بعد أن فاجأ دونالد ترامب العالم بفوزه بمنصب رئيس الولاياتالمتحده، أقوى دولة حتى الآن، ودخل الساحة الأميركية والعالمية كحصان جامح، يصبح السؤال: كيف سيتعامل معه العالم، بخاصة إذا نفَّذ ما عبَّر عنه خلال الحملة الانتخابية عن تصوراته لعلاقات أميركا مع العالم؟ والواقع أن هذه اللحظة في علاقات أميركا مع العالم تذكر بلحظة أخرى ليست بعيدة. فمع عام 2000 ونهاية ولاية بيل كلينتون الثانية، كان العالم يعترف بأن الولاياتالمتحدة، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وما حققه كلينتون خلال إدارته من تقدم في الاقتصاد الأميركي، هي القوة الأعظم الوحيدة في العالم، والتي تمتلك كل مقومات القوة مجتمعة في شكل لا يتحقق لقوة دولية أخرى. وأصبح السؤال: كيف يتعامل العالم مع هذه القوة؟ وقد تعزز هذا السؤال عندما جاءت انتخابات 2000 برئيس جمهوري هو جورج بوش الابن، بعد أن سيطرت عليه مجموعة المحافظين الجدد التي كانت تدعو منذ التسعينات إلى «القرن الأميركي»، «والإمساك باللحظة»، وفرض الهيمنة الأميركية وتبني نهج العمل المنفرد وعدم أخذ منظمات أو اتفاقيات دولية في الاعتبار. وقد نجح المحافظون الجدد في التسلل إلى أركان الإدارة واشتد نفوذهم ودعواتهم بعد أحداث 11 أيلول (سبتمر) 2000 وحيث تبنى جورج بوش استراتيجية العمل المنفرد وشنَّ حربين على أفغانستان والعراق متجاهلاً نصائح حلفائه، وإطلاق مشروعات تغيير النظم، والشرق الأوسط الكبير. إزاء هذا كله، كتب باحثون أميركيون عن «ترويض القوة الأميركية» لا بهدف مقاومتها وإنما لترشيد سلوكها. واليوم، ومع انتخاب دونالد ترامب بمفاهيم ليست فقط ضد أوضاع ومؤسسات الداخل الأميركي، وانما ضد علاقات أميركا مع العالم بما فيها حلفاؤها، أصبحت القوى والمناطق التي ستحتاج إلى ترويض ترامب، للمفارقة، حلفاء أميركا التقليديين في أوروبا، وحلف الناتو، وجيران أميركا المباشرين في أميركا الجنوبية، والصين، فضلاً عن العالم العربي وقوى رئيسة فيه مثل السعودية ودول الخليج، ودولة إقليمية مركزية مثل إيران. وللمفارقة، فإن روسيا الاتحادية هي من أكثر القوى التي عبر ترامب خلال حملته الانتخابية عن إعجابه برئيسها والاستعداد للتعاون معه. ولكن كيف يتحقق ترويض ترامب وترشيد توجهاته وقراراته؟ سيكون ذلك من خلال التغلب على ثغرة خطيرة لدى ترامب وهي عدم إلمامه وربما جهله بتعقيدات علاقات أميركا مع العالم، المرحلة التي تمر بها الآن من تحولات في النظام الدولي وعلاقات القوى معه، حيث بات الاعتقاد، حتى بين أهم المفكرين الاستراتيجيين الأميركيين أن أميركا مهما بلغت قوتها تحتاج إلى شركاء يعملون ويتعاونون معها لا إلى الإملاء عليهم، وسوف يعتمد هذا، داخلياً، على مجموعة الشخصيات التي ستتولى مناصب رئيسة في إدارته مثل وزارتي الخارجية والدفاع، والاستخبارات المركزية ومجلس الأمن القومي ومستشاري البيت الأبيض ونائب الرئيس. فإذا اختار ترامب هؤلاء من المتشددين الذين يتبنون الأفكار التي عبر عنها خلال حملته الانتخابية، بخاصة حول علاقة أميركا بالعالم، فإن عملية الترويض ستكون صعبة، بعكس الحال إذا جاءت اختياراته لهذه المناصب من بين شخصيات ذات خبرة بالعالم وتجارب أميركا المعقدة خلال العقدين الأخيرين. هذه الشخصيات ستساعد في عملية الترويض وفي عقلنة قرارات ترامب وإدارته. ويلاحظ أن القوى الغربية ممثلة في الاتحاد الأوروبي، كانت الأسرع إلى بدء عملية «تعليم ترامب»، إذ دُعي إلى الاجتماع في بروكسيل لمناقشة علاقات أميركا مع الاتحاد. وعربياً، فإن ثمة قوتين مدعوتين إلى التأثير في مفاهيم ترامب وإطلاعه على تعقيدات وأزمات المنطقة وما هو مطلوب من إدارته للتعامل مع أزماتها وبث الاستقرار في المنطقة. ونعني بهاتين القوتين السعودية ومصر، بما لهما من ثقل في المنطقة وعلاقات تاريخية مع الولاياتالمتحدة. وهناك أيضاً الأردن الذي أكد ترامب أنه سيتعاون معه ومع مصر. نقلا عن صحيفة الحياة