(خد من طينة بلادك وحط على خدادك).. لم تكن نساء الصعيد تتخيلن أن يصبح هذا المثل ،الذي يدعو الرجل إلى التمسك بكل ما فى بلاده وأرضه، وبالا عليهن لأنه أصبح الآن يقال لتدعيم الزواج القبلى الذى تدفع المرأة الصعيدية حياتها بالكامل ثمنا له. فمازالت هناك كثير من العائلات وأشهرها تنتمي إلى قبائل (الأشراف- الهوارة – الإمارة) تجبر الفتاة على الزواج من داخل قبيلتها أو تقتل أو يحكم عليها بالتغريبة .. فهذه (ع. س ) 30 سنة مطلقة عانت لعدة أعوام من تجربة الزواج بالإكراه فى ظل رفض الأسرة ارتبطاها بمن تحب من خارج القبيلة، تقول عن تجربتها: " ابن عمتي الذي أجبروني على الزواج منه مريض نفسيا وغير متعلم، لكن كل ما يميزه أنه شريف مثلى ومن نفس القبيلة وسنه مناسب لى فقط" . فى البداية رفضت هذا الزواج بكل الطرق، بكيت يوم فرحي كما لم أبك من قبل ، وكان ذلك يقابل بالسب والإهانة من كل من حولي ، وكانوا يقولون (هتتجوزيه يعنى هتتجوزيه). تزوجته ومرضه النفسي يزداد يوما بعد يوم وأصبح يشك فى كل شئ، إلى أن استحالت الحياة بيننا فتم الطلاق، بعدها تقدم لي شخص آخر من القبيلة "مطلق ولديه أولاد" فزوجنى أهلى له رغما عني للمرة الثانية وأنجبت له ولدا، ثم حدثت مشكلات فعاد إلى زوجته الأولى وطلقنى غيابى.. ورغم كل ذلك ما زالت الأسرة في انتظار عريس من القبيلة وإلا فلأمكث بدون زواج . 15سنه عيشة بالإكراه (ه.ش ) 39 سنه، مدرسة وتزوجت بدورها بالإكراه منذ 15 سنة .. تقدم لخطبتها أحد أقربائها وكان شابا جيدا ومتدينا وميسور الحال لكنها لم تكن تتخيله زوجا لها، وهنا اضطرت إلى أن تستعين بأختها الكبرى ،التى عانت أمر المعاناة من الزواج القبلى، كي تقنع والديها اللذين أصرا على إتمام الزواج وهنا وقعت الكارثة. حيث حدث خلاف شديد بين الأب والأم من ناحية والأخت الكبرى من ناحية أخرى، إذ اعتقدا أنها تغير من هذا الشاب ما دفعها إلى حث العروس على الرفض، فازداد إصرارهما على إتمام الزواج من ابن العم. وعلى الرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على هذا الأمر إلا أن هذا الموضوع ما زال له تأثيره على كل الأطراف، تقول العروس : مازلت أبغض زوجى وأبى وأمى بسبب ما فعلوه بي وأتمنى أن يدرك كل أولياء الأمور الحكمة من التعاليم الإسلامية التي تنص على موافقة الفتاة وأن لا يكون إيمانهم بها على المستوى النظري فحسب. الطلاق ممنوع أما (د. س ) 32 سنة، كان يتقدم لها الكثير من زملائها ذوى المناصب المرموقة، وكان أهلها يرفضونهم بحجة أنهم من خارج القبيلة حتى تقدم لها زوجها الحالي "من أبناء القبيلة" وتمت الخطوبة.. تحكي تجربتها: عريسي دمرني نفسيا.. إنسان عديم الشخصية وتافه وبخيل إلى إقصى مدى، لم أستطع أن استمر في الخطوبة ففسختها ومرضت بسبب ما تركه لي من آثار سلبية، عرضني الأهل على الأطباء وظللت فترة تحت العلاج النفسي، ثم تقدم لي ناس من خارج القبيلة واستمر رفض أهلى سنوات، إلى أن تقدم لي نفس الخطيب الأول وتم إكراهي على الزواج . وفى أول يوم زواج قال لي منتقما ( انت ترفضينى .. أنا هوريكى أيام سودة ) وبالفعل نفذ تهديده وبعد سفرنا إلى مكان عمله لم ألق منه إلا الضرب والإهانة . ثم جاء الصيف وعدنا للأهل في زيارة لكنه تركني ليتزوج بأخرى ليكمل انتقامه الذي قابله الأهل بجملة بسيطة ( اتجوز بس ما عندناش طلاق ) ومازلت على ذمته ،على الورق فقط، حتى الآن . عوانس بإيدينا من أحد مشكلات الزواج القبلى هى تأخر سن الزواج لكثير من الفتيات بالرغم من أنهن يملكن المواصفات العالية التي تؤهلهن لزواج ناجح، فلا ينقصهن الجمال أو الأخلاق أوالثقافة، ولكن لم يتقدم لخطبتهن الشخص المناسب من القبيلة فى الوقت الذي يرفض فيه الأهل الخطاب من خارج القبيلة . فلدينا (س.ع) شارفت على الأربعين ولم تتزوج على الرغم أنها من الأشراف وحاصلة على ليسانس حقوق، المحامية تعتبر نفسها ضحية الزواج القبلي فتقول "لم يتقدم لى شخص مناسب من داخل القبيلة.. كلهم تعليم متوسط ، وبالرغم من أنى محامية وأكمل دراستي العليا فإن المجتمع يطاردنى بلقب عانس مع أن القبيلة هى السبب وكان أمامهم أشخاص أفضل بكثير من خارج القبيلة ". "الزواج القبلي ده كارثة من كوارث الزمن" .. هذا ما قالته (ل . ح) 42 سنة لم تتزوج وتعمل مدرسة، تقول :"لانى كنت مش عاوزة أتجوز ابن عمى المتخلف إتفرض عليّ الحصار وكانت النتيجة مافيش جواز خالص". وترى أن الزواج القبلي بالإكراه مخالف للشرع والدين ويعود بالإيذاء علي كل الأطراف، فالزوجة تشعر بالإحباط وعدم التفاهم مع الزوج الذي يهجر البيت ويتطور الأمر إلي الزواج بثانية أو الطلاق ويؤثر ذلك سلبا علي الأولاد الذين ينشأوا معقدين لما رأوه من مشاجرات مستمرة بين الوالدين . تغريبة..! كشفت دراسة أعدها ( مركز قضايا المرأة المصرية ) حول ظاهرة الزواج القبلى فى محافظة قنا أن نسبة 78.5٪ من إجمالى الفتيات تزوجن من داخل القبيلة بينما تزوجت 21.5٪ فقط من بلدان أخرى، مما يعطى مؤشراً على حجم انتشار الزواج القبلى فى تلك المناطق. وركزت الدراسة على أن 86٪ من العينة ،حوالى 200 سيدة وفتاة، لا تمتلك حيازة زراعية، مما يؤكد العلاقة بين الزواج القبلى بالإكراه وحرمان المرأة من ميراثها، ففى الغالب تتزوج المرأة من داخل القبيلة للحفاظ على الأملاك ولضمان عدم انتقالها إلى خارج الأسرة، وتقترن تلك النسبة بأعلى معدلات ممارسة العنف داخل القبيلة بنسبة 39٪. وفى حين تجبر النساء على الزواج من داخل القبيلة لا يفرض على الرجال المنطق نفسه، حيث تعتقد نسبة 66.5٪ أن من حق الشاب الزواج من خارج القبيلة مقابل 30.5٪ لا توافق على إتاحة الزواج للرجال من خارجها. كما أشارت الدراسة إلى أنه مازالت هناك كثير من العائلات وأشهرها تنتمي إلى قبائل (الأشراف- الهوارة – الإمارة) تجبر الفتاة على الزواج من داخل قبيلتها أو تقتل أو يحكم عليها بالتغريبة ( ويعنى بالتغريبة لن تمنع الفتاة من زيارة أهلها بل من زيارة محافظتها طوال عمرها هي وأولادها).