق عليها قائلا: أرفض الحجر على رأى أى شخص، أنا مؤمن جدا بحرية الرأى، للنائب الحق فى التعبير عن رأيه ولكنى أرفض التطاول أو الهجوم دون مبرر ولو سألتنى عن أدب نجيب محفوظ سوف اعترف بأن إنتاجه الأدبى من المسلمات لا يجوز التطاول عليه لأنه أديب عالمى بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وأرى أن النيل منه هو إساءة لمصر.. وتابع حسن يوسف حديثه قائلا: كنت من سعداء الحظ أن أشارك فى بطولة فيلم من تأليفه وهو فيلم «خان الخليلى» وقد حصل هذا الفيلم على جائزة افضل فيلم فى مهرجان «طشقند» الدولى عام 67 وقد شاركنى البطولة فى هذا الفيلم الفنانة الكبيرة سميرة أحمد والفنان عماد حمدى، والعمل من إخراج عاطف سالم، اسم الراحل نجيب محفوظ كفيل بأن يمنح أى عمل فنى تأشيرة العبور إلى قلب الجمهور دون استئذان، وأعماله لا تخدش الحياء، ولكن تروج للقيم والفضائل لذا عاش اسم «محفوظ» وسيبقى خالدا مهما مرت الأيام وتعاقبت السنوات. وعلق الكاتب والسيناريست الكبير وحيد حامد على القضية قائلا: وجود نائب تحت قبة البرلمان مصيبة من مصائب هذا الزمان، هو بكل تأكيد شخص جاهل ومتشدد والهجوم على أدب نجيب محفوظ يضاعف من قيمته ومن رصيده ويرفعه إلى أعلى، وهناك بيت شعر أحب أن يقرأه هذا النائب، الذى قاله المتنبي: «إذا أتتك مذمتى من ناقص.. فهى الشهادة بأنى كامل».. وهذا النائب لا يفرق كثيرا عن الإرهابى الذى ضرب نجيب محفوظ بالسكين وحاول قتله.